حكايات الألبينو فى أساطير الشعوب القديمة
هل كان سيدنا نوح عدوًا للشمس؟!
د. هانى حجاج
المهق هو مجموعة من الحالات الوراثية المرتبطة بانخفاض أو غياب الميلانين فى الأنسجة المشتقة من الأديم الظاهر (وخاصةً الجلد والشعر والعينين)، مما يؤدى إلى انخفاض ملحوظ فى تصبغ الجلد.
وهو ما يسمى مجازًا بالمصرية الدارجة «عدو الشمس».
ومرضى المهق أكثر عرضة لأضرار أشعة الشمس، ويجب عليهم استخدام احتياطات الوقاية مدى الحياة.
ومن هنا جاءت التسمية الشهيرة (عدو الشمس).
والمهق مشتق من اللاتينية، والعرض الأكثر شيوعًا هو المهق الجلدى العينى، وهو مجموعة من الاضطرابات الوراثية المتشابهة ظاهريًا التى تنشأ عن أخطاء فى تخليق الميلانين.
وكما يوحى الاسم، فإن التأثيرات الأكثر وضوحًا تظهر فى العينين والجلد.
النتيجتان المهمتان لنقص الميلانين إلى عواقب جلدية وعينية. بما أن اليوميلانين واقٍ من الضوء، فإن المهق يؤدى إلى زيادة خطر الإصابة بأضرار الشمس (تصبغات شمسية، تقرنات أكتينية، احمرار شمسي) والأورام الخبيثة المرتبطة بالأشعة فوق البنفسجية.

ويُصاب بها جميع الأطفال تقريبًا فى عمر أربعة أشهر؛ وتتناقص شدتها تدريجيًا مع التقدم فى السن.
أسطورة عدو الشمس
هذا هو عنوان العدد 21 من سلسلة «ما وراء الطبيعة» للدكتور أحمد خالد توفيق، عندما يأخذ رفعت إسماعيل صور الرحلة من الاستوديو ليرى ظهور صورة الطالب والطالبة المتزوجين فيها.
وبذلك يفند رواية فرانتز لوسيفر فى حكايات التاروت لطريقة موته.
ويحاول د.محمد شاهين أن يعرفه على د.كاميليا ليزوجه منها، ومن ناحية أخرى يخبر طالب يدعى مدحت رفعت أنه لا يظهر فى الصور، ويتأكد رفعت من هذا فعلا وهو لا يستطيع أن يفسر سر ما يحدث له.
فى الوقت ذاته يتعرف رفعت على كاميليا حيث تريده كاميليا كصديق، وتتطور حالة رفعت حيث أصبح جلده يحترق فى ضوء الشمس وتصبح لديه حساسية من الشمس، ويعرف أن الجميع لا يتذكرون شيئًا عن الطالب والطالبة المتزوجين؛ بل إنهم لا يستطيعون رؤيتهما فى الصورة التى أخذها لهما، بينما رفعت يستطيع رؤيتهما ويظن رفعت أنها مؤامرة من الجميع لإصابته بالجنون.
ولكن يفأجا بأن الطالب الذى صوره قد جاء له ليحكى له قصته، حيث أنه كان طيفًا فى عالم يدعى آشتا وأنهم - الأطياف - يعيشون مع البشر ولكن البشر لا يمكنهم أن يروهم، وأنهم يخافون ضوء الشمس، ولكنه أراد المعرفة فخرج إلى ضوء الشمس، فتسبب ذلك فى طرده هو وحبيبته من عالم الأطياف إلى عالم البشر، حيث تنكرا فى صورة طالب وطالبة جامعيين فى كلية الطب، ولكنهما لا يظهران فى الصور.

وعندما أراد رفعت إسماعيل أن يلتقط لهما صورة ونجح فى ذلك، قررا أن ينتقما بتحويله من صورة مادية إلى صورة طيف مما يجعله لا يظهر فى الصور، ولكنه يستطيع أن يرى صورتهما التى لا يستطيع باقى الناس رؤيتهما، وتحوله إلى الصورة الطيفية هو سبب كل الأعراض التى يعانى منها، وأن الطالبة حاولت التنكر فى صورة د.كاميليا لإعادته إلى صورته المادية ولكنها فشلت، وأن الطالب قد جاء ليعيد رفعت إلى صورته المادية، مع وعد من رفعت أن يحفظ سرهما ليستعيد رفعت صورته المادية، ويعود كما كان ويكتسبهما كأصدقاء يذهبان له كل حين ليحكيا عن عالمهما الذى تركاه، والخبرات التى يكتسبها فى عالم البشر.
القصة أسطورية
والأسطورة وهم، أما الوصمة فحقيقة مُخزية.
فى جميع أنحاء أفريقيا، وقع عدد غير محدد من المصابين بالمهق، وخاصة الأطفال، ضحايا لهجمات وحشية وقتل بدعوى السحر والخرافات والثراء.
وفى الآونة الأخيرة، حظيت الفظائع المرتكبة ضد «المهُقْ» باهتمام واسع النطاق بسبب الجرائم المختلفة المبلغ عنها، مثل قتل الأطفال، والاختطاف، وبتر الأطراف، وقطع الرؤوس، المرتكبة بغرض توفير أجزاء الجسم الثمينة المستخدمة فى التمائم والتى تُباع بعد ذلك فى أسواق السحر السرية.
على سبيل المثال، قد يصل سعر الأذرع والأرجل والأذنين والأعضاء التناسلية من شخص مصاب بالمهق إلى 75 ألف دولار أمريكي. وبالتالى، يعيش «المهُقْ» فى حالة دائمة من الشعور بالذنب والقلق، وغالبًا ما يُجبرون على الفرار من منازلهم والعيش فى عزلة لتجنب صائدى المهقين.

والأساطير حول المصاب بالمهق كثيرة بين الشعوب، منها مثلًا أن نسج شعر الألبينو فى شبكة يحسن فرص صيد الأسماك، وأن أجزاء الجسم البيضاء التى يرتديها الأشخاص كتعويذات تجلب الحظ السعيد والثروة والصحة، وفى آخر يقال أن للمصاب بالمهق مكونًا ضروريًا لجرعات الساحر، ويقال أن المصابين بالمهق يمتلكون قوى خارقة سحرية ويمكنهم علاج الأمراض.
ويقال إن البصق على شخص مصاب بالمهق يمنع انتقال المرض إلى عائلته، وأن والدة الطفل الأمهق ضحك عليها أحد «المهُقْ» أثناء الحمل وأنهم وأمهاتهم مسكونون بالأرواح الشريرة، وعن أول طفل مصاب قالوا إن الشيطان سرق الطفل الأصلى واستبدله بطفل أَمهق.
الأمر يحتاج إلى كثير من التحليل حول تلك النظرة للمصاب بالمهق.
ويبدو أن القوى الدافعة الرئيسية وراء جرائم التنميط هذه هى الجهل والخرافات وولع الإنسان بالماورائيات، مثل الاعتقاد بأن المصابين بالمهق يمتلكون قوى خارقة أو أن أجزاء أجسامهم تمنحهم الثروة والصحة.
وبالتالى، قد تُعزى الوصمة والفظائع التى يتعرض لها المصابون بالمهق إلى نقص الإلمام والتثقيف حول المرض، إلى جانب الجهل. بالمقارنة مع المصابين بالمهق فى الدول المتقدمة، يعانى العديد منهم فى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من نقص فى الرعاية الصحية والوعى بحالتهم داخل مجتمعاتهم. وقد يتجلى هذا فى ارتفاع معدل الإصابة بسرطان الجلد والوفيات والوصم الاجتماعى بشكل مبكر.

وعلى الرغم من ثبوت العديد من الأسباب الجينية وأنماط وراثة المهق؛ فإن العديد من المجتمعات لا تزال غير مُلِمّة بعواقب الزيجات القائمة على أساس القرابة.
وقد يُعزى ارتفاع معدل الإصابة بالمرض فى بعض مناطق أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى تشجيع زواج الأقارب.
على سبيل المثال، بعض المجتمعات الساحلية فى تنزانيا «تعتمد على النسب الأمومي. ينتمى أطفال الخال من جهة الأم إلى عشيرة زوجة ذلك العم، وبالتالى إلى عشيرة مختلفة عن عشيرة أطفال أخواته وإخوته. لذلك، قد يتزوج أبناء العمومة من الدرجة الأولى، مما يُعزز فرص إنجاب أطفال مصابين بالمهق.
ويزيد من تعقيد هذا الأمر تأثير التقليد العربى للزواج بين الأقارب على سكان المناطق الساحلية، بحيث تبقى ممتلكات العائلة ضمن العشيرة».
هذه الممارسات تزيد حتمًا من انتشار المهق بين أطفال الآباء ذوى الصلة.
ومع ذلك، فإنّ زواج الأقارب التقليدى ليس السبب الوحيد لانتشار المهق فى بعض المناطق، إذ «قد تكون هناك حالات أقل فى المجتمعات المحلية نظرًا لاستمرار ممارسة قتل الأطفال فى العديد من المناطق. وقد تلجأ القابلات التقليديات أحيانًا إلى قتل الأطفال المهقين، ثم تُصوّر الحالة على أنها ولادة جنين ميت». تُبرز هذه الأدلة انتشار الوصمات والمفاهيم الخاطئة المرتبطة بالمهق، والحاجة إلى زيادة الوعى.

يؤمن التنزانيون، وغيرهم من سكان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بالعديد من الخرافات والأساطير المتعلقة بمسببات المهق، جاهلين سببه الجينى، ما يساهم فى ارتفاع معدل الإصابة به.
على سبيل المثال، أجرى لوند استطلاعًا لآراء 138 تلميذًا مصابًا بالمهق فى زيمبابوى (متوسط أعمارهم 14.4 عامًا) حول سبب المهق، ووجد أن (50.7%) يجهلون سبب افتقارهم إلى لون بشرتهم واختلافهم عن زملائهم فى الصف، بينما فضّل 10.9% سببًا بيولوجيًا، واعتقد 19 (13.8%) أن الله هو المسئول، وذكر 13 (9.4%) أسبابًا أخرى غير صحيحة، مثل السحر، وعقاب أحد أفراد الأسرة على سخرية أحد المهقين، و«فقدان الطبقة العليا من الجلد».
ومن المفاهيم الخاطئة الأخرى المتعلقة بمسبب المهق الاعتقاد بأن الأم حملت من رجل أبيض.
بالإضافة إلى السمات الجسدية المميزة للمهق، فإن البنية الاجتماعية والمعتقدات الخرافية تُهيئ أرضيةً لمزيد من التحيز والرفض الاجتماعي.
فى زيمبابوى، يُطلق على المصابين بالمهق اسم «سوبي»، ما يوحى بأنهم مسكونون بالأرواح الشريرة.
وفى تنزانيا، يُسخر منهم أيضًا ويُطلق عليهم أسماء مثل «نغورووى»، التى تعنى الخنزير؛ أو «زيرو»، التى تعنى الشبح؛ أو «مزونغو»، التى تعنى الشخص الأبيض.
بدءًا من الطفولة، يؤدى مظهرهم الخارجى المميز والمختلف مقارنةً بأفراد الأسرة ذوى البشرة السمراء وبقية المجتمع الأسود إلى مشاكل فى القبول والتكامل الاجتماعى للمصابين.
من منظور تاريخى، نُظر إلى المهق بنظرة متناقضة - إذ يُعتقد أحيانًا أنه مرتبط بالقدرة الإلهية، بينما يُعتبر فى أحيان أخرى غريبًا ووحشيًا ونذير شؤم.
لم يكن التاريخ رحيمًا بالمصابين بهذه الحالة: ففى الماضى، ربما كان يُعتقد أن لهم صلة بالشمس أو القمر أو النجوم، وكانوا يُعاملون باحترام.
أما اليوم، فيُنبذون ويُوصمون بالعار، بل ويُطاردون لغرض ممارسة السحر، لا سيما فى مناطق التعدين فى تنزانيا. ويُعتقد أحيانًا أن المصابين ينتمون إلى عالم الموتى والأحياء، وأنهم يتمتعون بمكانة وسيطة بينهما تمنحهم قوة «سحرية».
ومن أبرز الروايات الأدبية رواية موبى ديك لهيرمان ملفيل، التى تروى قصة صيد الكابتن آهاب المهووس لحوت ألبينو.
فى الفصل 42 من هذه الرواية التى تعود إلى القرن التاسع عشر والتى كُتبت قبل ظهور علم الوراثة الحديث، يستحضر الراوى، إسماعيل، الارتباطات المعقدة للمخلوقات الألبينو الأسطورية: الفيلة البيضاء فى سيام، والحصان الأبيض فى سهول أمريكا الشمالية، والحصان الشاحب فى نهاية العالم، وحكاية الرجل الشاحب الطويل فى غابة هارتز فى وسط أوروبا، وبياض الدب القطبى وبعض أسماك القرش الاستوائية.
ووجهات النظر الأدبية مثل هذه تشكل شهادات مهمة على تعقيد المهق والتأثير الذى يحدثه على مفهومنا لما يعنيه أن تكون إنسانًا من منظور علم الأحياء.
وهناك سؤال غالبًا ما يأخذ الصبغة الدينية: هل كان سيدنا نوح أمهق؟
ورد فى كتاب أخنوخ، وهو نصٌّ قانونيٌّ فى إثيوبيا المسيحية، فى القرن الثانى أو الأول قبل الميلاد، ولم يبقَ منه إلا باللغة الجعزية، إلى جانب بعض الشذرات الآرامية من مخطوطات قمران. يُلحق به سردٌ موجزٌ لميلاد نوح، ويروى كيف أن زوجة حفيد أخنوخ، لامك، أنجبت طفلًا... ومكتوب «وكان جسده أبيض كالثلج وأحمر كالورد، وشعر رأسه أبيض كالصوف، وذراعه جميلة، وأما عيناه فعندما فتحهما أضاء البيت كله كالشمس، بل أضاء البيت كله أكثر من ذلك بكثير».
ومكتوب «لامك إلى أبيه متوشالح وأخبره أن زوجته قد ولدت ابنًا مختلفًا عن الأطفال العاديين ويشبه أبناء إله السماء».
وأخبر لامك والده أنه يشتبه فى أن الحمل قد حدث من خلال تدخل «ملائكة السماء»، لأن الطفل لم يكن مثل البشر العاديين فى أن عينيه كانتا مثل أشعة الشمس ووجهه كان رائعًا.
وذهب متوشالح بدوره إلى أخنوخ ليخبره بالخبر.
وفى الكتاب مكتوب أنهم انتظروا بعد ميلاد هذا الطفل عقابًا عظيمًا على الأرض، وطوفانًا، ودمارًا يستمر لمدة عام لتطهير الأرض، وأن الطفل حديث الولادة، الذى كان فى الحقيقة ابن لامك، سيُدعى نوحًا، وسوف ينجو من الطوفان مع أبنائه.
يُعدّ «المهُقْ» من بين عجائب العصور القديمة. فعلى سبيل المثال، أورد بلينى تصريحًا لإيسيجونوس النيقاويّ بأن «الناس يولدون فى ألبانيا بعيون رمادية، وبشرة بيضاء منذ الصغر، ويرون فى الليل أفضل من النهار».
وقالوا إن الألبان كانوا يعتقدون أنهم من نسل جيسون، الذى زار المنطقة فى رحلاته على متن سفينة أرغو، وأشار إلى أن هؤلاء الناس يولدون بشعر أبيض، وأنهم يعتبرون بياض الشعر فألًا حسنًا (أوسبيوم). وأضاف أن لون رؤوسهم هو ما أعطى الناس اسمهم (ألبانى، كما لو كانوا يرتدون الزى الأبيض)، وأن لون عيونهم المائل إلى الزرقة مكّنهم من الرؤية ليلًا بشكل أفضل من النهار!