الأربعاء 17 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

صمت أزلى وسط سيمفونية فوضى

رحلة إلى «أرض الآلهة»

الجزيرة مرآة لعمق الحياة فى أبسط صورة
الجزيرة مرآة لعمق الحياة فى أبسط صورة

بالى «إندونيسيا»: من عمرو محمد الغزالى



 «حين لامست قدماى تراب بالى، شعرت أننى لا أعبر مسافة، إنما أنتقل إلى إيقاع آخر للعالم، إيقاع تتحدث فيه الطبيعة بلغة تُحَس فى القلب قبل أن تُسمَع فى الأذن».

بالى هى قلب الأرخبيل الإندونيسى النابض، وتعرف بين جزر المحيط بلقب «أرض الآلهة»، لقب يلخص ما اجتمع فيها من جمال الأرض وصفاء الروح، وترافق مع ذلك أنها عرفت الإنسان وعرفها، كما عرفت الطبيعة وأعطته من أسرارها.

يظهر ذلك فى تضاريسها المتنوعة، من الشواطئ التى تمتد كأفق بلا نهاية، إلى مدرجات الأرز التى تنحدر كدرجات نحو النور، وإلى البراكين الصامتة التى تلامس الغيوم، والشلالات التى تنهمر كأنها رسائل من السماء. لقد كانت هذه الأرض مأهولة بالسكان منذ حوالى 2000 قبل الميلاد من قبل شعوب الأسترونيزى، لتشكل بذلك بداية رحلة طويلة بين الإنسان وهذه الجزيرة.

رغم صغر مساحتها، هى مسرح للقاء عميق بين الطبيعة والروح، لقاء يظل حاضرًا فى كل مشهد وكل زاوية.

تأثرت ثقافة هذه الجزيرة الغنية بالثقافات الهندية والصينية، وخاصة الهندوسية، منذ القرن الأول الميلادى.

لكنها شهدت تطورًا ثقافيًا كبيرًا بعد هجرة  الهندوس  من جاوة  فى القرن السادس عشر، إثر سقوط مملكة ماجاباهيت، مما أثر بشكل عميق فى فنونها وتقاليدها.

وقد كانت بالى موطنًا لممالك قوية مثل مملكة جيلجيل التى حكمت الجزيرة لقرون، وكانت آخر الممالك التى قاومت الاستعمار الهولندى.

وفيها، لا يقف الجمال عند حدود الرؤية أو المشاهدة العابرة؛ بل يتحول إلى إحساس متكامل، حيث تصير الصور نبضًا، والمشاهد إيقاعًا داخليًا، كأن الجزيرة مرآة تعكس عمق الحياة فى أبسط صورها. وقد عرفت هذه الأرض عبر التاريخ بأسماء مختلفة، منها «بالى ديويبا» كما ورد فى النقوش القديمة.

 

 

 

فى كوتا، يتقاطع هدير البحر مع صخب المقاهى ونداءات الباعة، فتتشكل سيمفونية من الفوضى، إيقاعها سريع ونبرتها عالية. غير أن خلف هذا الصخب، يلوح بحث أزلى عن نغمة هادئة تحفظ للروح توازنها. لقد كان أول اتصال أوروبى معروف بالجزيرة مع وصول التاجر الهولندى كورنيليس دى هوتمان عام 1597، لكن بالى قاومت الاستعمار بشدة، وشهدت شواطئها بطولات مثل معركة «بوبوتان» عام 1906 التى رفض فيها الملوك الاستسلام وقادوا انتحارًا جماعيًا مشرفًا.

تكشف شواطئ جزيرة بالى عن بعد آخر مختلف، تمتزج فيه الحيوية مع الطبيعة الخلابة، ويبدو شاطئ كوتا نموذجًا حيًا للطابع الصاخب الذى يميز جزءًا من الجزيرة؛ إذ تتحرك أمواجه تحت أشعة الشمس كخيوط ذهبية متماوجة، تجذب ممارسى رياضة ركوب الأمواج وعشاق الحياة الساحلية النشطة.

تتواصل الحركة فى محيط الشاطئ بين المقاهى والمحلات التجارية، وتختلط أصوات الناس وضحكاتهم مع نبرات البحر، فتتكون طاقة اجتماعية متدفقة تُضفى على المكان حيوية خاصة، ويبرز كوتا بوصفه القلب النابض لبالى، الواجهة التى تكشف قدرة الجزيرة على الجمع بين الصخب الحيوى والسكينة التأملية، فتتجلى فى أبعاده المتعددة طبيعتها الغنية.

شهدت هذه المنطقة تطورًا ملحوظًا مع ازدهار السياحة بعد استقلال إندونيسيا فى عام 1945، لتظل كل موجة وكل ضحكة وكل حركة على الرمال نبضًا متواصلًا للحياة فى الجزيرة، كأن الزمن يظل حاضرًا فى كل لحظة، فى كل مشهد، فى كل شعور.

«فى سيمينياك، للغروب لغة لا تُترجم، تُحس فى الأعماق. كل لحظة صلاة صامتة، وكل موجة تهدهد فيك شيئًا خفيًا كنت تجهله، فيتفتح الأفق أمام إحساس جديد، ويتجلى المكان كما لو كان يهمس بسرٍ قديم محفوظ بين البحر والسماء والرمال. كانت تشهد مرور السفن الأوروبية منذ القرن السادس عشر، لكن تأثيرها المباشر كان محدودًا فى البداية».

 

 

 

فى شاطئ سيمينياك، تظهر السكينة كما لو كانت حاضرة منذ البداية، مساحة تتجلى فيها أحلام مثالية بكل وضوح.

على عكس الحيوية النابضة التى تنبض بها أمواج كوتا، يقدم سيمينياك تجربة مختلفة، حيث يمتزج السكون بالمشاعر ليصبح جزءًا من الوعى والوجدان. المكان يتسم بتوازن دقيق بين البذخ والرقى، من المنتجعات الفاخرة إلى المطاعم الراقية ونوادى الشاطئ الأنيقة، جميعها عناصر منسقة ضمن مشهد يخاطب الحواس بروية وانسجام.

ويبلغ هذا المشهد ذروته عند لحظة الغروب، حين يمتد الأفق وتتلون السماء بألوان الذهب والبرتقالى والبنفسجى، فيتحول المشهد إلى مسرح كونى يعجز التعبير عن احتوائه. فى تلك اللحظة، يبدو الكون كأنه يحتضن المكان كله، متجليًا فى صورة من الصفاء والجمال النادر.

ومن خلال هذا المشهد، يتضح أن المقارنة بين كوتا وسيمينياك لا تعكس «الأفضلية» بمعناها التقليدى؛ إذ ترتبط بما تبحث عنه الرحلة الداخلية؛ إيقاع الحياة الديناميكى أو التأمل الهادئ الذى يمنح النفس فرصة للتجدد. سيمينياك هنا يتحول إلى بوابة للصفاء الذهنى، ونقطة انعطاف تعيد تعريف معنى الاسترخاء كحالة من الانسجام الوجودى بين الذات والعالم.

«الغوص فى جزر نوسا يعنى الانفصال عن الواقع. يصبح الجسد مجرد كيان يطفو بين أسرار البحر وألوانه التى لا تُحصى».

كانت هذه الجزر جزءًا من الممالك البالينية القديمة وقد تأثرت تاريخيًا بالأحداث التى مرت بها الجزيرة الأم.

مع المحيط، تتجه الأنظار نحو جزر نوسا، لمبونغان، تشينيغان، وبنيدا، كمن يقترب من جوهر السرّ فى  قلب الطبيعة. هذه الجزر مغامرة تنبض بروح الاستكشاف، كأنها عبور إلى عوالم موازية داخل بالى نفسها. فى نوسا لمبونغان، تتنقل الدراجات النارية بين شواطئ خفية ومنحدرات صخرية شاهقة تعانق البحر فى صمت مهيب.

 «فى تجالا لانغ ثم جاتيلويهانغ، بدا الفلاح شاعرًا يمسك بالكف والماء والأرض، يرسم لوحات من حياة».

تلك الحقول زراعة وفن طقوسى فى آن، تراتيل خضراء تهمس للتوازن، وتعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والطبيعة فى مشهد منسوج بالصبر والروح. لقد تطور نظام الرى «سوباك» فى بالى منذ القرن التاسع، وهو ما سمح بإنشاء هذه المدرجات الزراعية الفريدة التى تعكس الانسجام بين الإنسان والطبيعة».

 

هذه الجزر جزء من الممالك البالينية القديمة
هذه الجزر جزء من الممالك البالينية القديمة

 

حقول الأرز المتدرجة فى بالى، ما إن تذكر، حتى تتدفق أمام العين صور خضراء متراصة، تصوغ الجمال بخط يد الأرض والماء، وتفتح فى الذاكرة أبوابًا على تاريخ لا يزال حيًا فى تفاصيله. فى أوبود، حيث مدرجات تجالا لانغ، يقف الناظر أمام لوحة نسجتها الطبيعة وصقلتها يد الفلاح، فى مشهد لا يعرف التصنع ولا الزيف. هناك، وسط صفوف الأرز، وبرودة الطين تحت القدمين، والريح تلامس السنابل، يتراءى الفلاح وكأنه يؤدى صلاة صامتة، تحفظ للتربة قدسيتها. وقد تم الاعتراف بأهمية هذا النظام الفريد بتسجيله كموقع للتراث العالمى لليونسكو.

وفى جاتيلويهانغ، المسجلة على قائمة التراث العالمى، يمتد البساط الأخضر بلا نهاية، ويأتى الجمال من البساطة، ومن الجهد الصامت، ومن أرض تعرف العطاء بلا انتظار. هناك، يخرج القلب مثقلًا بالامتنان، كمن استعاد الدرس الأول: كيف يُحبّ التراب.

 «شلال موندوك، لم يكن الصوت مجرد سقوط ماء، كان هالة، وكأننا نغتسل من العالم القديم. فى بانيومالا، كانت الشلالات التوأم كعينين تبكيان النور، كل قطرة منها تحكى حكاية طبيعة صامتة، وتترك النفس محمّلة بشعور بالسكينة والتأمل».

بدت شلالات بالى كأديرة طبيعية خفية، تتوارى فى أعماق الغابات الاستوائية، وكأنها تحفظ أسرار الطبيعة بصمت مهيب. بدأت من شلال تيجينونجانغ، القريب والمزدحم، حيث تبهرك قوة المياه، لكن التأمل يتلاشى وسط الزحام. فاستجبت لنداء الغابة وتوغلت أعمق.

فى شلال موندوك، كان الوصول تحديًا عبر ممرات رطبة وظلال كثيفة، لكن المكافأة شعور بالاكتشاف؛ مياه تنساب كخيوط فضية، والرذاذ يملأ الهواء بهالة باردة، وصوت الماء يتردد كترتيل بدائى. هناك، بدت الطبيعة كمن تهمس بسرها لمن يُنصت.

أما شلال بانيومالا التوأم، فقدّم مشهدًا من التناغم الخالص؛ شلالان متجاوران ينسابان فى رقصة أزلية، والماء لا يهبط فحسب، بل يسرى داخلى، يغسل أعماقًا خفية. لم أكن أراقب الطبيعة، بل كنت أذوب فيها.

«لم أكن أتسلق جبلًا، كنت أصعد فى داخلى. ومع ظهور الشمس، بدا المشهد وكأننى أول من يراه، وكأن الطبيعة أعدّت هذا الضوء خصيصًا لى، تمنح الروح فرصة للدهشة والانبهار قبل أن تبدأ الكلمات بالتشكل. البراكين فى بالى، مثل جبل باتور، لعبت دورًا مهمًا فى تشكيل المناظر الطبيعية وكانت تعتبر مقدسة فى المعتقدات البالية القديمة».

 

 

 

 

ولأن النفس لا تكتفى بالسكينة وحدها، انطلقت نحو جبل باتور، فى تجربة بدأت فى عتمة الفجر، حين يغفو العالم وتستيقظ العزيمة.

كان الظلام كثيفًا، والتسلق تحديًا يحتاج إلى صبر وصمت، كأن الجبل لا يكشف سره إلا لمن يطلبه بإصرار.

وعندما بلغت القمة، وانشق الأفق عن أول خيوط النور، بدا المشهد محرابًا كونيًا، لوحة من الضوء والظلال على البحيرات والجبال، تهمس بأن الإنسان، رغم ضآلته، قادر على بلوغ القمم حين يخلص فى سعيه. وقد شهدت هذه الجبال ثورات عبر التاريخ، مثل ثوران جبل أغونغ فى عام 1963 الذى كان له تأثير كبير على حياة السكان.

ما يميز بالى حقًا ليس جبالها ولا شواطئها فقط، بل روحها، تلك الروح التى تتنفسها فى الهواء، وتلمحها فى كل تفصيلة من الحياة اليومية. الدين هنا ليس ممارسة فحسب، بل نسيج حى يتغلغل فى الممارسات اليومية، فى الزهور الموضوعة أمام المعابد، فى الأدعية الهامسة، وفى توازن الحياة نفسها.

«لفهم روح بالى بعمق، يجب استيعاب فلسفتها الجوهرية، «ترى هيتا كارانا»، التى تعنى الانسجام الثلاثى».

هذه الفلسفة تشكل أساس كل شىء فى الجزيرة، وهى تقوم على ثلاثة مبادئ مترابطة:

الانسجام مع الآلهة بالطقوس والقرابين اليومية، والانسجام مع البشر بالتضامن المجتمعى والعمل المشترك، والانسجام مع الطبيعة باحترام الأرض، والزراعة المستدامة (نظام «سوباك»)، وحماية البيئة.

 

رغم الزحام.. هدوء وسكينة
رغم الزحام.. هدوء وسكينة

 

هذه الفلسفة هى التى تفسر السبب وراء الشعور بالسكينة، لأن كل شىء مصمم ليعمل بتوازن مثالى.

وهذا التوازن يبلغ ذروته فى يوم «نييبى»، يوم الصمت السنوى الذى تتوقف فيه الحياة بالكامل لمدة 24 ساعة، فلا ضوء، ولا ضوضاء، ولا عمل، وهو طقس لتطهير الذات والجزيرة. يسبق هذا اليوم احتفال «أوغو-أوغو» الصاخب، حيث تُحمل تماثيل ضخمة للأرواح الشريرة ثم تُحرق للتخلص من الطاقة السلبية.

«كل معبد هنا بيت للزمن، وكل طقس همس من ماضٍ لم يمت، يربط بين الروح وجذورها».

بالى المقاطعة الوحيدة ذات الأغلبية الهندوسية فى إندونيسيا، حيث يعتنق أكثر من 86% من السكان الهندوسية، وقد بنيت هذه المعابد عبر قرون لتعكس هذا الإيمان العميق.

زيارة معابد بالى تجربة فريدة، تخترق القلب بصمت جليل.

يبدأ الممر بمعبد تانا لوت، المعبد البحرى الشامخ على صخرة تعانق المحيط، عند الغروب، حين ترسم الشمس آخر ألوانها على البحر. وسط الزحام، يحتفظ المعبد بروحه لمن يأتيه بسكينة، ويصبح الصمت فيه أقرب إلى الصلاة.

ثم يتجه الممر إلى معبد أولواتو، المطل من أعلى منحدر صخرى على المحيط الهادئ. المشهد البانورامى مهيب، لكن رقصة كيتشا عند الغروب تترك أعظم أثر؛ رقصة بلا موسيقى، تؤدى بأصوات بشرية متناغمة، تحاكى القردة وتستحضر الأسطورة، لتشعر وكأنك تشارك فى طقس قديم يستحضر الزمن.

ولبلوغ ذروة الرحلة، يصل الممر إلى معبد بَساكيه، الملقب بـ«المعبد الأم»، على منحدرات جبل أغونغ.

هناك يظهر الإيمان فى الحياة اليومية للسكان، فى طقوس بسيطة مليئة بالإخلاص، وفى أزهار تُقدّم للآلهة دون استعراض.

لا تُلتقط صور، بل يُتأمل بهدوء، ويمتلئ القلب بتواضع أمام هذا الصفاء الحيّ. وقد حافظت هذه المعابد على أهميتها الروحية والثقافية خلال فترات الحكم الاستعمارى وبعد استقلال إندونيسيا.

لفهم بالى بعمق، لا تكفى شواطئها أو جبالها؛ يجب أن يُصغى للصلاة وهمس الطقوس، وأن يُتأمل الانسجام بين الإنسان والطبيعة والمقدّس. روح بالى لا تُقرأ فى الكتب، بل تُعاش فى تفاصيل الحياة اليومية، وتنبض فى هوائها وترابها.

الروحانية فى بالى لا تقتصر على المعابد، بل تتسلل إلى الشوارع، تهمس بين الزهور، وتُقدّم مع الأرز أمام المحلات. ليست مجرد ديانة، هى أسلوب حياة ينبض فى كل زاوية.

ليست الروحانية حكرًا على المعابد أو المواسم الكبرى، بل نبض يجرى فى عروق الحياة اليومية.

كانت رؤيتى الأولى لقرابين «كانانج سارى» بمثابة اكتشاف لعقيدة تُمارس على هيئة محبة. تلك السلال الصغيرة المصنوعة من سعف النخيل، والمملوءة بالزهور، والأرز، وقطعة حلوى، وربما عملة رمزية أو عود بخور، توضع بعناية تشبه التقديس؛ على عتبات البيوت، عند أبواب المحلات، على الأرصفة، وفى زوايا السيارات، حتى فى الأماكن التى نعدّها «عادية». هذه القرابين ليست طقسًا شكليًا، هى تجسيد حى لعرفان يومى، تذكير بوجود الآلهة فى كل لحظة وزاوية. هذه الطقوس، ببساطتها، لا تثقل الحياة، بل تندمج فيها كما يندمج العطر فى الهواء. الدين هنا ليس مفصولًا عن اليومى، بل نسيجه ولونه.

وإلى جانب قرابين «كانانج سارى»، هناك جوانب من الروحانية البالية تتجاوز المألوف.

ففى قرية أونيان، وهى قرية بالية قديمة، تُظهر طقوس الدفن فهمًا مختلفًا للموت. فبدلًا من الحرق التقليدى، يُوضع المتوفى تحت شجرة مقدسة، حيث تتولى الطبيعة مهمة التخلص من الجسد بطريقة فريدة.

هذا المشهد يذكّرك بأن الروحانية فيها لا تتعلق فقط بالاحتفال بالحياة، بل أيضًا بقبول النهاية كجزء من دورة الحياة الأبدية، فى تناغم تام مع الطبيعة.

وتتكرّر الاحتفالات الدينية كنبض فى قلب المجتمع البالى، هذه الاحتفالات ليست مهرجانات صاخبة بقدر ما هى امتداد للروح الجماعية.

الألوان الزاهية، الأقمشة التقليدية، رقصات «الجميلان» المعقّدة، الإيقاعات القادمة من أعماق التاريخ... كل ذلك يشكّل مشهدًا شعائريًا لا يشبه المهرجانات السياحية المصطنعة. وتبرز من بينها رقصة البارونغ والكريس، التى تمثل الصراع الأبدى بين قوى الخير والشر، حيث يحاول المشاركون طعن أنفسهم بالخناجر فى ذروة الأداء، ولكن قوى الخير تحميهم فى مشهد روحانى قوى.

هذه المشاهد الحية تشكلت بمرور الوقت، وقد جذبت فى القرن العشرين فنانين غربيين إلى أوبود، مما ساهم فى تطوير الفن البالى الحديث.

فى بالى، يصبح التنفس فعلًا واعيًا، وتغدو اللحظة أثمن من الأعوام، ويصير الإصغاء طريقًا إلى الصفاء الداخلى، وإلى الانتماء لعالم لا ينفصل فيه البحر عن الغابة، ولا الغروب عن الروح.