السبت 26 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

اللواء طيار أ.ح سمير عزيز نائب رئيس أركان حرب القوات الجوية الأسبق:

أسقطت طائرة قائد سلاح الجو الإسرائيلى

رجل من طراز رفيع.. وكيف لا يكون، وهو أحد نسور الضربة الجوية الأولى التى دمرت مراكز القيادة فى الجيش الإسرائيلى، ومهدت لعبور القوات المصرية قناة السويس، ويعد من أبرز الطيارين والمقاتلين فى تاريخ القوات الجوية المصرية، وأفضل من قاد طائرات الميج - 21، ومن أشجع النسور فى التحليق المنخفض، فقال عنه اللواء أحمد المنصورى: الطائرة التى يقودها سمير عزيز تئن منها الأشجار. 



التقينا اللواء طيار أ.ح سمير عزيز نائب رئيس أركان القوات الجوية الأسبق، ليحلق بنا فى سماء نصر أكتوبر المجيد، ونحتفل معه بأعياد القوات الجوية.

قال لى اللواء طيار أ.ح سمير عزيز ميخائيل: تخرجت من الكلية الجوية عام 1963 دفعة 14 طيران، وعلى الفور التحقت بجناح المقاتلات، ثم انتقلت إلى سرب ميج-17 مقاتلات قاذفة، ثم انتقلت إلى المقاتلات الميج- 21 برتبة ملازم، وكانت دفعتى هى أول دفعة من الملازمين التى تنقل إلى الميج - 21 التى وصلت مصر حديثا فى ذلك الوقت، وتم اختيارى ضمن أفضل 3 طيارين يقودون الميج- 21.

ويضيف: شاركت فى حرب اليمن وكنت أحلق بطائرات الميج- 17، وفى يونيو 67 رأيت بعينى 12 طائرة إسرائيلية تدمر طائراتنا الميج 21، والسوخوي- 7، كنت لحظتها فى مطار فايد برتبة نقيب، وفوجئت بطائرات إسرائيلية تلقى قنابل جديدة من نوعها كانت تسمى «القنابل الخارقة للأسمنت» حتى تتمكن من تفجير الطائرات الموجودة على الأرض، فركبت أنا وزملائى عربة لنصل إلى الممر ونقلع بطائراتنا الحربية، لكننا رأينا قصف الطائرات، فأسرعنا إلى مطار أنشاص لنجد نفس الحالة، وفقدنا معظم الاحتياطى من سلاحنا الجوى.

يحكى لنا اللواء طيار سمير عزيز عن فترة حرب الاستنزاف التى شارك بها: كان لدينا تصميم على الثأر لنا ولوطننا، فالجندى المصرى لم يحارب فى 67، لذا بعد مقولة الرئيس جمال عبدالناصر أن ما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة، أيقنا أن الحرب قادمة لا محالة، فبدأت القوات المسلحة فى إعادة بناء نفسها على جميع المستويات والأسلحة والتخصصات، فقامت القوات الجوية المصرية بإعادة تسليح نفسها، وإعادة بناء المطارات والممرات، فضلا عن بناء الدشم القوية لحماية الطائرات، وقامت مصر باستيراد طائرات ميج- 21، فالتحقت بفرقة للتدرب عليها بعد أن اختارونى من ضمن أفضل الطيارين المصريين لقيادتها، وكان لى الشرف أن أسقطت عام 1969 ثلاث طائرات إسرائيلية، إحداها كان يقودها قائد السلاح الجوى الإسرائيلى «إيتان بن إلياهو».

نصر أكتوبر

يستعيد اللواء أ.ح طيار سمير عزيز تفاصيل مهمته يوم السادس من أكتوبر، قائلا: إن الضربة الجوية هى مفتاح النصر ﻷنها فتحت الباب أمام قواتنا للعبور، وقامت بضرب العدو وتدميره قبل أن يفيق، فقد دمرنا أهدافا مهمة جدا، أولا: ضربنا صواريخهم فى سيناء، ثم ضربنا مراكز القيادة التى تتحكم فى الجيش بأسره، بعدها استهدفنا مراكز التشوين للأسلحة والذخيرة فضاع مخزونهم، تلاه ضرب المواقع القوية حتى لا تتصدى لقواتنا أثناء العبور، ثم ضربنا مطاراتهم حتى لا يقوموا بأى عمل أو تسول لهم أنفسهم ضرب أهدافنا.

ويكمل: فى هذه الفترة كنت مصطحبا زوجتى إلى المنصورة حيث إنى كنت عريسا منذ شهرين فقط، وكنت أعمل نهارا ثم أعود فى الليل، لكنى يوم 5 أكتوبر لاحظت تحركات غريبة فى طائراتنا، فالقوات تتحرك بشكل غريب وكل الطائرات تتزود بالوقود، فطلبت من زوجتى أن تعود إلى القاهرة خشية أن يحدث شىء، ثم جاءت ليلة يوم 5 أكتوبر 1973، فجمعنا العقيد أحمد نصر قائد اللواء 104 بالمنصورة، وأبلغنا أن غدا الحرب وطلب منا الراحة التامة.

ويتابع: فى صباح  6 أكتوبر الساعة11صباحا طلبوا منا طلعة تدريب، فأقلع تشكيل من السرب 46 بقيادتى، وتشكيل آخر من السرب 44، ولم يكن الهدف هو تدريبنا، إنما جاء ذلك فى خطة الخداع الاستراتيجى، وبعد انتهاء التدريب عدنا للمطار فى الـ12ظهرا وقبل الساعة الثانية بدقائق أقلعنا من مطاراتنا، وقمنا بتنفيذ مراحل الخطة التى تدربنا عليها طويلا، فقد جاءت اللحظة التى حلمت بها طويلا، وعبرت الطائرات القناة، وكانت مهمتنا فى السرب عمل مظلات فى عدة مناطق وكنت قائد تشكيل من أربع طائرات فى مظلة شرق الاسماعيلية.

 

 

 

ويكمل: بعد انتهاء الضربة انتظرت 5 دقائق لكى أشتبك مع أى طائرات معادية تأتى بدلا من العودة بلا اشتباك فأبلغنى الموجه بالعودة، وفى طريقى وبالقرب من المطار أطلق علينا صاروخ سام مصرى فانفجر بينى وبين رقم3 حيث أبلغت بغرفة عمليات المطار بأن الطائرات كلها عادت، فظن الدفاع الجوى أننا هدف معاد، وأطلقوا علينا حوالى 6 صواريخ، لكننا عدنا إلى المطار بسلام، وعلمنا بنجاح الضربة الجوية.

يضيف اللواء أ.ح طيار سمير عزيز: استكملنا باقى اليوم فى طائراتنا فى وضع الاستعداد، وصباح يوم 7 أكتوبر الساعة 7 صباحا هجمت علينا طائرات الأعداء وتصدت لها  بجدارة صواريخ الدفاع الجوى، وذهبنا نحن إلى القناة لنمنع الطائرات من التعرض لقواتنا البرية هناك.

مستعيدا التفاصيل الدقيقة قال اللواء طيار أ.ح سمير عزيز: فى يوم 8 أكتوبر أقلعت 4 مظلات بدون اشتباكات، وكنت مصابا بأنفلونزا وأعالج منها حتى أستطيع الطيران، وفى الرابعة عصرا كنت فى طريقى لاستراحة الطيارين، طلب منى قائد السرب مجدى كمال أن أقلع مكانه بسبب تعبه الشديد، فأقلعت وأخذت التعليمات أن نطير باتجاه بورسعيد، لأنها كانت تُضرب من الطائرات الإسرائيلية، فأمرت التشكيل بإلقاء الخزانات الإضافية تمهيدا للاشتباك، وفوجئت أن خزانات طائرتى الثلاث لم تلق، حاولت تعمير المدفع فلم يستجب، فقد حدث عطل فى الدى سى الخاص بالدائرة الكهربائية المسئولة عن التسليح، فأصبحت أطير بـ 3خزانات وبدون تسليح، فى هذه الأثناء وجدت خلفى طائرتين فقمت بالمناورة لليمين فرأيت طائرتين أخريين خلفى أيضا، فأبلغت باللاسلكى الوضع، فقال لى الموجه إن هناك تعزيزا قادما لى، واستمر الاشتباك وكلتا الطائرتين تحاولان ضربى، وأصبحت سرعتى بطيئة، ولا فرصة لاكتساب سرعة، فاتجهت بالطائرة إلى المياه لاكتساب سرعة، حتى وصلت على ارتفاع منخفض جدا واتجهت إلى المنصورة، مستغلا السرعة التى اكتسبتها لخداع الطائرات المطاردة، لكنى فى لحظة تذكرت زملائى فلم أهتم لنفسى، وعدت إليهم لكى أساعدهم، فقمت بالارتفاع والرجوع مرة أخرى، فرأيت طائرات ميراج على يمينى، وقبل أن أتجه إليها شعرت باصطدام قوى بمؤخرة الطائرة، وبدأت الطائرة تدور بلا أى تحكم أو سيطرة ونظرت خلفى فلم أجد الذيل، والنار مشتعلة والطائرة متجهة إلى البحر مباشرة فقزت من الطائرة على الفور وإذا بى أشعر بألم رهيب بظهرى، وذلك لعدم إحكام الأحزمة على جسدى، وقبل أن أصل إلى المياه شعرت أنى سيغمى على من شدة الألم، فقمت بنفخ جاكت النجاة لكى يضغط على الدم وأظل واعيا، وساعد على ذلك اصطدامى بالمياه التى أفاقتنى أيضا، فقمت بفك البراشوت فأمسك بقدمى اليسرى، وبدأ الهواء يسحبنى على سطح الماء وبدأت أشرب من ماء البحيرة.

وواصل: على مرمى البصر رأيت مركب صيد ممن تسير فى البحيرات الضحلة بعصا كبيرة تقترب منى بهدوء، ورأيت أحد الصيادين يرفع تلك العصا وينزل بها على رأسى، لكنى تحركت بسرعة قليلا فلم تصبنى، فقد شكوا أنى إسرائيلى لكن بعد أن اقتربوا منى بهدوء وتأكدوا أنى مصرى، رفعونى على القارب وبعد لحظات جاء قارب خفر السواحل، وأخذونى إلى مستشفى المطرية، ثم تم نقلى إلى مستشفى الفرنساوى، وليلا استيقظت وجدت زوجتى وأبى وأمى وحمايا، وسمعتهم يقولون إنى مصاب بالشلل نتيجة القفز، فقد كسرت إحدى فقرات العمود الفقرى، وقاموا بتجبيس ظهرى، ومنعوا الزيارات، وكنت أسمع أخبار الحرب والثغرة من الأطباء والإذاعة فقلت للطبيب أريد أن أذهب للمطار فقال لى «أنت بتهرج؟» فحثثته على المحاولة، وبمجرد ملامسة قدمى الأرض صرخت لأن الفقرات لم تلتئٍم، فبكيت لعدم مقدرتى على المشاركة فى الحرب للنهاية واستمر الوضع هكذا لا أتحرك لمدة 21 يوما من على السرير، وبعدها علاج لمدة 6 شهور، وبعدها عدت إلى الطيران والخدمة.

 

 

 

شعور بالفخر

سألت البطل سمير عزيز عن شعوره بعد مرور 51 عاما على ذكرى النصر، فقال لى: هو شعور لا يوصف، فقد انتصرنا على الظلم والعدوان، وهو شعور فخر، فعندما أنظر للمرآة أقول لنفسى: «الله أنت اللى عملت كدة يا سمير»، فتحرير البلد كان أمانة فى رقبتى ورقبة زملائى، والحمد لله أدينا الأمانة وحررنا الأرض، وأثبتنا للعالم كله أن الطيار المصرى من أكفأ الطيارين فى العالم.

ثم سألته عن أهمية تنويع مصادر السلاح، لما لمسه على مدى الحروب التى خاضها، فأجابنى: إن مشكلتنا قبل حرب 73 كانت تكمن فى أن الغرب لم يكن يعطى لنا ما نحتاجه، بل كان يعطينا فقط ما يريده، وكان ذلك بسبب عدم تنويعنا فى مصادر السلاح. لكن الآن عندما نشترى من فرنسا وأمريكا وروسيا وغيرها، ستضطر الدول أن تعطى لنا ما نريد، فإن لم تفعل سنشترى من غيرها، وبذلك يكون تنويع مصادر السلاح قوة لنا، ولذلك عندما أرى الطائرات التكنولوجية الجديدة أقول لنفسى: لو كانت معى وقت الحرب، كنت سأقوم بأعمال قتالية لا يتخيلها أحد، لكن أعود وأقول إن لكل عصر أسلحته، والقوى لا يستطيع أحد المساس به.