الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

التاكسي الأبيض المتوحش

التاكسي الأبيض المتوحش
التاكسي الأبيض المتوحش


عندما تجلس فى صالون سيارة الأجرة أو التاكسى الأبيض، فأنت ودون أن تدرى تدخل فى عالم من القصص والحواديت بداية من حالة الجو والأمن والأمان والشوارع المزدحمة والمرور المختنق نهاية بقصص من الدنيا وحواديت يرويها سائق التاكسى الذى يقطع ملل الساعات وزحمة الشوارع بالأحاديث والحكايات!.. إما الحكايات أو تستمع إلى أغنيات شعبية خرجت من بطون الحارات لها نفس التكوين والرتم الموسيقى أما الكلام فحدث ولا حرج، يستمتع سائق التاكسى عندما يجد فى الزبون الذى يركب معه أذنًا صاغية وصدرًا رحبًا يستوعب ما يثرثر به أثناء دقائق أو ربما ساعات على حسب الطريق وتساهيل السكة!!

لذا وجدت من الضرورى أن أدخل إلى عالم «التاكسى الأبيض» لأن التاكسى وسائقه قد يكون «ترمومتر» نستطيع أن نعيش معه الأحوال فى مصر بشكل أو بآخر ولأنى زبونة من زبائن التاكسى المستديمة لم أجد صعوبة فى اقتحام عالم «التاكسى الأبيض» المفتوح على مصراعيه أمام كل من يرفع يداه «بالإشارة» تاكسى.. تاكسى!!
∎ التكييف عطلان
رغم زيادة أسعار «التعريفة» الخاصة بالتاكسى مؤخرًا إلا أن أغلب سائق التاكسى الأبيض مازالوا يشتكون من الظلم يتفاوضون معك إذا أردت تشغيل التكييف فى هذا الحر الزمهرير إما أن تدفع خمس جنيهات زيادة على قيمة العداد أو تصبر على الحر وتغنى مع نفسك «ظلموه»، زادت تعريفة التاكسى نصف جنيه «خمسين قرشا» وأصبحت تبدأ بثلاثة جنيهات بعدما كانت بـ«اثنين جنيه ونصف» وكل كيلو أصبح «بجنيه ونصف الجنيه» ورغم هذه الزيادة إلا أن الكثير من سائقى التاكسى الأبيض يشعرون بأنها زيادة كاذبة أمام زيادة أسعار المحروقات خاصة «الغاز والبنزين» ومع هذا الشعور من قبل سائقى التاكسى بعدم الرضا بما يدخله التاكسى لهم من دخل شهرى يبدأ معظمهم فى التحايل على الحياة لإخراج «القرش» والكثير منهم لا يكون «القرش للعيش فقط» ولكن قرش للعيش وقرش آخر للمزاج والكيف!!
لندع سائقى التاكسى «يتحدثون» ربما نستطيع أن نفهم ولو قليلا عن عالم «التاكسى الأبيض المتوحش»!!
∎ التاكسى المشكلة
«مصطفى فوزى» سائق تاكسى فى منتصف الثلاثينيات يعمل سائقا للأجرة منذ سنة 1002 ويقول: «فى سنة 9002 سلمت سيارتى القديمة الأجرة الأبيض والأسود وكانت سيارة «بولونيز» للحكومة، حكومة نظيف وأخذت «شيك» بعشرة آلاف جنيه كان هذا تقرير الحكومة «للعربية بتاعتى» وأخذت الفلوس وذهبت بها إلى «البنك الأهلى المصرى» واستلمت سيارة «فيرنا بيضاء» وقالولى وقتها إن هذا هو «التاكسى الأبيض» حلم كل سائق تاكسى أخذت السيارة الحلم وبدأت أدفع الأقساط على خمس سنوات قيمة القسط (097 جنيها) فى الشهر ووقتها وجدت أن القسط بسيط وإن السيارة هتجيب أربعة أضعاف القسط فى الشهر مرتاح، لكن بسرعة اكتشفنا وأقصد كل سائقى التاكسى فى مصر أن «الحكومة ضحكت علينا» وإن مثل هذه السيارات «فيرنا ولانوس وإسبرنزا» سيارات لا تصلح أن تكون تاكسى أجرة يجرى فى الشوارع «أربعة عشر ساعة كاملة»، كل يوم لأنها سيارات تهلك سريعًا وخفيفة لكن الحكومة «غصبت علينا» ومنعت التراخيص عن السيارات القديمة «الأبيض والأسود» والسيارات القديمة يعنى اللى موديل السبعينات والثمانينيات والتسعينات ولهذا اضطر معظم سائقى التاكسى فى مصر لتسليم سياراتهم واستلام «التاكسى الأبيض» وبدأت أدخل فى دوامة «التاكسى الأبيض» كل شهر لازم أغير الزيت والفرامل وبعد سنتين بدأت أغير قطع غيار كثيرة فى العربية والتكييف فى العربية بيستهلك بنزين كتير يعنى قبل زيادة البنزين كنت بأحط بنزين فى اليوم «بأربعين جنيها» بأشتغل ست ساعات لكن بعد الزيادة أصبحت أضع بنزين «بخمسة وثلاثين» جنيها للثلاث ساعات!
أغلب سيارات «التاكسى الأبيض» فيها «غاز وبنزين» مع بعض والحقيقة «الغاز» بيهلك مثل هذه السيارات لكن ما العمل حتى السائقين المعتمدين على الغاز، أسعار الغاز زادت (571٪) يعنى كان سعر متر الغاز «54 قرشا» أصبح اليوم سعر متر الغاز بـ«011» قروش، وكنت الأول «أفول العربية» بـ51 جنيها عشان تشتغل خمس أو ست ساعات لكن بعد الزيادة بأحط بثلاثين وأربعين جنيها غاز عشان أشتغل نفس عدد الساعات، ومع هذا الغاز ليس حل عمليا لأنه بيخلف رواسب فى التاكسى باضطر أن أغير «الماتوور» كل سنتين بثلاثة آلاف جنيه!!
وسألت «الأسطى مصطفى» عن عائد التاكسى له فى الشهر فذكر له حسبة عجيبة وغريبة وقال «الوردية بتصفى 07 جنيها بعد البنزين والزيت وقطع الغيار بأضرب «07 جنيه * 52 يوما» يعنى التاكسى بيصفى لى ولأولادى (0002 جنيه فى الشهر) وبعد ما أدفع القسط (057) جنيها يعنى الصافى بتاعى من التاكسى الأبيض ألف جنيه فى الشهر طيب أعمل بيهم إيه!! وأنا عندى ثلاث أولاد اثنين منهم فى الابتدائى «أربيهم إزاى»!! وسألت مصطفى سؤالا أخيرا «لماذا لا تبحث عن شغل آخر إذا كان التاكسى ظلمك» فيرد على «هو فيه شغل فى البلد ربنا مكملها بالستر»!1
∎ من يختار من؟!
وقت الذروة يقف المئات من الناس على الطرقات فى الشوارع الرئيسية نصفهم ينتظر الأتوبيس والنصف الآخر موزع قسمين بين منتظرى الميكروباص ومنتظرى «تاكسى أبيض» يرحمهم من عناء الزحمة وقسوة الطقس والجو، ولكن سرعان ما تلاحظ أن «التاكسى الأبيض أفندى» يبدأ فى اختيار ركابه يعنى «ست حلوة ماشى» أو «رجل يظهر عليه علامات إنه ابن ناس ومرتاح» ماشى!! وأحيانًا يكون سائق التاكسى ابن حلال ويرحم رجلا عجوزا من إغماءة وتعب الطقس أو يرحم سيدة معها أولادها من «بهدلة » السكة لكن فى الأغلب يختار سائق التاكسى زبونه وليس كما كان العكس أو كنا نظن العكس أننا من نختار التاكسى!!
وسألت الأسطى «هانى عبده» فى أوائل الأربعينات حاصل على بكالوريوس تجارة ولكنه بيشتغل سائق تاكسى منذ (21 سنة) سألته لماذا يرضى سائق التاكسى بزبون ويرفض آخر ويضحك قائلاً «لأننا بعد الثورة إحنا أكتر ناس بتتسرق»!! ويكمل «أنا باختار الزبون اليوم بعناية شديدة لأنى اتسرقت فى أوائل عام 2102 والغريبة أنى اتسرقت من اتنين «بهوات» وقفونى فى مصر الجديدة وطلبوا منى أروح بيهم على الشروق وكانت الساعة «9 مساءً» وبعد ما خرجنا من العمار بشوية لقيت واحد منهم بيرفع على مسدس من خلفى لأن الاثنين كانوا يجلسون فى الكنبة الخلفية وطلبوا منى الوقوف والنزول من التاكسى وكان مفيش أمامى أى حل آخر غير أنى أترك التاكسى وأمشى بس قبل ما أمشى طلبوا منى رقم موبايلى وقالولى هنكلمك وأخدوا التاكسى وجريوا!! بعدها بيومين اتصلوا وطلبوا عشرين ألف جنيه عشان التاكسى يرجع وبدأت أجمع الفلوس من أهلى وأصحابى هعمل إيه!! وذهبت فى المكان المتفق عليه وكان نواحى المرج اتصلوا وقالوالى «شايف كوم الزبالة» «حط فيه الفلوس» وحطيت الفلوس وبعدها بساعة وأنا واقف فى الشارع لوحدى اتصل واحد وقال لى «روح خد عربيتك من «عين شمس» هتلاقيها شغالة ودايرة ورحت وأخدت عربيتى وحمدت ربنا أنها رجعت» والله دول ناس محترمين أنهم رجعوها مش أخدوا الفلوس زى ما حصل مع أصحابى والتاكسى لم يعد» والله دول محترمين!!؟
ويكمل «الأسطى هانى» «النهاردة ضرورى أن أختار زبونى ويكون واحد مش اتنين ولو رجل بيركب جنبى مش خلفى وبعدين فيه سكك وشوارع كتير لا أذهب إليها أصلاً يعنى الحوارى والعشوائيات والطرق البعيدة عن العمران كلها برفضها من الأساس!! طيب أنا ثبتونى اتنين رجالة ده فيه ناس أصحابى ثبتوهم «ستات» آه والله ووقفوهم وكان يبقى رجاله مستنيين فى المكان وياخدوا التاكسى ومايرجعش!!
∎ رخصة معلقة!!
«كبوات التاكسى الأبيض فى المرور» كثيرة بداية من الرخصة التى لم تجدد لسنوات لأن البنك لم يعط ورقة تجديد الرخصة لكل سائق تاكسى لم يدفع أقساط البنك المتراكمة ويحكى لى «حسن السيد» سائق تاكسى منذ عشر سنوات عن معاناته كل يوم يمشى فيه من غير رخصة فهو عادة يمشى خائفا قلقا من أى إشارة أو كمين يطالبه بإظهار الرخص رخصته الخاصة بالقيادة ورخصة سيارة التاكسى ويحكى حسن ويقول «الدنيا غلا وسائق التاكسى ممكن يشتغل ويفتح مخه شوية لأنه لو اعتمد على «البنديرة» والعداد «مش هياكل عيش».
وسألت «الأسطى حسن» عن معايير تفتيح المخ لدى سائق التاكسى الأبيض فأجابنى وهو ينكر أنه من نوعية سائق التاكسى الذين يفتحون أدمغتهم لأنه بيخاف من ربنا جدًا ويكمل «يعنى ممكن سواق التاكسى الأبيض يتفق مع بنات ليل لا مؤاخذة شمال ويكون واقف أمام الفنادق الكبيرة لاصطياد الزبائن أصحاب المزاج أو العرب الذين يبحثون عن متعة أو سهرة حلوة ومهمته أنه يجمع ويوفق دول على دول فى «ورقة عرفى ماشى أو من غير جواز ماشى وفى النهاية بيكسب فى الكام يوم اللى فيه  الزبائن العرب أو أصحاب المزاج بيكسب الآلاف ممكن وقتها يقول «سواق التاكسى الأبيض» إن عيشة التاكسى «فل الفل»!!
∎ التكييف ولا العداد
داخل المرور يكون التفتيش على أمرين الرخصة وتجديدها والتكييف وهل العداد فى مكانه أو السيارة بدون عداد لكن وكما يؤكد لى العديد من سائقى التاكسى الأبيض «لا أحد فى المرور مهتم إذا كان العداد سليما أو العداد غير سليم» الأمر الذى يدخل زبائن «التاكسى الأبيض» فى دوامة من التوحش وغلاء أسعار التعريفة إلى مزيد من الغش والسرقة.
ويتحدث «أحمد السيد سعيد» فى منتصف الخمسينات سائق تاكسى من ثلاثين سنة يتحدث عن أحوال سائق التاكسى اليوم والتى اختلفت عن أحوالهم زمان ويكمل «أنا سائق تاكسى من سنة 6891 كنت سائق فى الجيش وبعد الجيش كان عندى «عربية شاهين» وبعدين سلمتها للحكومة «واشتريت التاكسى الأبيض» لكن بأقسط مع المعرض وبأدفع قسط (0571) جنيها فى الشهر والمعرض واخد على «كمبيالات»، المهم إن عداد التاكسى  لن يكفى حتى بعد زيادة الحكومة خاصة إن الزبون أصبح بيفكر كتير قبل ما يركب التاكسى!!
وسألت الأسطى «أحمد» «لماذا نشعر إن العداد فى التاكسى الأبيض غير مضبوط فى تاكسى ومضبوط فى آخر من المسئول عن اللعب فى عداد التاكسى الأبيض؟!
ويجيب «أسطى أحمد» طبعًا فيه سواقين بيلعبوا فى العداد وهم كتير وممكن السواق اللى يلعب أو يروح لواحد متخصص فى ضبط العداد وهم موجودون فى السيدة زينب ووسط البلد ومعروفون بالاسم، لكن أنا حد الله بينى وبين الحرام يعنى يا ست هقولك فيه سواقين ما بيلعبوش فى العداد لكن بينقلوا دقيق مسروق مدعم من الحكومة من المخازن للمطاعم والفنادق بينقلوا الدقيق فى «الخباثة» وفى كل «نقلة» بيخدوا فلوس كتير، بحق الله أنا مش زعلان غير من «الملاكى» اللى عمل نفسه تاكسى بقى بيقاسمنا فى شغلنا والناس بتركبه عادى أحيانًا الناس بتتخدع لأنه أبيض زى التاكسى الأبيض بالضبط وحتى لما يقف لأن واحد بيقف بطريقة حتى لا يقدر أى واحد يعرف إذا كان ملاكى أو تاكسى من رقم ولون اللوحة الخاصة بالعربية ومش عارف ليه الحكومة ما تعملش «بادج» يتعلق على كل سيارة تاكسى فيها رقم السيارة واسم السائق وتتعلق على لوح الزجاج الأمامى للتاكسى حتى يعرف أى واحد إذا كانت العربية تاكسى ولا ملاكى!!
ويكمل الأسطى أحمد حديثه عن نوعية سائقى التاكسى اليوم ويقول:
سائق التاكسى زمان كان أسطى باشا» ما يهمهموش غير الشغل وأكل العيش وبس لكن النهاردة دخل على «الكار» شوية «عيال فرافير» بتوع الجل والحظاظة دى مش شغلتهم لكن آهو مفيش شغل فى البلد خصوصًا بعد الثورة فكل واحد بيعرف يسوق يشتغل «سواق تاكسى» ويدفع وردية لصاحب العربية «وخلاص» وللأسف أغلبهم بياخدوا الفلوس ويصرفوها على «المزاج» يعنى نبقى قاعدين على القهوة إحنا سواقين التاكسى أنا بخلص الشاى بتاعى وأقوم أشتغل، لكن العيال دول بيضربوا حبوب وبرشام وحشيش وينسى بيته وعياله ويقول «الرزق مش مكفى»!!
إلى هنا انتهى موضوعنا عن التاكسى الأبيض وإن لم تنته قصص وحكايات وحواديت ومشاكل وشكوى سائقى التاكسى الذى بدأ شراؤه بأزمة ولم تنته حتى اليوم خلافات سائقيه حول تسعيرة العداد ومفاوضات بينهم وبين الزبون لتشغيل التكييف أو حتى الراديو نهاية بأمنية أغلب سائقيه أن يرفع العداد من السيارة ونعود مثل زمان نتفاوض ونتقاول على تسعيرة المشوار وربما يكون فى ذلك راحة للجميع!!