الجمعة 6 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

إكسلسيور الشاهد على معركة الشرطة ضد الاحتلال الإنجليزى

أول «ساندوتش شاورما»

هنا حكاية مكان له قيمة تاريخية.



هنا حكاية «إكسلسيور» الذى يمر بجواره أجيال هذه الأيام ولا يعرفون إن لامسوا حوائطه أنهم يلامسون التاريخ.

منذ افتتاح «إكسلسيور» فى الخمسينيات، بوسط القاهرة وتحديدًا فى تقاطع شارعى طلعت حرب وعدلى وهو كما هو ذو واجهة زجاجية بالكامل، نرى من خلالها الشارع والمارة.

كان يعرف فى البداية على أنه «بار» فى عهد مؤسسه ومالكه الأول رجل الأعمال اليونانى السكندرى «نستور جناكليس» قبل أن يدخل التاريخ.

والقصة بدأت عندما حضر اليونانى «جناكليس» إلى مصر ، واستقر فى الإسكندرية ، وكان هدفه فى البداية إنشاء مصنع للتبغ، وبعد نجاحه فى هذا المجال ، قرر أن يتجه لصناعة النبيذ، فقام بنقل زراعة كروم العنب من اليونان إلى 30 كيلوا مترًا مربعًا  اشتراها على طول قناة النوبارية بمحافظة البحيرة.

ثم استطاع أن يؤسس  مصنعًا  لإنتاج  الخمور فى الدلتا  عام 1928، إلى أن أصبحت  معامل تصنيع الكحوليات موجودة فى منطقة الأزبكية بالقاهرة، ومعظمها كانت ملك ليونانيين ارتبطت أسماؤهم بالحانات.

تم افتتاح «إكسلسيور»  فى وسط البلد ليحل  محل معرض شركة  فورد للسيارات، التى كانت تعرض سيارات «الكابورليه» كأحد مظاهر الثراء فى ذلك الوقت بعد الحرب العالمية الثانية.

 لما تحول المكان لإكسلسيور قدم المحل أجود ما تنتجه مصانع «جناكليس»، أما باقى المكان فكان يُقدم المأكولات والمشروبات.

أخذت الأمور منعطفًا مختلفًا عندما تعرضت شركات جناكليس للتأميم عام 1965. وعلى إثر ذلك أصاب صاحب المحل الخواجة الاكتئاب ثم مات فى حادث سيارة فى العام نفسه، ولم تستطع زوجته اليونانية إدارة أى من مشاريعه ومحلاته، ومن هنا تم بيع «إكسلسيور» إلى تاجر مصرى. 

 

 

 

 ظل المكان متألقًا ومميزًا بالأطعمة والمشروبات التى يقدمها حيث كان له السبق فى صُنع وتقديم ساندويتشات  الشاورما  فى مصر عام 1969.

وحتى منتصف الثمانينيات حين تغيرت واختلفت نوعية رواد المكان، وهجره الفنانون والمثقفون والأدباء، أمثال نجيب سرور، وأمل دنقل، وأحمد فؤاد نجم، والرسام ثروت فخرى هجره  كتاب السيناريو الذين ارتادوه للكتابة وتصفية الذهن، ويقال إن نجيب سرور كان يقضى يومه فيه، ولا يغادره إلا نحو التاسعة أو العاشرة ليلاً.

 تردد على إكسلسيور «يوسف شاهين»، وكان يذكر دائمًا أن جميع مقابلاته كانت تتم فى المقهى، وهناك تقابل مع «ميشيل ديمترى شلهوب» الاسم الأصلى للفنان  «عمر الشريف» ليبشره باختياره لعمل أول بطولة فيلم «صراع فى الوادى» أمام النجمة «فاتن حمامة».

وكان الشرط  إجراء عملية لإزالة الشامة من أنفه.. فما كان  من عمر الشريف إلا أن وافق وأظهر تعاونه وقبوله للشرط.

 لكن مرت عدة أيام ولم يتصل عمر، وقتها تعرّف يوسف شاهين فى «إكسلسيور» نفسه إلى صديق قريب من عمر الشريف، ويمضيان معظم وقتهما سويًا، وهو الممثل أحمد رمزي، وحين التقى برمزى سأله عن عمر،  فقال بطريقته: «لأ خلاص «مايك» مش هيلعب سينما، غير رأيه بسبب الجراحة المطلوبة فى وجهه».. وجرت أحداث أخرى انتهت ببطولة عمر للفيلم. 

 فى «إكسلسيور»  عقدت «شلة الحرافيش» اجتماعاتها وهنا لابد من ذكر «أحمد مظهر»، أحد الضباط الأحرار الأوائل، وأهم ضلع فى شلة الحرافيش، التى بدأت بثلاثة أفراد  هم : مظهر وصديقاه عماد كمال وأحمد سرور، ثم بعد ذلك انضم إليهم الدكتور أحمد زكى الأستاذ بجامعة الرياض والدكتوز زكى نجيب محمود أستاذ الفلسفة، والأديب العالمى نجيب محفوظ، والضابط عادل مدكور والصحفى ثابت أمين، والأديب ثروت أباظة.

 

 

 

كانت مجموعة الحرافيش تَعقد جلساتها الثقافية والفكرية، ما ساعد مظهر أن يبدأ بكتابة السيناريوهات، فأطلقت عليه مجموعة الحرافيش «مظهر رب السيف والقلم»..

وفى السبعينيات والثمانينيات، كانت الأسرة المصرية والأصدقاء، يستمتعون بذهابهم إلى سينمات وسط البلد فى نهاية الأسبوع أو الأعياد والمناسبات، ومنها سينما مترو المواجهة للمقهى؛ خاصة أنها كانت تعرض أفلام الرسوم المتحركة «توم آند جيرى» قبل عرض الفيلم الرئيسى، ثم يخرجون من السينما ليتسامروا قليلًا فى إكسلسيور ويتناولون مشروباتهم أو «الجيلاتى».

فى الثمانينيات أصبح المقهى مزدحمًا بكل الفئات والأعمار، يقدم الوجبات السريعة والحلويات،  ويرتاده شباب لا يعرفون عن ماضيه الكثير لكن تملؤهم حيوية العصر التى ربما  لا تتناسب أبدًا وطابع المكان  الكلاسيكى الهادئ.

 موقع «الإكسلسيور»، سُمح له بأن يشهد العديد والعديد من الأحداث والمواقف التى مرّت بها المنطقة منها أحداث معركة الشرطة، ضد الاحتلال البريطانى فى 25يناير عام 1952، ومع استمرار الشغب والاشتباكات، وافق وقتها «حيدر باشا» القائد العام للقوات المسلحة على تدخّل الجيش، وهنا قطعت قوات البوليس جميع الطرُق المؤدية إلى مبنى السفارة البريطانية بقصر الدوبارة، وكانت الحرائق قد اجتاحت فى طريقها شوارع وميادين القاهرة، التى استمر اندلاعها للساعة الـ11مساءً، وعندما بدأ الجيش يسيطر على الموقف كانت الخسائر قد طالت 300 محل تجارى، و40 دار سينما، و73 مقهى من ضمنها «إكسلسيور».

 

 

 

■ ضربة شمس

فى عام 1980، تم  تصوير عدد من مشاهد فيلم «ضربة شمس» للفنان نور الشريف والفنانة نورا، وإخراج «محمد خان»، داخل إكسلسيور، ولكن من دون توضيح للخلفية..

يقول مخرج الفيلم: «كنتُ أُصوّر فى كافيتريا الإكسلسيور وكان التصوير ليلًا والإضاءة نهارًا وكل زوايا التصوير تتجنب ظهور الشارع بالخلفية، وبدءًا من ضوء النهار بدأنا تصوير الزاوية المضادة».

ويبدو أن لهذا المقهى أثرًا عظيمًا فى نفس «خان»، حيث يتحدث عنه فى موضع آخر أيام طفولته، ويقول إنه اعتاد الذهاب مرّة كل شهر إلى والده بمكتبه فى ميدان العتبة، ليرافقه إلى صالون «فؤاد وإبراهيم»، ثم يتناولا بعدها الغداء فى «الإكسلسيور» قبل حضور حفلة 3 بسينما مترو، حيث ينام والده تحت تأثير التكييف، ويتفرغ هو لمتابعة الفيلم.

كان «إكسلسيور» موقعا لأحداثً ومواقف كثيرة مَرتّ السنوات.. وهو جزء من تاريخً وسط القاهرة لا يقل مكانة ولا عراقة عن أماكن أخرى.