الأربعاء 18 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مناظرات

«هاريس».. ترامب أعداء الأمس حلفاء اليوم

ريشة: سامح سمير
ريشة: سامح سمير

يحتدم الصراع بين المرشحين المحتملين فى الانتخابات الرئاسية فى الولايات المتحدة الأمريكية التى ستُعقد فى الخامس من نوفمبر هذا العام، وقد أبدت استطلاعات الرأى الشعبية الأخيرة، تقدم الديمقراطية كامالا هاريس على الجمهورى دونالد ترامب بنسبة 46.8-43.7، لذا تبدو هاريس حاليًا هى المرشحة الأوفر حظًا للفوز، إذ ارتفعت شعبيتها منذ انسحاب بايدن.



وقد أثارت هذه النتائج الصحافة الأمريكية للتساؤل: كيف ستبدو سياسات كلٍ منهما الخارجية؟ خاصة فى ظل رفع هاريس شعار «ما يمكن أن يكون، لا يلزم أن يتبع بما كان» فى إعداد سياساتها الخارجية للاعتراف بعالم متعدد الأقطاب من خلال التراجع عن أصدقائها فى مواجهة أعدائها.

 

ريشة: خضر حسن
ريشة: خضر حسن

 

هاريس «الكارثية»

صحيفة «ناشونال إنتريست» ترى أن خبرات هاريس فى السياسات الخارجية لن تختلف عما اتبعه رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية السابقون، ومع ذلك، فإن مواقفها المعلنة تجاه أزمات الشرق الأوسط ستكون كارثية لما تشكله من خطر على النفوذ الأمريكى فى تلك المنطقة المضطربة.

ويرى بعض المحللين والنقاد الأمريكيين أن هاريس تفتق للرؤية الدبلوماسية السليمة وستعتمد فى قراراتها على توجيهات الخبراء العسكريين فى إدارات بايدن وأوباما وكلينتون، ما يوحى باستمرارية النهج الأمريكى المتبع تجاه دول الشرق الأوسط، وهو ما يتماشى مع أهواء الديمقراطيين.

لكن هذه فرضية خاطئة، فى الواقع، تتمتع هاريس بخبرة فى السياسة الخارجية الممثلة للسلطة التنفيذية أكبر بكثير مما يتمتع به ترامب فى عام 2016 وأكثر من منافسيه الجمهوريين فى عامى 2012 و2008، وقد زارت هاريس 21 دولة فى 17 رحلة خارجية كممثلة للرئاسة الأمريكية، والتقت بأكثر من 150 شخصًا، من بينهم قادة الدول الحليفة للولايات المتحدة، بمن فى ذلك قادة الصين وروسيا. 

وقادت هاريس الوفد الأمريكى فى ثلاثة مؤتمرات أمنية فى ميونيخ، حيث اجتمع قادة الناتو لمناقشة التهديدات الأمنية العالمية وتشمل هذه الاجتماعات رؤساء وزراء ووزراء دفاع ووزراء خارجية وجنرالات وأدميرالات ودبلوماسيين.

صحيفة «سليت» الأمريكية أيدت أيضًا الرؤية ذاتها حول تمتع هاريس بخبرات دبلوماسية داخل البيت الأبيض، واعتماد المخابرات الأمريكية على موجز يومى من إعداد هاريس، وحرصها على حضور جميع اجتماعات مجلس الأمن القومى، بالإضافة إلى تحليل  للتطورات المختلفة على كافة الأصعدة من قبل خبراء سياسيين وعسكريين وكبار موظفى البيت الأبيض، لذا فإن فكرة عدم وجود آراء لدى هاريس فى السياسة الخارجية هى فكرة مثيرة للضحك.

إذن، ما هى تلك الرؤى السياسية التى ستعلن عنها حملة هاريس الانتخابية؟

هشاشة ائتلاف المرشحة للرئاسة الأمريكية لن تسمح بالكشف عن نواياها تجاه دول الشرق الأوسط، حتى لا تتضاءل شعبيتها، ومع ذلك، فإن تصريحاتها المعلنة مسبقًا، بصفتها عضوًا فى مجلس الشيوخ الأمريكى ونائبة للرئيس، تشير إلى أنها مستعدة لإجراء بعض القطوع الحادة مع الماضى - خاصة فيما يتعلق بإيران وإسرائيل.

وسبق أن دعت هاريس بصفتها عضوًا فى مجلس الشيوخ، إلى العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، وهى صفقة مع إيران لتخفيف العقوبات مقابل إبطاء تراكمها النووي، وهو ما عارضه رئيس الوزراء الإسرائيلى قبل انتهاء فترة رئاسة ترامب.

 

ريشة: أحمد جعيصة
ريشة: أحمد جعيصة

 

خصوم أمريكا

صحيفة «بوليتيكو» واكبت هى الأخرى نظرية ميول هاريس لالتزام سياسة أكثر اتزانًا تجاه خصوم أمريكا، فقد أدانت الضربة العسكرية فى يناير 2020 ضد الجنرال الإيرانى الكبير قاسم سليمانى وشاركت فى محاولات فاشلة لمنع المزيد من الأعمال العسكرية ضد القادة والأهداف الإيرانية.

وكان سليمانى مرتبطًا بشكل مباشر بقتل مواطنين أمريكيين، بمن فى ذلك جنود يرتدون الزى الرسمى. وقد أثبتت الضربات العسكرية الأمريكية أنها غيرت، بشكل مؤقت استخدام إيران للميليشيات التابعة لها لتنفيذ هجمات ضد إسرائيل وحلفاء الولايات المتحدة الآخرين. 

هذا يوضح أن موقف هاريس بشأن استخدام القوة العسكرية ضد الخصم الرئيسى لأمريكا فى الشرق الأوسط يمثل خروجًا صارخًا عن نمط الرؤساء الخمسة السابقين.

وعارضت هاريس العلاقة طويلة الأمد مع المملكة العربية السعودية، بسبب غضبها من الهجمات الجوية على المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران فى اليمن، صوتت لصالح قرار للحد من مبيعات الأسلحة والمساعدات العسكرية للمملكة.

«فورين بوليسي» لم تختلف فى نظريتها حول أجندة هاريس بالشرق الأوسط، إذ أوضحت أن «شعار» هاريس المتمثل فى تفضيل «ما يمكن أن يكون، غير مثقل بما كان». ومن الناحية العملية، يُظهر هذا «الشعار» وتصريحاتها العامة تسامحًا واضحًا معها.

على أرض الواقع تبدو أجندة هاريس أكثر تعقلاً فى احتواء النفوذ الإيرانى من خلال تطبيع العلاقات الأمريكية - الإيرانية بشكل علنى لتقارب المصالح وفقًا للوضع الحالى فى الشرق الأوسط، وهو ما سيغير من الأجندة الأمريكية تجاه دعم حليفها المحتل الإسرائيلى.

فلا يمكن إنكار رغبات إيران فى تطويق النفوذ الإسرائيلى فى الشرق الأوسط ولكنها مقيدة بالولايات المتحدة، بالرغم مما هو معلن عنه إعلاميًا عن السيادة الإيرانية فى اتخاذ قرارات لشن هجوم على دولة الاحتلال، ولكن فى الحقيقة تظل إيران قابعة تحت السيادة الأمريكية منتظرة السماح لها شن هجمة صورية متفق عليها مسبقًا بين أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والإيرانية حفظًا لماء الوجه الإيرانى بعد اغتيال قائد حماس إسماعيل هنية. 

ففى غرب إسرائيل تدعم إيران حماس، وفى الشمال الإسرائيلى تقدم الدعم العسكرى لحزب الله، فيما يهيمن وكلاء إيران على جانبى مصب البحر الأحمر، شرقاً فى اليمن تهاجم صواريخ المتمردين الحوثيين وطائراتهم بدون طيار السفن المدنية وحتى السفن الحربية الأمريكية، وغرباً فى السودان يتبع نظام البرهان الجديد السياسات الإيرانية.

واستنادًا إلى التصريحات السابقة، فإن هاريس ستكون أكثر قلقًا بشأن رد إسرائيل على الهجمات الإيرانية أكثر من الهجمات نفسها، كما ستقدم الولايات المتحدة حماية غير مباشرة للحوثيين والميليشيات الإيرانية المتواجدة فى الشرق الأوسط.

أما بالنسبة للسودان، فالوضع أكثر خطورة، إذ ستؤدى الحرب الأهلية والإبادة الجماعية إلى إثارة أزمة اللاجئين، ربما بحجم أزمة إثيوبيا فى الثمانينيات، فى الوقت الذى تسيطر فيه إيران وحلفاؤها قريبًا على بعض الساحل الأفريقى للبحر الأحمر، مما يحرم الولايات المتحدة من الانتفاع بطريق رئيسى للتجارة العالمية.

وحسب «فورين بوليسي» قد تضطر هاريس على مضض إلى فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على السودان تحت ضغوط كبيرة ومستمرة من الكونجرس الأمريكى، لكنها ستعدل عن محاكمة المجرمين فى لاهاى بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية.

«صفقة» مع إيران

ما صرح به مسئولو حملة هاريس الانتخابية يؤكد أن كل ما سبق ليس مجرد فرضيات ولكنها أجندة حقيقية ستحدث بالفعل حال فوز هاريس فى السباق الانتخابى المقبل.

وتتضمن التصريحات الإعلان عن بداية محادثات السلام مع طهران لوقف الهجمات الصاروخية مقابل رفع العقوبات وتحرير التجارة، وبمجرد حصول إيران على الأسلحة النووية، فإن المفاوضات سوف تصبح سريالية وعديمة الجدوى مثل المحادثات التى أجريت مع كوريا الشمالية على مدى العقود الثلاثة الماضية.

أما بالنسبة لإسرائيل؟ سيتعين عليها أن تكتفى بدعم أقل حتى مما تلقته فى عهد بايدن، وإذا صوت شعبها على استبعاد حزب نتنياهو وانتخبوا زعيم حزب يسار الوسط، فقد يتم تسهيل عملية الانتقال بعيدًا عن الدعم الأمريكى.

وبالطبع سيتبع هذه الخطوات تقارب أمريكى روسى وتنحى كامل عن القضية الأوكرانية، نظراً لاحتياج الاقتصاد الأمريكى إلى الأراضى الروسية لتعزيز التبادل التجارى فى أى «مؤتمر سلام» تعقده هاريس مع روسيا.

مصير أفغانستان وكمبوديا وفيتنام الجنوبية يطارد اليوم الكيان المحتل، وهو ما تدركه تل أبيب بالفعل لذا يحاول فرض السيطرة الكاملة فى غزة، وربما فى لبنان، بارتكاب جميع المجازر الوحشية، لفهمها الكامل بأن تلك هى الفرصة الأخيرة لها، قبل فقدان إمكانية الوصول إلى الدعم العسكرى والسياسى الأمريكى فى ظل إدارة هاريس.