الأحد 23 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

لا للعزائم فى رمضان

لا للعزائم فى رمضان
لا للعزائم فى رمضان


من العام إلى العام ننتظر شهر رمضان ليطل علينا بخيره وكرمه، وكما جرت العادة أن شهر رمضان ليس شهرا للعبادة وإقامة الشعائر الدينية فقط، وإنما شهر لإعادة صلة الأرحام وود الأهل والأصدقاء، ومن أجل هذه كانت ولاتزال هناك وسيلة واحدة لتجميع الفرقاء ووصل الرفاق ألا وهى إقامة المآدب والعزائم الرمضانية.. ولكن هذا العام قرر عدد لا بأس به من الأسر المصرية الامتناع عن إقامة الولائم والسبب يراوح ما بين سياسى واقتصادى فى السطور القليلة القادمة.
 
 
∎ موت وخراب ديار
 
 
«لم يعد بوسعى أن أقم أية عزائم..» هكذا بدأت السيدة نرمين سعد (33عاما) عضو بفريق الموارد البشرية بإحدى الشركات الخاصة وعددت أسبابها قائلة: «درجة حرارة الجو أصبحت غير محتملة كذلك أن المطبخ أصبح «خنقة» غير أن الأسعار لا تتوقف عن الصعود، فإذا كان البلح والتمر ولفة القمر الدين بالشىء الفلانى بمعنى أدق أننى لو فكرت مجرد التفكير فى إقامة عزومة بسيطة وغير مكلفة سأكون فى حاجة إلى طلب سلفة من عملى او إقامة «جمعية» مع زملائى فى العمل حتى أستطيع شراء اللحوم والبط والدواجن من أجل «سفرة تشرف».. وفى الحالتين أنا التى تتكبد كل المشقة والتعب لأنه لم يعد أمامى سوى الاختيار بين أمّر الخيارين إما نموت حراً أو إفلاسا!
 
 
 هذا ولم نتحدث عن المشقة البدنية و«قطمة الضهر» أثناء الإعداد للعزومة وبعد الإفطار.. فقبل الإفطار أنا وحدى من تقف بالمطبخ فى عز الحر وتحضر المحمر والمشمر، وبعد الإفطار ألعب دور الجرسون الذى يخدم على المدعوين لتقديم الشاى والقهوة والمشروبات المثلجة والحلويات لأن بعد الإفطار الكل يتسمر أمام التليفزيون وما من أحد يساعد المسكينة الشقيانة قبل العزيمة بيومين.. أما فقرة ما بعد انصراف المدعوين فيكون هناك دور آخر فى انتظارى وهو دور سيدة الشغالة التى أصبح لزاما عليها القيام بأعمال التنظيف والكنس والمسح وغسيل الأطباق وإزالة آثار الدمار الشامل الذى قد يحدثه أطفال المدعوين!
 
 
لذلك قررت هذا العام ألا أقيم أى عزومة تقليصا للنفقات وحفاظا على صحتى.
 
 
∎ عقلية معملية فذة
 
 
أما السيدة سارة محمود (53 عاما) محاسبة بأحد البنوك الحكومية فتقول : قررت أن أكون عملية وسنقضى رمضان هذا العام بدون ولائم أو عزائم.. لماذا أرهق نفسى وأقيم عزائم لأناس لا يردونها؟! لماذا أقتطع جزءا كبيرا من مصروف المنزل من أجل وليمة لن تدر علينا شيئا ولن نكسب من ورائها أى شىء!.. أعرف ماذا تقصدين بنظرتك لى وأن شهر رمضان شهر كرم وأن المراد من إقامة العزائم هو ترسيخ أواصر المحبة والتآلف بين البشر، ولكن لا تغفلين أننى قلت لك فى بداية حديثى أننى امرأة عملية وكل شىء عندى بحساب.. غير أننى إذا أقمت عزيمة لأهلى أصبح لزاما علىّ أن اقيم مثلها لأهل زوجى.. وإذا دعوت اصدقائى لابد من دعوة أصدقائه كذلك الجيران وجيران الجيران وكلها فى الحقيقة تكاليف مضنية أنا وأولادى أولى بها.. ناهيك ايضا عن طلبات المدعوين التى لا تنتهى خاصة أنهم يعلمون جيدا أنني ملكة المطبخ وأن «نفسى فى الطبيخ لا يعلى عليه» فأجد الأوردرات ترف فوق رأسى وفلان عايز كذا وعلان نفسه فى كذا وترتان مزاجه رايح على كذا، وفى النهاية لن تستطيعى إرضاء كل الأذواق بمعنى لو أعددت مثلا 15 صنفا قطعا سأجد «واحدة رخمة تقولك بس نسيتى الكبيبة».
 
 
وفى النهاية يبقى الحل الأمثل هو الديش بارتى بمعنى أن تحضر كل مدعو بكل ما يشتهيه من إعداده الشخصى وكل «واحدة تحضر اللى هى نفسها فيه بدل ما تتأمّر» ويكون مكان التجمع هو منزلى، وبالتالى سأكون قد قللت قدر الإمكان من عدد الصحون ووفرت فى النفقات!
 
 
∎ خلافات سياسية
 
 
بينما ترى السيدة نهى علوان (40عاما) طبيبة أسنان؛ موضوع الولائم الرمضانية من منظور آخر فتقول: العزائم الآن أصبحت تمثل مشكلة فى حد ذاتها لأن الخلافات السياسية سببت مقاطعة بين البعض، وبالتالى يصبح الجو فى العزومة «مكهرب» وأصحاب العزيمة يصيرون فى موقف محرج لأن كل المدعوين فى بيته ولا يجوز الانتصار لفصيل دون الآخر، لذلك الناس أصبحت تخشى جو الولائم والتجمعات التى تضم جميع الفصائل السياسية باختلاف أنواعها.. فالمقصود من العزيمة هو لمّ الشمل وتجميع الفرقاء وتوثيق روابط الألفة والمحبة، ولكن أن أقيم عزيمة «لتزيد الطينة بلة» ويكون لها تأثيرها السلبى فى تفريق الناس هذا ما لا أشجعه على الإطلاق.. ويكون أفضل حل هو تناول الإفطار مع الأصدقاء فى مكان خارج إطار المنزل الذى يشعر فيه الناس براحتهم، أما فى المكان فسيكونون مضطرين للالتزام بالآداب العامة واحترام خصوصية المكان!
 
 
∎ شكليات فارغة
 
 
أما هند شكرى (37 عاما) مهندسة معمارية بإحدى الشركات الاستثمارية فلها رأى آخر عبرت عنه قائلة: فى وجهة نظرى أن شهر رمضان شهر للعبادة والصوم والصلاة والتفانى فى إقامة الطاعات وليس شهرا للبذخ والإسراف فما الفائدة من قضاء أيام بلياليها فى الإعداد للولائم وبذل الصحة والمال من أجل شكليات لا داعى لها.. شهر رمضان يهل علينا مرة واحدة فى السنة، ومن المفترض أن يكون شهرا للتقرب الى الله والتماس رضاه عنا وليس إغضابه بكثرة البذخ والتكاليف الطائلة.. فالأفضل أن تقام تلك الولائم فى أى شهر آخر من العام فنحن لسنا بحاجة إلى إثبات حالة التآلف والتآخى فى هذا الشهر الكريم، بل يجدر بنا أن نقوم بها فى كل شهور السنة عدا هذا الشهر الفضيل الذى يجب ولابد أن يكون فقط من إجل طاعة الله.
 
 
وتعلق الدكتورة نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع بجامعة قناة السويس قائلة: ما قررته بعض الأسر من عدم إقامة عزائم أو ولائم فى شهر رمضان إنما يأتى من منطلق مبدأ «العين بصيرة واليد قصيرة» وليس من منطلق ضبط المصروفات أو مسايرة مطالب الرئيس أو الحكومة أو بسبب الحر كما يزعم البعض، فنحن نستطيع أن نتكيف مع مثل هذه الأجواء والتقلبات المناخية الصعبة.. نعم الأسعار ارتفعت بشكل ملحوظ، ولكن تم إغلاق السوق على بعض السلع التموينية التى قد يجد فيها المصريون متنفسا.
 
 
ولكن هناك قطاعات لا بأس بها مازالت تغالى فى مظاهر البذخ والإنفاق فى شهر رمضان، بل تحدث مباراة عالية التنافسية فى إقامة المآدب الفخيمة التى تتكلف ألوفا مؤلفة.. فكل له رؤيته ويكيف نفسه حسب ظروف معيشته.