«كومبارس صامت» يفوز بجائزة «فاتن حمامة للتميز»!
تحتفل بمسيرته الفنية: سوزى شكرى
كيف تكون فنانا استثنائيا، وهل للاستثنائية خطوات يجب اتباعها، هل يكفى أن تكون موهوبا؟ هل تتنظر أن يمنحك القدر الفرص، هل تلقى اللوم والعتاب على الحظ أو على الآخر، وإذا وصلت للنجومية والشهرة من سيكون صاحب الفضل الأول، وهل النجومية والشهرة تصنع لك البصمة والأثر الخالد؟
الإجابات تجدها حين تقرأ سيرة ومسيرة الممثل والفنان المصرى العالمى صاحب الخطوات الجادة «خالد النبوى»، الذى تم تكريمه بمهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الـ46 بجائزة «فاتن حمامة للتميز» لمسيرته الفنية الحافلة على مدى 35 سنة قدم خلالها أدوارًا فارقة وبعضها لا يُنسى بدأها من الثمانينيات.
وضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى والتعاون مع دار «ريشة» للنشر لإصدار كتب المكرمين بالمهرجان كان من بينهم كتاب «خالد النبوى- المتفرد» للكاتب الصحفى والناقد الفنى زين العابدين خيرى.

كاتب سيرة خالد النبوى دخل عالمه ليس فقط كناقد فنى اعتاد أن يشاهد ويحلل ويقيِّم؛ بل لمسنا فى فصول الكتاب السبعة أنه مفتون بالمهاجر القادم من المنصورة بحثا عن المصير، مقدرًا لشخصه كإنسان واضح صريح، وكفنان بطاقاته الإيجابية التى لم تضعف مع تقلبات الحياة ولا مع أزمات صناعة السينما.
وتوقف عند كل خطوة من خطواته الفنية والحياتية وكشف لنا عن المبادئ التى أرساها خالد النبوى لنفسه منذ البدايات والتزم بها. أولها «أن الموهبة وحدها لا تكفى». ويتفق ذلك مع رأى الكاتب الأمريكى «ستفين كينج»: «الموهبة أرخص من ملح الطعام، وما يميز الموهوبين عن الناجحين هو الكثير من العمل الجاد».
فإذا كان مهرجان السينما منح خالد النبوى جائزة «التميز» فكاتب سيرته أضاف عليها «التفرد». قدم الكاتب قراءة نقدية تفصيلية بديعة عن أدوات خالد النبوى بدءًا من مرحلة إعداده للدور وصولاً إلى مرحلة التمثيل بكل ما فيها من تعابير الوجه ونبرة الصوت ولغة الجسد، وذلك من خلال عرض نقدى لأعماله السينمائية المصرية والعالمية والتلفزيونية ووضع كل عمل فى سياقه الزمنى، وختم الكتاب بشهادات من الذين عرفوا خالد النبوى عن قرب.

البدايات بصوت خالد
فى المعتاد يوجد فارق كبير جدا بين أن تشاهد نجما يتحدث أمامك على الشاشة، وبين أن تقرأ عنه صفحات فى كتاب، إلا أن كاتب سيرته جعلنا نسمع صوت خالد النبوى وهو يتحدث عن بداياته وكأنه صوت راوٍ فى أحد الأفلام.
يروى خالد: «بمحض الصدفة كنت طالبا فى المعهد العالى للتعاون الزراعى فى شبرا الخيمة، لم أحب الدراسة ولم أستطع تجاوز العام الأول كنت أرسب وأتسكع وأمضى الوقت على طريقتى. فتحت لى الصدفة بابًا لا يُنسى، ذات يوم مررت بجانب غرفة المسرح فى المعهد فرأيت زملاء يقرأون نصًا مسرحيًا لم أفهم ماذا يفعلون، فجأة طُلب منى أن أقرأ شخصية «عادل» المكتوبة بالنص وانتهت الجلسة وقالولى بكرة البروفة».
كشف دور «عادل» عن موهبته الفطرية وعرضت المسرحية أمام لجنة التحكيم وأعجب به أحد أعضاء اللجنة د.سعيد عمارة ومنحه أول دعم بجملة غيرت حياته: «مكانك ليس هنا فى مكانك فى أكاديمية الفنون».
كومبارس صامت كانت أولى الخطوات العملية عام 1984 بمسرحية «الكلمة والموت» فى مشهد واحد جعله مميزا بصمته، فيكفى تعبيرات ملامحه، وهو يسلم ورقة إلى القاضى فيحكم بما هو مكتوب فيها.
وحان وقت التغيير فتقدم إلى المعهد العالى للفنون المسرحية، وعلى حد وصفه «بلا واسطة أو معرفة وأمام لجنة من عمالقة الفن كرم مطاوع، سعد أردش، جلال الشرقاوى، حمدى غيث، على فهمى، نجحت وبدأت الرحلة الحقيقية التى لم تمر على خيالى يومًا ما».

وبالمعهد مُنح الدعم من الأساتذة ليس كطالب، بل صديق لهم لما وجدوه فيه من شغف المعرفة، فتعلم أن التمثيل ليس مجرد انفعال لحظى؛ بل علم قائم على التجريب والوعى. ونصحه دكتور على فهمى أن يقرأ النص سبع مرات كاملة لأن لكل قراءة دورها فى استيعاب النص.
الباحث عن التفرد
يتحدث الكتاب عن حلم خالد النبوى أن يصبح ممثلا بالمعنى الذى يربط الفن بالمعرفة، بالمعهد بدأت الملامح الأولى لمشروعه، وكان يقضى ساعات إضافية بمكتبة المعهد يقرأ النصوص الكلاسيكية، يدون الملاحظات فى دفاتر صغيرة ويتأمل فى الشخصيات، واستمر هذا حتى بعد خروجه من المعهد وإلى اليوم بلغتنا البسيطة «بيذاكر» كل ما يتعلق بالشخصية، ليس حاضرها بل ماضيها وتصرفاتها وسلوكياتها، كيف تفكر، ماذا تحب ماذا تكره، هذه التفاصيل تمنحه شعورا بأن الشخصية اكتملت.
أدرك النبوى أن الطريق إلى النجومية التقليدية قصير؛ ولكن طريق الشرعية الفنية أطول وأصعب وعلى حد تعبيره: «كان قرارى أنى لا أريد أن يكون نصيبى من هذه المهنة العظيمة مجرد ميراث؛ بل إضافة حقيقية، دائما أسأل نفسى أين بصمتى، وماذا صنعت لأدفع هذا الفن إلى الأمام، وما الذى سأتركه للأجيال القادمة، هذه الأسئلة هى ما تدفعنى إلى العمل والتطوير كل يوم».
والشرعية التى بناها النبوى لنفسه كما حدثنا كاتب السيرة أولها رفض القوالب واختيار السعى المختلف، لم يثبت صورته عند جمهوره أو يكرر نجاحاته، ولم يستسلم لمطالبات السوق والربح. ومن تنوع اختياراته اكتشف جمهوره أن خالد النبوى حالة فنية متجددة كممثل وممسك بخيط الصدق والإخلاص والتنوع فى كل تجاربه. ظل يتنقل بين الأجناس الفنية والشخصيات المتناقضة من التاريخى إلى الاجتماعى ومن الفلسفى إلى الرومانسى ومن الدراما الثقيلة إلى التشويق، وفى كل مرة يغامر ويثبت قدرته على التحول.
وذكر النبوى عن ما يقصده بالشرعية: «لم أكتسب الشرعية» لأنى مجرد ممثل وإنما حين قال الكبار الذين عملت معهم «أنى مثلت كويس»، فشهادة الكبار الذين احتضنونى يحيى شاهين، إسماعيل عبدالحافظ، عمر الشريف، صلاح السعدنى، محمود ياسين، نور الشريف، عاطف الطيب وغيرهم واكتملت شرعيتى بالعمل مع المخرج يوسف شاهين.
عودة «رام»
كانت سينما التسعينيات هى ذورة الشرعية الفنية والانطلاق مع المخرج العالمى يوسف شاهين بفيلمين من أعمدة مسيرته «المهاجر» 1994، «المصير» 1997، وفى «المهاجر» الذى عرض منذ أيام بقاعة الأوبرا يتناوله زين العابدين خيرى بالقراءة النقدية، فيعتبر أن شخصية «رام» خالد النبوي كانت إعلانا عن ميلاد ممثل جديد فى سينما شاهين شاب يملأ الشاشة حضورًا ويقود فيلما محملاً بالرموز الكبرى، وهو الدور الذى منح النبوى جائزة دولية ورسخ مكانته كوجه صاعد.
ويصف الكاتب «رام» بشخصية مركبة ومعقدة فقسمها إلى ثلاث مراحل، وفى كل مرحلة كان لخالد النبوى أداء تمثيلى متسق مع شخصية المرحلة.
ويفصل: فى المرحلة الأولى تنطلق الحكاية من قبيلة فقيرة، يقيم «رام» مع والده العجوز فى بيئة قاسية، مراهقًا طموحًا رافضًا الفقر يتطلع للهجرة إلى مصر التى تمثل مركز الحضارة والمعرفة.
أما المرحلة الثانية وهى مرحلة اكتشاف العلم فى مصر، فتأخذ شخصية «رام» منحى دراميًا جديدًا، يواجه صراعات الغربة ويعامل كغريب، لكنه يثبت نفسه من خلال المثابرة وتقديم الأفكار العلمية غير التقليدية فيقدم مشروعًا يتعلق بفنون الزراعة لتطوير المجتمع المصرى من أجل صناعة التحول.
هنا يقول خيرى: فى أدائه انتقال الشخصية من البراءة إلى النضج والوعى، متشبعا بالحيرة والتحدى والانبهار أمام عظمة الحضارة المصرية دون أن يفقد صلته بجذوره الأولى.
المرحلة الثالثة وهى مرحلة الوصول إلى السلطة والتحقق، وذورة التحول يكتسب «رام» احترام المجتمع المصرى بعد نجاحه فى إنقاذهم من المجاعة عبر مشروع زراعى عظيم. وتحول «رام» إلى رجل سلطة. يملك القرار والقدرة على المشاركة فى حكم البلاد. وأهم ما يميز أداءه هو ترسيخ فكرة السلطة الأخلاقية القائمة على العلم والعمل أكثر منها القوة أو النفوذ السياسى.
فى هذا الفيلم قد نجح خالد النبوى رغم صغر سنه فى أن يمنح كل مرحلة فى حياة «رام» طابعًا خاصًا متدرجًا من الانفعال الشاب إلى التأمل والنضج ثم الحسم والإنجاز. لكنه منح كل مرحلة طابعها الخاص.
أما أداؤه التمثيلى فى «المهاجر»، فيقول الكاتب: «اعتمد النبوى على التعبير الداخلى المكثف، نظراته وحركة جسده القلقة صنعت ملامح شاب يواجه عالمًا جديدًا مع التركيز على البراءة والإصرار فى الوقت نفسه ما جعل الشخصية شفافة ومحببة للمشاهد».