الأحد 3 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

قراءة فى كتاب حكايات من الواحات - العودة للجذور لسوسن الشريف

الواحات ..أسرار وأنوار

«حكايات من الواحات - العودة إلى الجذور»، كتاب مهم يوثق للحياة اليومية فى الواحات المصرية.



فهو سيرة ثقافية للناس والأمكنة وفى هذا الكتاب للدكتورة سوسن الشريف، الذى صدر حديثا عن دار روافد للنشر والتوزيع، نرى الواحات «كنوز الرحمة» كما أطلق عليها المؤرخ اليونانى «هيرودوت»، و«جنات الصحراء» كما أطلق عليها المؤرخ عبداللطيف واكد، فنعيش مع أهل الواحات، بموهبتهم، الفطرية فى تصوير عشق المكان، وفنونهم التى جعلت للواحات سحرا خاصا.

وقدمت الكاتبة من خلال زياراتها المتعددة للواحات رؤى تحليلية اهتمت بملامح المكان، العامر بالآثار، والمزارات السياحية، كما أبرزت جهود أبناء الواحات فى التأريخ لجنات الصحراء.

 

 

 

والكتاب يعد من أدب الرحلة كما ينتمى بامتياز إلى حقل الدراسات الأنثروبولوجية أو علم الإنسان، الذى يدرس أسلوب الحياة، من الجانب المعنوى والمادى وما يدور فى الحياة اليومية للناس، وعلم الأنثروبولوجى يسعى إلى الإفادة من المعرفة الإنسانية المتراكمة فى وضع تصورات لمستقبل الإنسان كما يقول حسين فهيم فى كتابه «قصة الأنثروبولوجيا».

التراث فى حالة حركة

فالسمة المميزة لكتاب «حكايات من الواحات» لسوسن الشريف هى الاتصال المباشر والمكثف بمجتمع الواحات من خلال زياراتها له، وارتحالها فيه.

فرصدت الكاتبة ما طرأ من تطورات وتغيرات فى حياة أبناء الواحات من حيث اختيارهم لمهن جديدة ارتبطت بالسياحة، وتنظيم رحلات السفاري، والتى تنتعش فى فصول الشتاء، وبعد أن كانت الزراعة والاعتماد على عيون المياه فى إروائها، وكانت تلك هى المهنة الأصلية والأساسية لأهالى «الواحات البحرية» على سبيل المثال إلى أن بدأت السياحة تنتعش منذ الثمانينيات، وكانت تقتصر فى البداية على الأجانب، ورغبتهم فى اكتشاف الواحات، وكنوز صحرائها الغنية بالآثار والمزارات، وتبع ذلك انتشار التجارة فى التسعينيات.

 

خلال صباغة السجاد والكليم اليدوى
خلال صباغة السجاد والكليم اليدوى

 

وساعد على ازدهار السياحة والتجارة انفتاح الأجيال الجديدة على شبكات التواصل الاجتماعى فتغيرت طبائع المهن التقليدية، واتجه الشباب إلى العمل بمهن جديدة، وحاول الآباء الحفاظ على الحرف التقليدية وتراثها فأنشئوا المتاحف الأثرية التى تؤرخ لها، وقاموا بتطوير بعض الحرف اليدوية لتواكب ما حدث من تغيير مما يؤكد أن هذه المعارف المتراكمة يمكن البناء عليها للربط بين الماضى والحاضر، والتطلع إلى المستقبل، وهى النظرة التى تبناها المعمارى الشهير حسن فتحي، والذى كان يرى «أن للتراث دورا خلاقا باحترام عمل الأجيال السابقة والبناء عليه»، كما رأى أن التراث ليس بالضرورة طرازا قديما أو يعود إلى الماضى البعيد، وإنما قد يكون قد بدأ منذ وقت قصير، فبمجرد أن نجابه مشكلة، ونتمكن من التغلب عليها نكون قد اتخذنا الخطوة الأولى فى إرساء التراث، وعندما يقرر آخر اتخاذ الحل نفسه فإن التراث يكون فى حالة حركة، وكلما جرى تداوله وتمت الإضافة إليه، فإن إسهام كل فرد يرسى التراث إلى حد كبير.

من هذا المنطلق العلمى شيد «حسن فتحي» قريته الشهيرة فى واحة «باريس» بمحافظة الوادى الجديد على بعد تسعين كيلومتر من واحة الخارجة.

وقد عادت الكاتبة إلى مصادر مهمة عن الواحات، مثل كتابات «حسن فتحي» حول العمارة البيئية، كما اهتمت بأدبيات مهمة مثل: «واحات مصر جزر الرحمة وجنات الصحراء» لعبداللطيف واكد، وحسين مرعي، و«واحة آمون» بحث شامل لواحة سيوة» لعبداللطيف واكد، و«جنة الصحراء سيوة أو واحة آمون» لرفعت الجوهرىوغيرها، لكن اللافت فى هذا الكتاب هو الاعتماد على البحث الميدانى، وإجراء المقابلات والحوارات التى أجرتها الكاتبة مع أبناء الواحات، وهذه الحوارات تربو على مائة حوار، كشفت فيها عن أهم العادات والتقاليد، وأهم المهن والحرف التى يشتغلون بها، وتلك التى اندثرت، بل والمهن التى تم تطويرها، والعمل عليها ليصبح التراث متكأ لتحقيق التطور المنشود، ورصد ما ترتب على هذا من تغيرات اقتصادية واجتماعية ارتبطت بمؤثرات عصرية مثل استخدام الإنترنت، والاشتغال بالسياحة الذى أصبح حرفة أساسية الآن فى الواحات.

 

السجاد والكليم اليدوى
السجاد والكليم اليدوى

 

فرسمت الكاتبة صورة حية للواحات بتاريخها وآثارها، وأبنائها الذين يعشقونها عشقا لدرجة أنهم لا يتصورون بعدهم عنها، وإذا سافروا أو ارتحلوا فإنهم يتعاهدون على العودة بعد عامين فقط، فيرتحل الأخ عامين، وعندما يعود يسافر آخر من أقربائه أو من عائلته، وهكذا ويكون السفر للضرورة القصوى فأبناء الواحات يرتبطون بها ارتباطا شديدا، ويقدسون الترابط الأسرى والعائلى.

وقد ارتحلت الكاتبة إلى ست واحات هي: سيوة، والداخلة، والخارجة والفرافرة، والواحات البحرية، وواحة باريس.

 

مدينة القصر بواحة الداخلة
مدينة القصر بواحة الداخلة

 

وفى سرد أدبى مشوق يمضى بنا الكتاب فى عدة رحلات كلها نقلات فى الزمان والمكان، وتتعرف على أهل الواحات فى سيرة ثقافية غنية.

البيضاء و السوداء

والواحات البحرية تتمتع بمزارين مهمين هما: الصحراء البيضاء، وأصلها قاع محيط جف منذ آلاف السنين فترك تكوينات ناصعة البياض من تلال وكثبان من رمال ناعمة عندما يسطع عليها القمر تتحول إلى لون فضى ساحر، وتصفها الكاتبة بقولها: «إنهاء صحراء لا تظلم أبدا بحلول الليل».

أما الصحراء السوداء فأصلها انفجار بركان مازالت آثارها باقية بعد مرور مئات السنين، وهى عامرة بصخور تشبه الكريستال، وهى فى نقائها مثل قطع الألماس، وتتكون الواحات البحرية من عدة قرى هى: القصر، والحيز، ومنديشة، ومركزها مدينة الباويطى.

 

متحف محمود عيد بالواحات البحرية
متحف محمود عيد بالواحات البحرية

 

ويعد متحف التراث بالواحات البحرية، والذى أسسه «محمود عيد» من أهم المزارات بها، وصوّر فيه الحياة اليومية كما وثّق بعض الممارسات مثل طحن القمح، وصناعة الخبز الشمسى، وطرق تخزينه، ومشاهد جلب المياه من البئر، كما رصد أدوات الصيد المتنوعة، وذلك من خلال فنه الخاص، والتماثيل التى تحاكى الطبيعة ومشاهدها، وقد شيّد «محمود عيد» هذا المتحف فوق ربوة مرتفعة عام 1995.

أم

أما واحة «سيوة» فهى واحة بقلب أم يعشقها أهلها، ولا يرتحلون عنها أبدًا مهما دفعتهم الأسباب، وهى تتمتع بآثار مهمة مثل معبد «هيبس» وأنشأه الملك «دارا الأول» الذى أقام لآموه معبدين، أحدهما فى «سيوة» ويعرف بمبعد «أم عبيدة» ويوجد بجوار معبد «آمون» ويتحدث أهل «سيوة» اللغة الأمازيغية، فقديما توافدت إليها قبائل من الجزائر والمغرب وليبيا، وهم يتحدثون بالأمازيغية فاستقرت هذه اللغة فى «سيوة» كلغة أساسية، فهى لغة التعامل اليومي، ويتعلم الأطفال اللغة العربية عندما يلتحقون بالمدارس.

 

منتجات أرابيسك من جريد النخل
منتجات أرابيسك من جريد النخل

 

ومن أهم الآثار فى «سيوة»: قلعة «شالي» التى بناها أهلها فى وسط الواحة لتحميها من المغيرين عليها، فقد تعرضت (سيوة) للنهب والسلب من الغزاة، والأجانب الذين توافدوا عليها بحجج واهية لكنهم كانوا يبحثون عن آثارها كما ذكرت الكاتبة، وتستغرق الرحلة إلى سيوة اثنتى عشرة ساعة تقريبا من القاهرة، وتعد بحيرة «فطناس» من أهم معالم هذه الواحة الجميلة، فيزورها الآلاف لمشاهدة أروع مناظر الغروب.

ومن أهم المزارات فى «سيوة» متحف الفن السيوى، وصاحب فكرته الفنان عبدالغنى أبوالعينين، وزوجته الفنانة رعاية النمر، وأنشأه بدعم من هيئة المعونة الكندية، وافتتح عام 1995، وهو يوثق لأساليب الحياة القديمة فى هذه الواحة، ويصور العادات والتقاليد فى صور من الحياة اليومية.

وقد نجح البيت السيوى كمتحف فى تحقيق عائد مادى من خلال تراكم قيمة تذاكر زيارة البيت، وتم استثمار هذا العائد فى إنشاء مركز لـتوثيق التراث فى سيوة، حيث يقوم أبناؤها فى جمع التراث اللامادى من الأهالى وبخاصة من كبار السن، فحصلوا على كثير من الحكايات التى تمثل العادات والتقاليد القديمة، وتوثق لصور الحياة اليومية، واستغرق جمع المعلومات ثلاث سنوات، وتم ضم مركز التراث إلى مكتبة مصر العامة، وتم افتتاحها فى نهاية نوفمبر 2022.

 

 

 

وعن أهم المهن التى يعمل بها أهل سيوة السياحة، حيث يخرج الرجال للعمل بها، أما النساء فيتقن الفنون الطرزية، وحياكة الملابس التقليدية، وترتدى المرأة السيوية العباءة السوداء، وفوقها رداء رمادى به خطوط بيضاء وحمراء عند الأطراف، ويعرف باسم (ترفوطت).

وقد تم إنشاء أول فندق بيئى فى «سيوة» واسمه فندق «أدوير اميلال» وتعنى «الجبل الأبيض» بلغة أهل سيوة وتنتعش صناعة وتصميمات الملح فى «سيوة» فيتم تصنيع أباجورات الملح، والخشب والملح، وعم «عيسى» هو أول مؤسس لصناعة الملح فيها، وهو الذى بدأ مشروع إنشاء أول فندق بيئى فيها.

 

 

 

الخارجة و الداخلة

وتتميز بوجود العديد من الآثار، والمزارات وأقدمها «مزار السلام»، وتتزين المزارات بمشاهد بشارة العذراء، ومشاهد لقصص آدم وحواء وهما يخرجان من الجنة، وأيوب وهو يشفى من البلاء، وغيرها.

وفى الواحات «الخارجة» أيضا يوجد معبد «هيبس» الذى أنشأه الملك دارا الأول فأقام لآمون هذا المعبد كما أقام معبدا آخر فى «سيوة».

وبجوار هذا المعبد فى الخارجة، هناك مقابر «البجوات» ويرجع تاريخها من القرن الثانى الميلادى إلى القرن السابع الميلادي، وتتمثل أهميتها البالغة فى أنها ترجع لأوائل العصر المسيحى إذ فر أقباط مصر إلى الصحراء خوفا من الاضطهاد الرومانى للمسيحية، وتوجد على هياكل مقابر «البجوات» آلاف الكتابات باللغة الإغريقية، واللاتينية، والقبطية والعربية.

كما ترك الرحالة أسماءهم على جدران تلك المقابر، فهذه الواحة كانت محطة مهمة فى طريق الحج الذى يربط شمال إفريقيا ببلاد الحجاز.

ومن أهم آثار «الداخلة» قرية القصر الإسلامية وهى أول قرية استقبلت القبائل الإسلامية فى الواحات عام خمسين هجرية، وبها بقايا مسجد من القرن الأول الهجرى، وازدهرت «القصر» فى العصر الأيوبى، وكانت عاصمة الواحات وبها قصر الحاكم، وتعتبر متحفا تاريخيا مفتوحا لعدة عصور: الفرعونية، والرومانية، واليونانية، والقبطية، والإسلامية.

 

 

 

ويرجع تاريخ القصر إلى القرن العاشر الهجرى، وامتد العمران بقرية «القصر» فى العصر العثمانى، وتوجد بها أقدم معصرة لزيت الزيتون، وعمرها ستة قرون.

وتتكون «الداخلة» من سبع عشرة قرية هى: «تنيدة»، و«بلاط»، و«البشندي»، وعزبة «الشيخ مفتاح»، و«أسمنت المعصرة»، «والشيخ والي» و«موط»، و«الهنداو»، و«الراشدة»، و«القلمون»، و«القضاء الجديدة»، و«الموشية»، و«العوينة»، و«بدخلو»، و«عزب القصر»، و«غرب الموهوب»، وقرية «القصر» ومن أهم معالم «الداخلة»: المتحف الإثنوجرافى الذى أسسته د.علية حسن الملقبة ببنت الصحراء والذى يضم التراث الثقافى اللامادى للواحة، وجمعت فيه مقتنيات نادرة من جميع الواحات المصرية، ومنها «سيوة»، و«الداخلة»، و«الفرافرة».

وقد التقت مؤلفة الكتاب بأهم الشخصيات التى تعمل بهذا المتحف ومنهم «أم فؤاد».

التى تحفظ تاريخ المتحف، وكل ما يتصل به، وهى من أعضاء فريق رعاية هذا المتحف الذين عملوا تحت رئاسة د.علية حسن، وقد حصلت «أم فؤاد» على لقب «سفيرة التراث» لقدرتها المدهشة على الحديث بطلاقة عن المتحف وتاريخه.

وقد تم الإعلان عن المتحف رسميا من وزارة الآثار عام 2002.

كما يعد مركز «صوصال» للحرف اليدوية، والذى أسسته مرفت عزمى عام 1999 فى «الداخلة» وتم إعلانه كمنشأة مسجلة رسميا عام 2012.

ومن أشهر الحرف اليدوية فى الداخلة: صناعة الكليم والسجاد اليدوى، ويعد (الحاج عبدالسلام) هو صاحب أول مصنع لصناعة الكليم والسجاد فى الوادى الجديد وشيده بقرية «البشندى» وقد بدأت فكرة إنشاء المصنع عام 1977 وأسس أبناؤه جمعية «أبناء بشندي» التى تولت الجمعية، وحصلت على المستوى الثانى على مستوى الجمهورية للعمل الأهلى التنموى.

وتقوم الجمعية بتعليم الفتيات حرفة النسيج.

وقرية «البشندى» نفسها حافلة بالآثار، فيها معبد مدفون فى الرمال، يرجع للأسرة التاسعة عشرة الفرعونية، والمقبرة الرومانية لحكام هذه المنطقة، والتى يعود تاريخها إلى القرن الأول الميلادى، ومقبرة الشيخ «بشندى» الذى سميت باسمه، كما يقع فى جنوب القرية معبد من العصر الرومانى وشيد من الحجر الرملى.

واحة باريس

وتقع واحة «باريس» على بعد تسعين كيلومترا من واحة «الخارجة».

وكلمة «باريس» تعود إلى اللغة المصرية القديمة «بر إست» أى بيت إيزيس ثم أصبح اسمه «باريس»، فى اللغة المتداولة بين الناس، ويرى البعض أن التسمية ترجع إلى «بيريس» قائد جيش قمبيز الذى سار إلى الواحات برجاله، وسميت الأرض المحيطة بالمكان الذى نزل به باسمه، ثم حرفت الكلمة إلى «باريس».

 

 

 

وتتميز واحة «باريس» بوجود القرية التى شيدها المعمارى الشهير «حسن فتحى» على ربوة عالية شمال الواحة على مساحة ثمانية عشر فدانا، وتتميز القرية بالعمارة البيئية المستقاة من البناء التقليدى فى الواحات، ولها تصاميم مبتكرة، وتعتبر له الريادة فى مجال هذا النوع من المعمار.

ومن أهم معالم واحة «باريس» أحد المعابد الأثرية واسمه «دوش»، وبنى المعبد فى فترة الأباطرة الرومان، وتتميز القرى فى واحة «باريس» بأنها مسماة على أسماء الدول العربية وسميت بذلك فى عهد الرئيس عبدالناصر.

واحة الفرافرة

وتقع على بعد 170 - مائة وسبعين كيلومترا من الواحات البحرية، ذكرتها الوثائق المصرية القديمة خصوصا منذ الأسرة العاشرة فى القرن الحادى والعشرين قبل الميلاد، وسميت «أرض الغلال» فى العصور الرومانية، وفى العصر المسيحى الأول كانت «الفرافرة» ملاذا للمصريين المسيحيين الذين اضطهدهم الرومان.

وتزدهر تجارة البلح والزيتون بين الفرافرة ووادى النيل، ويعمل الأهالى فى الزراعة والمشروعات الاستثمارية.

ومن أهم المزارات فيها متحف الفنان «بدر عبدالمغني» بالفرافرة وقد حوّل منزله إلى متحف فهو يتمتع بالبناء التقليدي، فأصبح متحفا طبيعيا يصور فيه حياة الواحات وأهلها، وعاداتهم وتقاليدهم، والمتحف كله قطعة فنية فريدة، واعتمد فيه على المواد الطبيعية، كالرمال والفخار وجذوع الخشب، وتنوعت أعماله ما بين رسم اللوحات بالرمال، ونحت تماثيل مختلفة من الصخور والأخشاب صنع بها مجسمات لقصر «الفرافرة»، والمساجد والمنازل القديمة، وأشياء ذات قيمة تاريخية متميزة.

حرف تعيش وأخرى تندثر

الفن فى حياة أهل الواحات جميعا من ملامح الحياة اليومية، فهم يرسمون بالرمال، وتزدهر حرف عديدة مثل حرف التطريز، وحرفة غزل الكليم والسجاد اليدوي، وصناعة الخوص ويحب الأهالى العمل ويعتبرونه حياة بل سببا للحياة.

ومن الحرف المزدهرة أيضا تحويل النخل إلى أرابيسك.

وبينما تزدهر حرفة التطريز فى واحتى «سيوة» و«الواحات البحرية» أكثر من غيرها وترجع الكاتبة ذلك إلى وضع النساء وحرية تحركهن، ففى الوادى الجديد لدى النساء حرية أكبر فى العمل فتتنوع أمامهن الوظائف فيعملن فى المدارس، والوحدات الطبية، والمصانع مثل مصنع الكليم والسجاد اليدوي، بينما تكاد تنحصر أعمال النساء فى التطريز والخياطة فى «سيوة» و«الواحات البحرية»، ومن الصناعات المهمة صناعة الخوص، ورغم توفره فإن العاملين به عددهم قليل، ولكنها حرفة تعيش وتتطور فهناك مواكبة للعصر بتصميمات جديدة تتماشى مع متطلبات السوق والشراء، وتعد من المهن التى يجرى إحياؤها من جديد وقد التقت الكاتبة ببعض العاملين فى مجالات الحرف المختلفة، ورصدت تجاربهم وبرز البناء المعمارى البيئى على رأس الحرف التى يندر وجود بنائيها الآن، وخاصة البناء بالكرشيف، وهو نوع من الأحجار التى تكونت بفعل الطبيعة من الملح والرمال والتربة، وتتميز بالصلابة والشكل المميز ولكن تراجع البناء بالكرشيف وكذلك تراجع البناء بالطوب النى أو اللبن لصالح البناء بالمسلح كنوع من مواكبة العصر، لذلك قل مستوى حرفة البناء بالكرشيف، وتكاد أن تندثر، ومع ذلك فإن الأبنية المشيدة بالمواد الطبيعية تلك، أو ما يطلق عليه: العمارة البيئية، جاذبة للسياح أكثر، ولذا شيدت فى «سيوة» أبنية على الطراز البيئى القديم، ومنها ما شيده المهندس «رامز عزمى» فكل تصميمات الفنادق فى «سيوة» تعتمد على الطراز البيئى ، ومنها فندق «البانشال» أى باب القلعة باللغة الأمازيغية، وفندق «أدرير أميلال» أى الجبل الأبيض، الذى يأتى إليه المشاهير من رؤساء الدول من أنحاء العالم، وقد اهتم «رامز عزمي» بالعمارة البيئية، وبالمعماريين رواد المهنة مثل «حسن فتحى»، و«رمسيس» ويصا واصف، وتوجد فنادق أخرى مشيدة على طراز المعمار البيئى مثل فندق «قصر البجوات» لمؤسسة وصاحبة «محمد المليجى» ويقع الفندق فى واحة الخارجة».

عادات وتقاليد

ومن العادات القديمة التى رصدتها الكاتبة مؤرخة لها عادة قيام النساء بنشر أثاث منازلهن على النوافذ والأسطح فى عيد الأضحى اعتقادًا منهن أن ريحًا قوية طاهرة تهب يوم وقفة «عرفات» ويتمنين أن ينال أمتعة منازلهن شيىء منها فيتباركون بها العام كله ومتى اقتربت الشمس من الغروب يعيدونه إلى داخل المنازل.

ومن العادات التى اختفت عادة فى عاشوراء فكان الأطفال يغمسون ويغطون جريدة النخيل بالزيت ثم يشعلونه بالنار، ويصعدون على أسطح المنازل يغنون أغانى تراثية للاحتفال.

وفى الكتاب أيضًا بورتريهات قلمية رسمتها الكاتبة للبارزين والموهوبين من أبناء الواحات مثل الفنانة التشكيلية جهاد محمود ابنة الفنان محمود عيد مؤسس متحف التراث بالواحات البحرية، وراندا سيف أو زهرة اللافندر التى تصنع منتجاتها من الأعشاب والزهور والفواكه، ومحمد رحالة الذى تخصص فى رحلات السفارى ورحلات الصحراء، والفنان أحمد سعداوى بلوحاته النابضة بالحياة، وأحمد راغب وابتكاراته التى اعتمد فيها على بقايا النخيل من الجريد والبلح ونواه، وصنع منها مواد غذائية للأغنام والدواجن والطيور.

وعم «حامد» ولوحاته، والذى كان يرفض بيع أعماله الفنية لأنها تمثل قيمة معنوية كبيرة.

الواحات منورة بأهلها، وفنها وآثارها، وجمالها، الواحات كنوز وأسرار وكلها تتمسك بالجذور، وتتطلع إلى تطوير تراثها والإضافة إليه دائمًا، فهى كنز للكتابة والإبداع، و«حكايات من الواجات» لسوسن الشريف كتاب فاز بمنحة الصندوق العربى للثقافة والفنون «آفاق»، وصدر عن دار «روافد» فى مصر.