تحالف جديد يعيد رسم ملامح الرعاية الصحية فى مصر
فتحة خـير

تابعت الزيارة: بسمة مصطفى عمر
لم تقتصر الزيارة رفيعة المستوى التى قام بها الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون الأسبوع الماضى إلى مصر، على مناقشة الأمور السياسية والأزمات الإقليمية فقط؛ بل كانت الزيارة التى دشنت شراكة استراتيجية بين مصر وفرنسا منعطفًا جديدًا فى العلاقات الثقافية والاقتصادية والسياحية بين البلدين.
ومن أبرز الملفات التى تطرقت إليها الزيارة هى الصحة، وصولاً إلى خريطة تعاون طبى، تبدأ من شراكات استراتيجية، وتنتهى بجولة ميدانية لاثنتين من أبرز المؤسسات الصحية فى مصر، هما مستشفى سرطان الأطفال 57357، ومعهد ناصر للبحوث والعلاج، اللذان يداويان ويعلمان ويبتكران، وهو ما يعكس عمق التعاون المصرى الفرنسى، كما تعتبر تلك البروتوكولات والشراكات الدوائية، تطورًا نوعيًا فى التعامل مع منظومة الصحة كقضية استراتيجية مشتركة.

كانت الزيارة التاريخية الفرنسية الأخيرة، بمثابة إعلان صريح عن مرحلة جديدة من التعاون الصحى، بين بلدين يجمعهما تاريخ طويل من التبادل الحضارى والمعرفى، وفى قلب هذا التحرك، تقاطعت المسارات الطبية والبحثية بين الدولتين، فى مشهد شديد الثراء، بدأ من ميدان الطب السريرى، وامتد إلى طاولات التوقيع على اتفاقيات استراتيجية، بما يعيد تشكيل البنية الصحية بآفاق دولية.
تجربة مصرية ملهمة
من داخل أروقة مستشفى سرطان الأطفال57357 أكبر صرح طبى متخصص فى علاج أورام الأطفال بمصر والشرق الأوسط، وحتى الوحدات والمختبرات الدقيقة بمعهد ناصر، اصطحب الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، نظيرته الفرنسية الدكتورة كاترين فوتران، فى جولة ميدانية حملت فى طياتها تعبيرًا أكثر من كونها مجرد زيارة رسمية، فكانت بمثابة استعراض واضح لما وصلت إليه المنظومة الصحية المصرية من تطور، ونافذة مفتوحة لتبادل الخبرات، وتعزيز الاستثمار المشترك فى قطاع الصحة.
بدأت زيارة الوزيرين من مستشفى 57357، وركزت على الجوانب البحثية والتعليمية إلى جانب الرعاية السريرية؛ حيث تفقّد الوزيران وحدات العلاج الكيماوى والإشعاعى، ومعامل الجينات، ومركز الأبحاث، وبنك الدم، والمركز التعليمى والتدريبى، إلى جانب زيارة وحدة علاج اليوم الواحد، فضلاً عن مركز الإبداع والعلاج بالفن، وغرف إقامة المرضى.

وحرص الوزيران على التواصل مع عدد من الأطفال المرضى وذويهم، فى لفتة إنسانية تمثل قلب الرسالة الصحية الحقيقية، وبينت إمكانيات المستشفى الذى يمتد على مساحة تقارب 69 ألف متر مربع، وتضم أكثر من 320 سريرًا، أمام الوفد الفرنسى كمثال على ما يمكن أن تفعله الإدارة الجادة والدعم المجتمعى معًا.
انتقلت الجولة بعد ذلك إلى معهد ناصر؛ حيث تفقّد الوزيران وحدة جراحة القلب المفتوح الجديدة، والتى تضم 80 سريرًا موزعة بين رعاية القلب، والرعاية العامة للأطفال، والرعاية المتوسطة، والقسم الداخلى لجراحات القلب المطور، والذى يشمل تخصصات متنوعة مثل القلب، والجراحة العامة، والرمد، والعظام، والمسالك البولية، ورعاية الأطفال، فضلاً عن وحدة متكاملة للمرضى فى نظام اليوم الواحد.

الوفد الفرنسى أمام ما رآه من تطور وإمكانيات متميزة فى المستشفيين أشاد بالقدرات الفنية المصرية.
وأكدت وزيرة الصحة الفرنسية، أن الكفاءات الطبية المصرية، والبنية التحتية المتقدمة، تؤهل مصر لتكون مركزًا إقليميًا للرعاية الصحية المتخصصة؛ خصوصًا فى مجالات دقيقة كجراحات القلب والأورام، وأن المنظومة الصحية المصرية، تمتلك من الإمكانات ما يجعلها مؤهلة للانضمام إلى مصاف الدول المتقدمة فى هذا القطاع الحيوى.

وفى الأثناء استعرض الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس الوزراء وزير الصحة والسكان، رؤية الدولة المصرية للتوسع فى المشروعات الصحية؛ وبخاصة ما يتعلق بزيادة الطاقة الاستيعابية للمستشفيات، ورفع جودة الخدمات المقدمة للمواطنين، وأكد الوزيران على أهمية فتح آفاق تعاون مشترك، تستند إلى الاستفادة من الخبرات وتكامل الموارد، والتوسع فى تنفيذ مشروعات صحية مشتركة.

وأشار عبدالغفار، إلى افتتاح أول فرع خارجى للمعهد القومى الفرنسى للأورام «جوستاف روسى»، بمستشفى دار السلام «هرمل»، مؤكدًا أنه يمثل منصة محورية لعلاج مرضى الأورام، ما يعكس حجم الثقة المتبادلة بين الجانبين فى الكفاءات الطبية، وقدرتها على إدارة مراكز متقدمة بمعايير عالمية، كما يجسد عمق الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وباريس.
بروتوكولات استراتيجية
ووجهت القيادة السياسية مستقبل التعاون المصرى الفرنسى، قصير ومتوسط وبعيد المدى، إلى أحد أهم محاور استراتيجيتها لبناء الإنسان وهو «الصحة»، فاستهل التعاون الجديد بعلاج ومكافحة أخطر الأمراض العالمية، الذى يصيب مئات الآلاف من المرضى الجدد سنويًا وهما السرطان والقلب، لينضما إلى باكورة خطط الرعاية الصحية الشاملة للمصريين.
وضمت الاتفاقيات توقيع 3 بروتوكولات تعاون، شملت مجالات الأمصال، مرض السكرى، والأمراض النادرة، بينما جاءت الاتفاقية الرابعة مع معهد «جوستاف روسى»؛ لتأسيس مركز متميز لعلاج الأورام فى القاهرة، بترخيص رسمى من المعهد الفرنسى، على أن يدار من قبل شركة مصرية متخصصة فى مجال الرعاية الصحية.

الشراكة المصرية الفرنسية ينتظرها الكثير وما تم خلال زيارة الرئيس ماكرون كان البداية، وفى الطريق المزيد.