الوصاية مصلحة.. ولّا تصفية حسابات؟!

هيام النحاس
تنقلب الحياة رأسًا على عقب فور وفاة الأب عائل الأسرة وسندها.. يزداد هذا الشعور لدى الأبناء، فيشعر الطفل حينها أنه فقد مصدر الأمان والقوه والحماية.
لا يتوقف الأمر عند آثار الشعور النفسى لهذا الفقد، إنما ما يترتب عليه أحيانًا من أمر الوصاية هو ما يزيد يتمه ألمًا وحزنًا.
ففى الكثير من الحالات تعيش الزوجة والأطفال فى صراع طويل مع من يتولى الوصاية على الأطفال سواء الجد أو العم.
وليس هنا الحديث من باب التعميم لأنه بلا شك هناك أوصياء لديهم من الرحمة والعقل والحكمة ما يجعل الأمور تمر برفق ويعوضون إحساس الفقد والألم الذى يشعر به الطفل مع فقد والده.
ولكننا الآن بصدد الحديث عن الوصاية التى يتخذها البعض حرب تصفية حسابات غير متكافئة الأطراف بين الزوجة والأطفال من ناحية والجد أو العم من ناحية أخرى.
المتضرر الأكبر هنا هم الأطفال بعد أن ينتقل زمام مستقبلهم إلى الوصىّ بحكم الشرع والقانون.
فهناك من يلزم الأبناء والزوجة بالانتقال من مكان سكنهم إلى مكان آخر أو الاستيلاء على الشقة أو يرغمه على تغيير مدرسته والانتقال إلى أخرى أقل مصاريف أو أن يعيشوا فى مستوى أقل بكثير مما اعتادوا عليه على الرغم من توافر المال.. ولكنها الرغبة فقط فى السيطرة، مما يزيد تعميق فجوة اليتم والنقص لدى الأبناء.
تهديد
هنا يحكى محمود سامح 11 عامًا عن حالة الصراع التى عاشها منذ وفاة والده والذى كان يعمل مهندسًا بإحدى الدول العربية، مما أتاح لهم العيش بصورة كريمة.
هو طفل وحيد، ولكن بمجرد وفاة الوالد أصر الجد على ترك شقتنا بالقاهرة للسكن معهم بمحافظة أخرى، واضطرت أمى للموافقة لأنها لم تكن تعمل وليس لنا دخل سوى ما تركه والدى.
وحسبما يروى: «حاولت أمى الاستعانة بمحام ولكن دون جدوى».
وانتقلنا إلى المحافظة التى يعيش فيها جدى الذى كان يكره أمى لأنه كان يريد أن يزوج ابنه من ابنة شقيقه، ولكن أصر والدى على الزواج بأمى وانتقل للعيش بالقاهرة وأكدت لى أمى أنها ستبقى معى ولن تتركنى وحدى، وقبلت كل ما فرضه جدى عليها من السكن فى شقته وخدمة جدتى وعمى الأصغر.
تتوالى الحكاية ويقول: بالطبع تركت دراستى بالقاهرة والنادى الذى كنت أتدرب فيه على الرغم من أنى كنت حائز البطولات فى السباحة ولم يكن بالقرية التى عشنا بها أى من وسائل الترفيه أو ممارسة الرياضة وتوسلت لجدى أن يتركنى أعود إلى مدرستى وحياتى التى اعتدت عليها، ولكنه رفض بحجه أن أمى قد تفكر فى الزواج برجل آخر، ولكنها هنا تحت نظره ويحميها».
أضاف: على الرغم من أن أمى عرضت عليه أن تتنازل عن المال الذى تركه لنا والدى لتعمل هى لتنفق علينا بعد أن ساءت حالتى النفسية وعدم تقبلى لهذه الحياة فإنه رفض وهددها بملاحقتها بالقضايا إذا فكرت فى الهروب، وعشت أنا وأمى أيامًا صعبة لا نعرف لها نهاية».

العند ضيّع مستقبلى
لينا أحمد 23 سنة تقول: كان مجموعى بالثانوية العامة يؤهلنى لدخول كلية الطب وكانت سعادتى لا توصف خاصة أنى أكبر إخوتى وكان والدى قبل وفاته يسعى لننال أفضل تعليم، وترك لنا ما يكفينا، ولكن رفض عمى الذى أقنع جدى أن الكلية مصاريفها كتير ولسه عندى أخين أصغر، كما أنى بنت ومسيرى أتجوز ومش هيفرق معايا يعنى أى كلية أربع سنين، وده حسب كلامه».
واقتنع جدى ورفض طلبى، لكن والدتى للأسف عاندت جدى بعد رفضه التحاقى بكليه الطب ورفضت هى الأخرى دفع مصاريفى من مالها الخاص فلديها شقة ورثتها عن والدها وقالت لى: «إذا كان أهل أبوكى اللى انتى من دمهم رفضوا يصرفوا عليكى من مالك علشان أضطر أبيع شقتى أصرفها وبعدين اتذلل ليهم فأنا مش هقبل ده ودخلتنى كلية علوم وانتهى حلمى بسبب عند وصراع أهل والدى وأمى»!
عن الآثار النفسية الاجتماعية التى تلحق بالطفل الذى يعيش تحت الوصاية قال الدكتور فؤاد الدواش استاذ الإرشاد النفسى: «الحقيقة ليس هناك قاعدة واضحة لتحديد الظروف والملابسات التى من الممكن أن تؤثر على الطفل، كما أن وضع قواعد للرعاية ومن هو الأحق بالقرار.. الأم أو الجد يمثل محاكمة لحالات فردية لا يصح تطبيقها على كل الأطفال تحت الوصاية.
يضيف: «أرى أن الموضوع صعب فيه أن نقف حكاما على حالات متباينة، لكن الإجابة البديهية أن وجود الصراع يؤثر على مشاعر الطفل، لذلك أرى المسألة صعبة ومتنوعة لدرجة يصعب فيها وضع تشريع أو قواعد قانونية وأرى أنه لابد من أن يتم تفعيل محاكم الأسرة بإخصائييها النفسيين وتدريبهم لكتابة تقارير دقيقة تخدم القاضى فى اتخاذ حكم فى صالح الطفل».
يكمل: «كما أن محاولات استرضاء المرأة واجتذابها باعتبار أن هناك من يسعى لإعطائها حقوقها مسألة مبالغ فيها لأن أوقات الأم هى سيئة القرار، وأحيانًا الجد هو المسىء للمعاملة».
من جانبها تقول أستاذ علم الاجتماع الدكتورة هدى زكريا: إن الطفل تحت الوصاية لا شك أنه يكون فى حالة من الارتباك نتيجه فقدان الأب الذى يمثل السلطة والقوة له، وبالتالى لابد من تدارك هذه الحالة التى ربما يعانى من أثرها البعض ومحاولة السيطرة على زمام الأمور وإبقاء الحال مشابهًا لما كان عليه فى وجود الأب.
وعن انتقال الوصاية إلى الجد أو الأم قالت: لاشك أن الأم مصدر الحنان للطفل، ولكن الطفل أيضًا فى حاجة إلى وجود رجل فى مرحلة معينة كى يتعلم منه ويؤثر فى حياته، فلابد من اتفاق جميع الأطراف على مصلحة الأطفال وتجنيبهم أى مشاكل أو صراعات بين الطرفين حتى لا يزيد من تعميق إحساس الفقد لدى الطفل وتنشئته غير سوىّ اجتماعيًا».