تجربة شخصية فى عالم الأرواح
كاتبـة بريطانيـة تروى تفاصيـل حياتها مع زوجهـا الراحـل
شارلوت كريبس ــ صحفية وكاتبة بريطانية
منذ ست سنوات، رافقت صديقًا إلى لقاء عن وساطة روحية أقيمت فى كنيسة قديمة تفتقر للبهاء، وجلس فيها نحو 50 شخصًا على مقاعد مرتبة فى صفوف. وقيل لكل منا إنه بإمكاننا التواصل مع الأموات. غير أننى لم أكن أبحث عن إجابات لنفسى، بل أردت أن أساند صديقى. لكن العرافة أشارت إلىَّ، ونطقت بكلمات هزت كيانى، «يقول إنه نادم على ما فعله». ما لم تعلمه العرافة هو أن شريكى الراحل، أليكس، أنهى حياته بشكل مأساوى منذ عامين، فى فترة عانى فيها الاكتئاب. وبدا لى فجأة أننى أتلقى اتصالًا روحيًا من حب حياتى. لكن، أكان هو بالفعل؟
ضحكت العرافة. وأضافت، «يقول إنه تجاوز تاريخ انتهاء صلاحيته». لقد انتابنى ذهول كبير، إذ ذكرنى هذا التصريح كثيرًا بتعليقات أليكس التى حملت دومًا فى طياتها كثيرًا من الفكاهة السوداء.
سرعان ما عدت إلى وعيى وبدأت أشعر ببعض القلق والتحفظ. والواقع أننى لا أعترض على فكرة الغيب والمحجوب.
ففى المدرسة الثانوية، لعبنا كثيرًا بألواح «ويجا»، وتعلمت قراءة أوراق الـ«تارو» - لها علاقة بقراءة الطالع والتنجيم-. ولطالما راقنى الاعتقاد بأن لدى بصيرة ثانية -بمعنى معرفة الغيب- فى بعض الأحيان، لكن من يدرى؟ فى المقابل، لم أرغب أبدًا فى التواصل مع أحد أحبائى المتوفين، خصوصًا أليكس. وبالتالى، ما عدت أعرف إن توجب على أن أشعر بالإثارة أو الخوف، أو حتى الغضب. هل استغبانى أحدهم؟
بعد رحيل أليكس، لم أفكر فى التوجه إلى وسيط روحى للتواصل معه «أى شريكى الراحل»، لأننى لم أشعر بالحاجة إلى ذلك.
وخضعت لجلسات علاج نفسى وتصالحت مع ما جرى. وكذلك، أدى الوقت دور المعالج الأكبر. ومع ذلك، يتوق عدد كبير من الأشخاص الضعفاء والمفجوعين إلى هذا النوع من الرابط الروحى، أو يبحثون عن فرصة للاطلاع على حال أحبائهم، سواء لإعادة التواصل فى ما بينهم أو تحقيق السلام «الداخلى فى نفوسهم». لكن الحقيقة هى أن ذلك يجعلهم عرضة للاستغلال من أشخاص محتالين وجشعين.
لم يكن كل ما ذكرته العرافة مقنعًا، إذ صدر عن لسانها خطأ فادح، فذكرت أن أليكس مصر على أننا أنجبنا طفلين معًا، مع أننا فى الواقع لم نفعل، ولم ننجب معًا سوى لولا.
لكن بعد مرور 18 شهرًا، بقى جنين إضافى من عملية تلقيح صناعى أجريناها قبل وفاته، فحملت بابنتى ليبرتى. وبالتالى، سواء أكانت تلك الرسالة إشارة أو لا، فقد دفعتنى حتمًا إلى التصرف.
لقد تحولت قراءة الغيب إلى تجارة كبرى. وبالنسبة إلى النجوم المشاهير، يكاد العراف يكون بأهمية المدرب الشخصى، فلا يستغنون عنه. وبالفعل، يحكى أن مجموعة متنوعة من النجوم على غرار براد بيت، ولانا ديل رى، وكيرى كاتونا، يظهرون شغفًا كبيرًا بسماع حكايا من العالم الآخر. ويحكى إن الأميرة ديانا تواصلت بانتظام مع وسطاء روحيين، من بينهم سالى مورجان وسيمون سيمونز، بل إن هذه الأخيرة تدعى أنها على اتصال دائم مع ديانا، حتى يومنا هذا. وصرحت للصحافة فى السنوات الأخيرة أنها سمعت الأميرة الراحلة تعبر عن «قلقها بشأن فقدان كيت ميدلتون لكثير من وزنها»، وتؤكد على ضرورة أن يصوت البريطانيون لمصلحة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبى. فهل يعقل هذا؟
هذا الموقع كشف تقرير عام 2017 عن أن 22 % من البالغين فى الولايات المتحدة سبق أن استشاروا عرافًا أو وسيطًا روحيًا، بينما ادعى 38 % منهم أنه سبق لهم أن شعروا بوجود روح «فى محيطهم» خلال حياتهم. ويبدو أن النساء أكثر عرضة بكثير من الرجال لاختبار هذه المشاعر، إذ أورد التقرير أن نسبة النساء تكاد تشكل النصف (46 %)، بالمقارنة الرجال الذين يمثلون نسبة 30 % من الأشخاص «الذين تم سؤالهم». ومع ذلك، أوضح التقرير ذاته أن قرابة نصف البالغين فى الولايات المتحدة (47 %) يرون أن معظم الأشخاص الذين يدعون أنهم عرافون أو قراء للغيب، ليسوا سوى محتالين فى الواقع.
قالت وسيطة روحية مقيمة فى «نوتينج هيل جيت» بلندن، إن التواصل مع الأموات قد يصبح مرهقًا بالفعل، لا سيما حينما يصر زبائنها على نيل أدلة قاطعة حول أحبائهم الذين فارقوا الحياة. وبحسب كلماتها، «فى بعض الأحيان، يكون التواصل معهم مستحيلًا، وتكون العملية ضربًا من الحظ، فإما تنجح أو تفشل». وتضيف: «أحيانًا تكون الصلة قوية جدًا، حتى أستطيع تجسيد عادات الشخص الراحل أو تصرفاته، أو استقبال رسالة واضحة منه. وقد تصدر عنه رسالة تافهة من قبيل «عرفت أنك اشتريت فستانًا أحمر قبل أيام»، أو تكون رسالة أكثر أهمية. وبالتالى، لا تعرف أبدًا إن كان الاتصال مع الأموات سيحصل أم لا. ويتوجب عليك الاكتفاء بما تحصل عليه».
هذه المعلومات مثيرة فعلًا للدهشة والاستغراب. إذ تتحدث تلك الوسيطة الروحية عن التواصل مع الأموات كأنه أمر طبيعى تمامًا كتحضير فنجان من الشاى. وتشير إلى إنها حينما لا تنشغل بعملها، تحاول «تفريغ أفكارها»، وتصبح، وفق وقولها، «نائمة البصيرة» . وتشرح أنه «حينما تأتينا الرسائل من الأموات على هيئة صور شديدة الوضوح، قد يكون الوضع صعبًا، لا سيما إن كان الشخص الراحل مات فى ظروف مأساوية». ومع ذلك، تدرك العرافة بأن موهبتها تساعد الآخرين. وبحسب رأيها، «إنها تسمح للناس بالمضى قدمًا، أو تخولهم طى صفحة مؤلمة متى كانت هناك قضايا غير محلولة. وتؤكد على وجود حياة بعد الموت، وعلى أن هؤلاء الأشخاص سيعاودون الاجتماع بأحبائهم المتوفين، وبالتالى، يتسنى لهم أن يباشروا إعادة بناء حياتهم الخاصة. ولا شك فى أن الأشخاص الذين يتلقون رسالة من الأموات يشعرون بارتياح كبير، لأنها تمنح الأحياء طاقة حياة جديدة، وتكون هذه اللحظات سعيدة، وتبدد الشعور بالحزن بعض الشيء».
فى مطلق الأحوال، لست متأكدة حتى من أننى بحاجة إلى وسيطة روحية تضعنى على اتصال مع العالم الآخر.
ففى أحيان كثيرة، خيل إلىَّ بأننى أشعر بوجود أليكس (شريكى السابق) فى شقتى. وفى إحدى المرات، أثناء شروعى بترتيب مجموعة أفلام الـ«دى فى دى» التى كانت تخصه، عبر الغرفة بالون هيليوم بقى من حفلة عيد ميلاد أحد أطفالنا، ورسا فوق فيلمه المفضل.
وكذلك، حينما انطفأ ضوء مرآة الحمام واشتعل من تلقاء نفسه ثلاث مرات، رجوته، «من فضلك، لا تظهر ليلًا عند فراشى»! وقد تعرض آخرون من معارفه لحوادث مماثلة. وقبل خمس سنوات تقريبًا، اهتم ابن عم أليكس برعاية كلبى. ولحظة دخولى إلى شقتى بعد عودتى من إجازة، رأيته شاحب الوجه. وسألته ممازحة، «هل جاء أليكس يزورك؟». وحين أخبرنى بما جرى، وبأنه لمح أليكس يعبر الطرقة المواجهة للمطبخ فى شقتى، انهمرت دموعى وأجهشت بالبكاء.
أدرك أن بعض الأشخاص قد يشككون فى هذا كله، لكننى صدقت ابن عم أليكس. وتركنى ما حصل مع مزيد من الأسئلة، من دون أجوبة عليها. كيف هى الحياة بعد الموت؟ هل يجب أن أساعد روح أليكس على الانفصال عن أرض الأحياء؟ هل هذا كله مجرد وهم؟ هل فكرة رحيله إلى الأبد صعبة التصديق لدرجة أننا نضطر إلى تجسيده فى عقولنا؟
حتى الآن، لم أفهم إن كانت هذه اللحظات وليدة حزننا. لكن لو كان علىَّ أن أراهن بمالى، لأكدت أن الأشباح موجودة بالفعل. لست الشخص الوحيد الذى اختبر ظواهر غريبة من هذا القبيل. ففى وقت سابق من هذا الشهر، كتبت المؤلفة سانتا مونتيفيور فى صحيفة «دايلى ميل» عن ظهور شقيقتها الشهيرة، الراحلة تارا بالمر توكينسون المعروفة بلقب «إت-جيرل»، جالسة على سريرها فى إحدى الليالى، بعد مرور ستة أشهر على وفاتها. ودفع ذلك أماندا بلاتيل، وهى كاتبة عمود صحفى مشهورة، للاعتراف فيما بعد، بأنها شاهدت شقيقها الأكبر مايكل جالسًا على حافة سريرها، بعد مرور نحو 30 عامًا على وفاته.
يعتبر بعضنا الذين يدعون رؤية الأشباح أو التحدث إلى الأموات، أنها ظاهرة غير قابلة للتفسير، لكنها واقعية للغاية.
ولا شك فى أن إخبارنا بأنها أوهام وتصورات من خيالنا ليس سوى إنكار لتجربة عميقة وشخصية. وأنا واثقة من أن عددًا من تجاربى الغريبة مع أليكس، منذ رحيله، قد يكون محض تخيلات، لكننى لا أستطيع أن أنكر أنها تركتنى مشوشة. إن مجرد التفكير فى وجود شبح جالس عند طرف سريري أمر مذهل. وبالنسبة إلى، أفضل أن يعيش أحبائى الذين فارقوا الحياة فى قلبى، وليس فى غرفة نومى.
نقلا عن إندبندنت