السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هل تتكرر أزمة «خليج الخنازير»؟!

فخ ثوسيديدس، مصطلح شاع بين علماء السياسة الأمريكية لوصف نزعة واضحة نحو الحرب عندما تهدد قوة صاعدة قوة عظمى مهيمنة إقليميا أو دوليا. 



تمت صياغة هذا المصطلح واستخدم فى المقام الأول لوصف صراع محتمل بين الولايات المتحدة الأمريكية «القوة المهيمنة» والصين «القوة الصاعدة»، التى بدأت تبث الرعب فى القوة المهيمنة فى صراع ينبئ باقتراب حرب لأجل التحكم فى مصير العالم.

 

بوادر الصراع ظاهرة بين قوتى العالم، ويزيد استشعار الأمريكيين الخوف من تداعيات التطويق العسكرى الصينى مع الكشف عن خطط الصين للتجسس على أمريكا فى أكثر من مرة كان آخرها قواعد تجسس صينية فى كوبا.

بعد الكشف عن تلك القواعد مؤخرا هناك، من الخبراء من اعتبروها فوزا صينيا فى واحدة من المعارك وتأكيدا لتفوق الصين استخباراتياً على الإدارة الأمريكية، حيث تسير الصين بسرعة فى الطريق للوصول إلى عناصر القوة المعلوماتية والعسكرية والتجسس ليحلوا محل الولايات المتحدة الأمريكية كزعيم عالمى.

وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إن الصفقة غير السرية مع كوبا لإقامة محطة تنصت إلكترونية على بعد أقل من 100 ميل من الشاطئ الأمريكى، ستسمح للحزب الشيوعى الصينى بالاستماع إلى اتصالات عشرات القواعد العسكرية الأمريكية.

 

 

 

وأنفقت الصين على مشاريع للتجسس على واشنطن مليارات الدولارات ودفعت لكوبا للحصول على إذن لبناء مركز تجسس كبير بعد أن توصل البلدان إلى اتفاق من حيث المبدأ، وفقًا للمنشور.

وأعلنت الولايات المتحدة أن للصين منشآت لجمع المعلومات الاستخباراتية فى كوبا وأنها زادت عدد تلك المنشآت عام 2019، لكنها قالت إنها عاجزة عن تأكيد ما يتعلق بالمفاوضات حول المنشأة الجديدة وستواصل مراقبة الوضع والعمل لتعطيل أنشطة الصين فى كوبا.

ووفقًا لموقع بوليتكو، تجرى الصين وكوبا محادثات نشطة حول إنشاء منشأة للتدريب العسكرى المشترك فى الساحل الشمالى للجزيرة.

ويناقش الجانبان نوع التدريب الذى سيتم إجراؤه فى المنشأة وكيف سيبدو الهيكل القيادى، ولكن لم يتضح إلى أى مدى وصلت المفاوضات بين الصين وكوبا فى احتمالات التوصل إلى اتفاق، لكن ما يبدو أن مركز التدريب هذا سوف يشهد أنشطة تجسسية وتصنتا وأعمال مراقبة للساحل الأمريكى مما يعيد إلى الذاكرة أزمة خليج الخنازير.

أرض الجواسيس

فى مفاجأة كشفت صحيفة «فيجن تايمز» أن قاعدة CCP الصينية للتجسس فى كوبا موجودة منذ 30 عامًا، وتم كشف ذلك من خلال تتبع الاستخبارات الأمريكية لأنماط رصد معينة من قواعد عسكرية لأى حركة فى المتوسط، وهى أنماط تتبع الأساليب الاستخباراتية الصينية.

ووفقاً لتصريحات مسئول سابق بالمخابرات، ورئيس هيئة مكافحة التجسس بالمخابرات الأمريكية، فإن الحزب الشيوعى الصينى لديه منشأة استخبارات تعمل داخل كوبا منذ فترة وجيزة من سقوط الاتحاد السوفياتى، وقال إن الاتفاقات الجديدة سوف تضخم من مساحة وقدرات القاعدة.

وتم فضح منشآت تجسس صينية أخرى على أراضى كوبا، تعمل منذ 3 عقود، فضلاً عن رصد تحديثات فى «منشأة استخبارات الإشارات» كما يُطلق عليها، وتقع على بعد 45 دقيقة تقريبًا من هافانا فى بلدة بيجوكال، وفقاً لفيجن تايمز.

وهى لعبة القط والفأر المعتادة، إذ إنه عام 2001، اكتشفت المخابرات الأمريكية أن الصينيين كانوا يعملون بمنشأة تجسس بالقرب من العاصمة الكوبية هافانا منذ تسع سنوات، فى ذلك التاريخ حيث تم دمج خبراء فى مبنى واحد فى مركز بيجوكال، وعمل فى هذه المنشأة 50ضابطاً صينيًا.

احتمالية قيام الصين بزرع بنية تحتية عسكرية فى مكان ليس بعيدًا عن الطرف الجنوبى لفلوريدا ظل دائمًا موضوعًا ساخنًا للإدارة الأمريكية، لكن يبدو أن الإعلان الجديد عن قاعدة لكوبا لم يفاجئ الأمريكيين.

حرب عابرة

صحيح لم يدهش أنباء تواجد القاعدة الصينية فى كوبا واشنطن بنسبة كبيرة، لكن تظل الخطورة وسخونة الموقف مسيطرين.

ووصلت العلاقات بين واشنطن وبكين إلى مستوى جديد من التوتر فى الفترة الأخيرة، منها تحركاتها فى المجال الجوى الدولى، واعتراضاتها للطائرات الأمريكية وطائرات حلفاء أمريكا، مروراً برفض بكين الواضح لاستعادة الاتصالات العسكرية رفيعة المستوى، رغم المحاولات الدبلوماسية والسياسية لإعادتها من واشنطن.

الذروة كانت فى المواجهة الأخيرة بين الطائرات العسكرية فوق بحر الصين الجنوبى، فى إطار جهوده البلدين المتنافسين لتوسيع نفوذهما فى المنطقة.

الصين أظهرت «عدوانًا لا يصدق» تجاه الولايات المتحدة فى الأشهر الأخيرة، لذلك يبدو القلق على المسئولين الأمريكيين، وهو ما صرح به رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب مايك تورنر الذى قال: «إذا نظرت إلى البالون الذى حلّق فوق الولايات المتحدة، وعدوانيتهم ضد طائراتنا وسفننا فى المياه الدولية، فإنها توضح ما قاله الرئيس الصينى عندما وقف بجوار بوتين فى روسيا، مهددا «إننا نحاول إحداث تغيير لم يحدث منذ 100 عام».

فشل استخباراتى

لم تنفع وسائل التنديد الأمريكى الإعلامى مع موقف واشنطن الضعيف أمام العالم، والذى يحتاج لردة اعتبار أمام جهود التجسس الصينية.

 

 

 

لكن هذا لا يظهر على السطح، إنما فى الخفاء، تستمر أمريكا فى أعمال التجسس مضادة، فلدى واشنطن قواعد تنصت عسكرية فى آسيا تفعل الشيء نفسه الذى تحاول بكين فعله فى كوبا.

المخابرات الأمريكية تدير شبكة عالمية من 80 قاعدة تجسس فى جميع أنحاء العالم، منها مراكز تنصت داخل مدن صينية مثل بكين وشنغهاى وتشنجدو وهونج كونج وتايبيه، ولكن لم تحمها جهودها من تلقى صفعات الاستخبارات الصينية.

وعلى صعيد العلاقات الأمريكية الخارجية، فقد تأخر الوقت لإنهاء الحظر الأمريكى على كوبا، والتخلص من أثار الحرب الباردة، بعد استمرار الحظر التجارى لعقود، وتسبب فى انهيار الاقتصاد الكوبى، وهو ما يعد خطأ سياسيا لم تداركه الإدارة الأمريكية واستغلته الصين لصالحها، حتى وإن تم استرداد العلاقات الأمريكية الكوبية فلن تفلح فى إيقاف جهود الصين الاستخباراتية ضد واشنطن.

سقوط امريكى مدوٍ

أهمية قاعدة التجسس الصينية التى أثير الجدل حولها مؤخرا تكمن فى تمكين الصين من مراقبة مجموعة واسعة من الاتصالات على الأراضى الأمريكية، بما فى ذلك سهولة اعتراض وتتبع رسائل البريد الإلكترونى والمكالمات الهاتفية، والبث عبر الأقمار الصناعية المتعلقة بالمراكز العسكرية الأمريكية.

وبالفعل تمهد قاعدة كوبا لبكين الوصول لكل ما يخص القواعد العسكرية الأمريكية الأكثر حساسية فى فلوريدا، وقيادة العمليات الخاصة، والقيادات المركزية المسؤولة عن الشرق الأوسط، والقيادات الجنوبية، والقيادات المسؤولة عن أمريكا الوسطى بأكملها، واختبارات الصواريخ بعيدة المدى الموجود فى خليج المكسيك، لمعرفة من أكثرها حساسية، كل هذا يمكن اختراقه من خلال القاعدة فى كوبا.

ومن بكين لموسكو نصل إلى محطة أخرى من محطات الجاسوسية التى انتهكت الهيمنة الأمريكية، والتى أصبح مصطلح القوة العظمى الأمريكية مجرد فقاعة هوائية تتضاءل حقيقتها على أرض الواقع، كما يجزم الكثير من الخبراء.

 

 

 

كان فخ الجاسوسية هذه المرة بقيادة حليف بكين الاستراتيجى، روسيا، حيث تم الكشف عن خليّة سرية تابعة للاستخبارات الروسية، دورها تعقب الأمريكيين المتواجدين فى روسيا، ومنهم دبلوماسيون وصحفيون.

اتضح أن عمر هذه الخلية أعوام عديدة، حيث استهدفت مراقبة الأمريكيين فى روسيا، واقتحمت غرف بعضهم، وزرعت أجهزة تسجيل، واستخدمت فتيات فى محاولة إغواء مشاة البحرية واستدراجهم لإفشاء الأسرار.

واتضح أيضا نجاح الروس فى إجراء عشرات المقابلات مع كبار الدبلوماسيين والمسؤولين الأمنيين الأمريكيين والأوروبيين. 

وفيما يعرف بوثائق دكرو التى تم تسريبها وأحدثت صخبًا، فقد تكشفت علاقة عملاء روس بسلسلة من الحوادث التى «تعدت الخطوط من التجسس على الأشخاص لمضايقتهم الصريحة»، منها التسبب فى الموت الغامض لكلب مملوك لدبلوماسى أمريكى، وتعقب أطفال السفير، والعمل على إحداث ثقوب فى إطارات بعض السيارات التابعة للسفارة الأمريكية.

ومنظمة دكرو هى وحدة إدارة عمليات التجسس المضاد، ضد الولايات المتحدة، مكونة من متخصصين وضباط الاستخبارات الروسية، وهى ذراع التجسس المضاد لجهاز الأمن الفيدرالى الروسى، المسؤول عن مراقبة الأجانب فى روسيا، ولديها قسم فرعى خاص بمتابعة الأمريكيين والكنديين، معروف باسم «القسم الأول» أو «DKRO-1».