الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

شجرة الفراعنة الخضراء

ستظل الحضارة المصرية القديمة الأساس الراسخ لجميع الظواهر والتقاليد المتبعة حاليًا فى كل بلاد العالم.



حتى شجرة الميلاد.. تعود فى أصولها إلى مصر.. ومع ذكرى الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح.. وما يصاحب هذا الاحتفال من ظواهر وتقاليد.. تظل «شجرة الكريسماس» أو شجرة عيد الميلاد التى يزين بها المسيحيون فى جميع أنحاء العالم المنازل والشوارع لها أصول راجعة إلى المصريين القدماء.

 

عرف المصريون شجرة الميلاد قبل العالم.. أو قبل أن يبدأ الزمان والزمن.

يُثبت تاريخيًا وطبقًا لأغلب التفسيرات والحقائق أن أصل شجرة الكريسماس بدأت فى مصر.. ثم أصبحت فيما بعد رمزًا للاحتفال بالميلاد المجيد.

من بين التفسيرات ما أظهرته قوائم الأعياد المنحوتة على جدران معبد الملك رمسيس الثالث بمدنية هابو والتى أوضحت أنه فى يوم الخامس عشر من منتصف شهر «كياك» من فصل الفيضان، حيث حرص المصريون على إقامة احتفالات بالرب أوزوريس بالإتيان بأكثر الأشجار خضرة ونصبها وزرعها أمام معبده مع تزينها بالحلى، كما يُفعل اليوم بشجرة عيد الميلاد وذلك وسط جمع من الرجال والنساء والأطفال وجميع فئات المجتمع انتظارًا لأخذ الهدايا والعطايا من الرب أوزوريس فى وجود فئة الكتبة المسئولين والكهنة.

 

 

 

شجرة أوزوريس

عرف المصرى القديم احتفالاً كبيرًا يقام كل عام فى منتصف شهر كيهك (يعادل 25 ديسمير).

كانت من أهم مراسم هذا الاحتفال.. رفع شجرة مقتلعة وغرسها فى الأرض.. وكانت تجمل بأزهى زينة تكريمًا لرمز الحياة التى تحمله. هذه الشجرة انحدرت إلينا فى صورة جديدة حديثة.. أيام العيد.. حيث مازال العالم يبهتج بها فى الميلاد المجيد.

موسوعة «بريتينيكا» ذكرت أن شجرة الميلاد أصلها مصرى.. وسميت عند المصرى القديم بـ «الشجرة الخضراء».

فى الحضارة المصرية القديمة.. كانت الشجرة الخضراء رمزًا للخلود والبعث، حيث حرص المصريون القدماء على إقامة الاحتفالات بعودة «أوزوريس».

وقتها وفى ذلك الوقت من العام، كانوا يأتون بأكثر الأشجار خضرة وزرعها أمام المعابد مع تزينها بالحلى، ويتجمع الأطفال انتظارًا لأخذ الهدايا والعطايا من «أوزوريس».

كان يحضر هذا الاحتفال فئة من الكتبة المسئولين فى المعبد.. الذين كان عليهم تلقى الطلبات والأمانى وتسجيلها على برديات ووضعها تحت قدمى الشجرة الخضراء مهنئين بعضهم البعض بقولهم: (سنة خضراء).

لكن عالم المصريات الكبير «هنرى بريستد» كتب فى كتابه «فجر الضمير» إن الشجرة كانت تعرف بشجرة «أوزوريس».. حيث تقول الأسطورة إنه بعد قتل أوزوريس على يد أخيه «ست» بواسطة زوجته «إيزيس» تم إبلاغها أن تابوته ذهب عبر البحر إلى مدينة بيبلوس (جبل بلبنان).

وفى لبنان، حسب الأسطورة أن اندمج التابوت بشجرة «السرو» التى احتوته وحافظت على السر (كلمة السرو تعنى بالمصرية القديمة السر أو الأسرار).

 

 

 

وفى حكاية أخرى.. أن ملكة السماء فى لبنان «عشتروت»، هى التى أهدت إيزيس فى رحلة البحث عن أوزوريس شجرة كبيرة من أشجار السور.. كان داخلها تابوت «أوزوريس».

وطبقًا للأسطورة أمرت الملكة حراسها بحمل الشجرة بالتابوت إلى أرض مصر، وبعد وصوله أخرجت «إيزيس» منها التابوت وجسد أوزوريس لتعود إليه الحياة.. من جديد ويصبح عيدًا لـ«أوزوريس» يحتفل به المصريون كل عام. 

شهر كهيك

حسب العقيدة المصرية القديمة، أصبح فى منتصف شهر كيهك من كل سنة كان المصريون القدماء يحتفلون بقيامة «أوزير» وعودته للحياة فى شكل شجرة.. تزرع وسط ميدان الاحتفال لتكون محور التقاء وملاذ الحائرين.

وتبعًا للأسطورة التى تناقلت جاء فى إحدى صور أسطورة إيزيس وأوزوريس من رواية بلوتارك تلك التى ملخصها أن «أوزير» كان ربًا للخير ورمزًا للخصب، وورث ملك مصر من «رع».. وكان قد تزوج من إيزيس التى كانت شديدة الخصوية.. فى زواج مثمر بالأطفال.

بينما أختها «نفتيس» التى تزوجت من «ست» رب العنف والشر.. فكانت عقيمًا لا تلد.

دبت الغيرة فى نفس «ست» من أخيه «أوزير»، وأراد أن المكر به فدبر مكيدة لاغتياله.

وبدأت الخطة بأن دعا ست إلى حفل مع بعض أعوانه، وأعد تابوتًا جميلاً بحجم الملك الشاب «أوزير».

زعم «ست» فى الحفل أن التابوت هدية لمن يكون التابوت على قدر جسمه.. وهكذا جرب الحاضرون الدخول فيه إلى أن جاء دور «أوزير» الذى ما أن رقد فى التابوت حتى أغلق عليه «ست» الغطاء.. ثم ألقى به فى نهر النيل.

فى رحلتها للبحث عن جسده.. والتابوت، تتبعت إيزيس النهر الذى أوصلتها مياهه بمياه البحر المتوسط حتى شواطئ لبنان. 

وهناك.. يقال إنها وجدت بجثة زوجها قد احتوتها شجرة «الطرفاء» الكبيرة بأوراقها الضخمة، التى كانت قد أعجبت بها الملكة «عشتار».. فأمرت بقطعها وإحضارها لتزيين قصرها.

وفى رواية.. أن إيزيس اضطرت للاحتيال على ملكة لبنان بإظهار مواهبها كـ«ويريت – حكاو» حتى عادت بجثة زوجها إلى مصر داخل الشجرة، فعاد معها الخير ونبتت المزروعات التى كانت جافة وأزهرت الورود الذابلة.

 

 

 

أوزير والشجرة

تشير قوائم الأعياد فى معبد الملك رمسيس الثالث بمدينة هابو إلى أن الاحتفالات بشجرة أوزير.. كانت تتم فى كيهك.. الشهر الرابع من فصل الفيضان «آخت» (ويوافق هذا اليوم الرابع والعشرين من شهر ديسمبر وذلك حسب التراجم من اللغة القديمة التى كتب عنها العالم الألمانى شوت سيجفريد).

وفى كل عام كان المصريون يحتفلون فى أبيدوس بعيد شجرة «أوزير» أمام معبده.. فيأتون بأكثر الأشجار إخضرارًا لنصبها وزرعها فى وسط الميدان الذى يكتظ بالرجال والنساء والأطفال والشباب وانتظارًا للهدايا والعطايا.

وعودة لكتاب برستيد قال معلقًا على رواية عودة إيزيس بالشجرة التى احتوت جثمان أوزير بالنص الآتى: «عاد الرب إلى الحياة التى تنبعث ثانية بعد الموت شجرة خضراء ونشأ عن ذلك الحادث عيد أوزوريس». 

يقول ويليام نظير فى كتابه العادات المصرية بين الأمس واليوم : «آمن المصريون أن أوزير هو القوة التى تمدهم بالحياة وتعطيهم القوت فى هذه الدنيا، وأنه هو الأرض السوداء التى تخرج الحياة المخضرة، فرسموه وقد خرجت سنابل الحبوب تنبت من جسده، كما رمزوا للحياة المتجددة بشجرة خضراء، وكانوا يقيمون فى كل عام حفلاً كبيرًا ينصبون فيه شجرة يزرعونها ويزينونها بالحلى كما يفعل الناس اليوم بشجرة الميلاد».

وعبد المصريون رمز الخضرة والتجديد وآمنوا به فى كل معتقداتهم، ففى نصف الكرة الشمالى، يقع أقصر يوم وأطول ليلة فى العام فى 21 ديسمبر أو 22 ديسمبر ويسمى الانقلاب الشتوى.

واعتقد الكثير من القدماء أن الشمس كانت إلهًا وأن الشتاء يأتى كل عام لأن إله الشمس أصبح مريضًا وضعيفًا، لقد احتفلوا بالانقلاب الشمسى لأنه يعنى أن إله الشمس سيبدأ أخيرًا فى التعافى، ذكرتهم الأغصان دائمة الخضرة بجميع النباتات الخضراء التى كانت ستنمو مرة أخرى عندما يكون إله الشمس قويًا ويعود الصيف.

وعبد المصريون القدماء «رع» وكان له رأس صقر ولبس الشمس كقرص مشتعل فى تاجه، وعند الانقلاب الشمسى، عندما يبدأ رع فى التعافى من مرضه، يملأ المصريون منازلهم بأشجار النخيل الخضراء، والتى كانت تمثل بالنسبة لهم انتصار الحياة على الموت.

وكان الرومان الأوائل يميزون الانقلاب الشمسى تكريمًا لساتورن، إله الزراعة. 

وعرف الرومان أن الانقلاب الشمسى يعنى أنه قريبًا ستصبح المزارع والبساتين خضراء ومثمرة، للاحتفال بهذه المناسبة، قاموا بتزيين منازلهم ومعابدهم بأغصان دائمة الخضرة.

قبل ظهور المسيحية بوقت طويل، كان للنباتات والأشجار التى ظلت خضراء طوال العام، معنى خاص للسكان فى الشتاء. 

ومثلما يزين الناس منازلهم اليوم خلال موسم الأعياد بأشجار الصنوبر، علقت الشعوب القديمة أغصانًا دائمة الخضرة على أبوابها ونوافذها.

كان يعتقد فى العديد من البلدان أن الخضرة ستبعد السحرة والأشباح والأرواح الشريرة والمرض. واعتقد المصريون القدماء أن الشتاء يأتى كل عام لأن «إله الشمس» أصبح مريضًا وضعيفًا. 

لذلك احتفلوا بالانقلاب الشمسى لأنه يعنى أن إله الشمس سيبدأ أخيرًا فى التعافى. وذكّرتهم الأغصان دائمة الخضرة بجميع النباتات الخضراء التى كانت ستنمو مرة أخرى عندما يكون إله الشمس قويًا ويعود الصيف.

لكن عادة الاحتفال بالشجرة فى العالم الحديث جاء على يد الألمان، ويعود تاريخ أشجار الكريسماس حديثا مع التقليد الألمانى لأشجار عيد الميلاد المضاءة بالشموع التى تم إحضارها لأول مرة إلى أمريكا فى القرن التاسع عشر.

واكتشف تاريخ شجرة الكريسماس بدءًا من احتفالات الانقلاب الشتوى الأولى وحتى عادات تزيين الملكة فيكتوريا والإضاءة السنوية لشجرة مركز روكفلر فى مدينة نيويورك.

الإله ثور

ترجح أغلب الروايات إلى سر ارتباط شجرة الميلاد.. بجذور الاحتفال فى القرون الوسطى بألمانيا، لدى بعض القبائل التى كانت تعبد الإله (ثور).

وثور هو إله الغابات والرعد الذى كانوا يقيمون له طقوسًا كثيرة.. حيث تتزين فيه الأشجار الخضراء بالحلى وتقوم إحدى القبائل المشاركة بتقديم ضحايا بشرية من أبنائها للإله.

ظل الحال على ما هو، حتى عهد البابا بونيفاسيوس وزيارته المبشرة عام 727 م، فشاهدهم يقيمون احتفالهم تحت إحدى الأشجار، وقد ربطوا ابن أحد الأمراء وهمّوا بذبحه.

أنقذ البابا ابن الأمير، ووقف فيهم خطيبًا مبينًا لهم بأن الإله الحى هو إله السلام والمحبة وليس الهلاك والدمار.

ثم قام بقطع تلك الشجرة ونقلها إلى أحد المنازل وأصدر أوامره بتزينها بأشكال جمالية متعددة جاءت متأثرة بحلى شجرة الرب أوزوريس. 

فزُينت بأشكال من «النجوم» و«الشموع» التى كانت رمزًا لأشعة الشمس ورب الشمس أوزوريس والتى تحولت مع مرور الزمن إلى أنوار كهربائية، وعدد من «الورود» التى كانت ترمز لزهرة اللوتس وتجدد الحياة والميلاد.

 

كذا «ثمرات التفاح الأحمر» رمز لدم الإله أوزوريس الطاهر، لتصبح الشجرة فيما بعد عادة ورمزاً للاحتفال بالخلاص.. وعيد ميلاد المسيح وصلت أصداؤهم إلى بلدان العالم أجمع.