مُتَنمّرة وأعترف!

أمانى زيان
لم أكن أتصور أننى فى يوم من الأيام سوف أعترف بأننى مُتَنَمِّرَة.. نعم أقرّ وأعترف أننى شخص مُتنمّر.. «كنت». تربيتُ وترعرعتُ على أن السخرية هى مجرد هزار لا أكثر ولا أقل. لم أظن يومًا أننى سأتسبب فى ألم لأحد أو أنه ممكن أن تصل لعقدة نفسية تستمر معه لآخر عمره!
أنا شخص إذا لم أجد شيئًا أتنمّر عليه أتنمّر على نفسى!
الحقيقة أننا تعلمنا هذا من آبائنا وأجدادنا. كانت أمّى تتنمّر علىَّ وعلى إخوتى، وخالاتى يتنمرن على أولادهن وعلى أولاد أخواتهن، وجدّتى كانت تتنمّر على والدتى وأخواتها، وبالتالى أختى تتنمّر على أولادها وأنا أتنمّر على أولاد أخواتى وهكذا!
وكله من باب خفة الدم!
مجرد «هِزار» هذا ما كنت أظنه.. لفترة طويلة جدًا من حياتى، نسميها أحيانًا «تريقة»، ونسميها «مناغشة» أوقات، وهناك بعض الناس يطلقون عليها «نكش»!
ولنكن صرحاء مع أنفسنا.. أننا كمُتنمّرين.. أغلب الظن.. كلنا تم التّنَمُّرُ علينا من أقرب الناس لنا، مما جعلنا أقوَى.. نهاجم بنفس الطريقة التى تمّت مهاجمتنا بها، فجَرحنا كما جُرِحنا، وآلمنا كما تألمنا.
بالطبع لا أبرّر.. ولكن غالبًا هذا ما حدث.
بالطبع هناك أيضًا المدرسون فى المَدرسة.. المُتَنمّرون بامتياز.. والسّيئ فى الأمْر أن الأستاذ.. المُعلم.. عندما يتنمّر عليك؛ لن تستطيع ولن تجرؤ أن ترد عليه!
هنا وبَعد هذا الكم من التّنَمُّر.. أمامك طريق من اثنين لا ثالث لهما؛ إمّا أن تصبح مُتنمرًا من الدرجة الأولى ويرد كل ما تعرضت له فى وجه كل مَن يقابلك.. وتحصل على لقب المُتَنمّر.. وإمّا أن تصبح هشًا.. ضعيفًا.. حساسًا.. ونقاط ضعفك ظاهرة على وجهك.. فتصبح لقمة سهلة للتنمُّر والمُتَنمّرين أمثالى.
أحب أيضًا أن أعترف أننى اكتشفتُ أننى مُتَنَمِّرَة بالصدفة.. «مش بالصدفة أوى».. فجميع أصدقائى يسموننى مُتَنَمِّرَة، ولكنى بالطبع كنت أنكر ذلك.. ولكن جاءت الضربة شديدة.. عندما قالت بنت أختى الصغيرة والتى أعتبرها ابنتى أنها تعرضت للتنمُّر من أقرب الناس لها لأنها كانت «لثغة» فى السّين ورُغْمَ ذلك كانت تحلم بأن تكون مذيعة.. وبالطبع «أقرب الناس لها» «أنا» قلت لها: «إزاى يا إث إث»!
وكان من الممكن أن أوئد حلمها فى مَهده؛ لكن والحمد لله لأنها ورثت أيضًا المعافرة.. فكان هذا حافزًا لها، وجعلها تصر وتعدل لثغتها وتنتصر عليها.. لكن فكرة أننى تسببت فى ألم لبنت أختى.. وعقدة كتمتها طوال 10 سنوات أو أكثر شىء مرعب!
عندما سمعتها تقول هذا الكلام.. اعتذرتُ لها.. وطلبت منها أن تسامحنى.. أتمنى أن تكون سامحتنى بالفعل. بل أتمنى أن كل مَن يعرفنى وتَنمّرتُ عليه بحجة المزاح أن يسامحنى.. ويغفر لى زلاتى.. يا معقدين يا مكلكعين ! أعتذر.. فلن أتخلص بسهولة من مرضى.. سامحونى!
يعلق الدكتور عمرو سليمان، استشارى الصحة النفسية، ويحلل لنا سيكولوچية المُتَنمّر وهل فعلاً يكون متأثرًا بما حدث له أَمْ ما الذى جعله متنمّرًا، قال: فكرة التّنَمُّر فى ذاتها هى تَعَدٍ على حقوق الغير.. فهو يضفى شعورًا بعدم الأمان فى وجود المُتَنمّر.. وهذا ما لا يشعر به المُتَنمّر؛ لأنه يرى أنها حالة من الهزار والمزاح، بينما التّنَمُّرُ مرفوضٌ من العِلْم والدِّين سواء؛ لأن التّنَمُّرَ ينشر حالة من عدم الأمان؛ لأنك تتصيد للشخص طوال الوقت وتسخر منه على أى شىء، غالبًا فى طبيعته فيكون ما بيده حيله ويشعر بالضعف».
«ثانيًا هذا التّنَمُّرُ يُحدث حالة من التمييز فى المجتمع وممكن انتقال الحالة من حالة فردية لحالة جماعية.. أى مجموعة تسخر من مجموعة.. هذه مصيبة وممكن تفتعل فتنة».

«الشخصُ المُتَنمّرُ للأسف يكون عنده حالة من الاستحقاق وكأنه يقول إن من حقى أن أتنمّر، وهذا ما يجعله متصورًا أنه عادى وأنه لا يفعل شيئًا خطيرًا، رُغْمَ أنه تصرف ضد سلامة المجتمع، يخلق غضبًا مكتومًا طوال الوقت».
«يجب أن تراعى مشاعر الآخر.. الذى لا نعلم ما بداخله من جرح فى قلبه أو فى عقله.. ممكن تجعله مضطربًا.. شخصية المُتَنمّر فعلاً ممكن كما قلت يكون من بيئة مُتَنَمِّرَة.. وقد يكون طبيعته فمثلاً يرى أنه أفضل من الباقين.. فلذلك له حق التّنَمُّر..والسخرية على الآخر».
«لذلك الشخص العاقل يحجب هذا الأمر عن نفسه؛ لأنه يضر المجتمع حوله.. ضررًا كبيرًا.. يكسر ثقة فى النفس.. يجعل شخصًا غاضبًا عُرضة للانفجار طوال الوقت ولا نعرف كيف ومتى سينفجر»؟
التّنَمُّر ليس مِزاحًا.. التّنَمُّرُ يهز النفس ويفقد القدرة على التحمل مع الوقت ويزيد الألم والأوجاع بداخلنا.. فرفقًا ببعض.