الأحد 10 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حلاوة الرقص على السلالم؟!

ريشة أحمد جعيصة
ريشة أحمد جعيصة

سن الأربعين، قدر ما هو يزعج صاحبه إلا أنه يضيف لمسة جاذبية له، أغلب من دخل مرحلة الأربعين أصيب بشىء من الصدمة وأصبح لا يدرى لأى فئة ينتمى، فانطبق عليه مَثل «زى اللى رقصت على السّلم، لا اللى فوق شافوها ولا اللى تحت سمعوها».



 بمعنى أحرَى.. لا هو صغير ولا هو كبير، لا يسمح له بارتكاب حماقات الشباب، وفى الوقت ذاته لا يزال شابًا لديه من الأحلام والمغامرات التى لم يكتب لها التنفيذ ويسعى لتحقيقها.

ورغم الحالة المزعجة التى قد تعترى بعض الأشخاص بدخولهم الأربعين؛ فإن هذه السِّن لها بريق خاص ورونق فى عيون الآخرين. فنجد الشباب فى نهاية العشرينيات وفى منتصف الثلاثينيات يغرمون بنساء فى الأربعين من عمرهن، وأيضًا فتيات ينجذبن للرجُل الأربعينى، وكثير من الأسر شهدت قصة ارتباط رجُل أربعينى بفتاة تصغره 10 سنوات أو العكس!

ومن خلال بعض الحالات التى جمعتها «صباح الخير» قد نستشف سبب لمعان هذا العمر وانجذاب الفئات العمرية الأصغر!

مشاكل أقل.. دلال أكثر

«أ.م» تخرّج فى كلية الحاسبات والمعلومات، يعمل خدمة عملاء لماركة تجارية أجنبية، راتبه يتعدى 15 ألف جنيه، بالإضافة إلى النسبة الشهرية.

عمره 31 عامًا ينجذب للأربعينيات، ولا يهتم بحالتها الاجتماعية إن كانت أرملة، مطلقة أو لم يسبق لها الزواج، ولم تكن غايته البحث عن امرأة تصرف عليه، كل ما يبحث عنه علاقة حب مريحة؛ قليلاً من المتطلبات، كثيرًا من الدلع.

حكى قصته قائلاً: «مثل أى شاب أحببت فتيات فيما قبل الجامعة، وأيضًا فى خلال فترة الجامعة ارتبطت بفتاة من نفس عمرى وأحببتها، ولم تستمر علاقتنا سوى عامين حتى انتهت الجامعة وانتهت علاقتنا، ومن ثم أحببت امرأة مطلقة فى الأربعينيات، ولكن لم نستطع الاستمرار بسبب أبنائها الذين رفضوا فكرة ارتباط والدتهم».

يكمل: «الآن مرتبط بفتاة أربعينية منذ عام، ولم يسبق لها الزواج.. والعلاقة مريحة جدًا، ومن المؤكد أسعى للزواج منها رغم اعتراض أهلى على فرق السّن، ولكن ما اكتشفته أن الارتباط بفتاة تكبرنى؛ يقلل نسبة المشاكل، ففتاة العشرين كل ما تبحث عنه امتلاك الرجُل ومحاولة فرض سيطرتها، ورغبتها العارمة فى أن تكون محور الكون، بالإضافة لمشاعرها الجياشة فى الغيرة والحب وغيرهما، كل ما تبحث عنه، رجُل يتفرغ لتدليلها، رغم أن الرجُل أيضًا يحتاج إلى من تهتم به وتدللـه».

يقول: «المرأة الأربعينية، تستطيع احتواء الرجُل ولا تعمل على تطفيشه، تتصرف بهدوء أكثر، عتابها يمكن تقبُّله، حديثها منسق، مشاعرها تستطيع أن تكبحها، تقوم بتدليل الرجُل أكثر، وتتفهم احتياجاته النفسية، ولا تقوم بدور الكماشة على حياته؛ وإنما تترك له مساحة كبيرة من الحرية والخصوصية».

 

ريشة: نسرين بهاء
ريشة: نسرين بهاء

 

يضيف: «لم أجد ذلك مع الفتيات التى عرفتهن وكن أصغر منّى عمرًا.. كل ما أبحث عنه علاقه مريحة، أتمتع فيها بحُرية دون أن أشعر أننى حكرٌ على أحد، علاقة بها مشاكل نستطيع حلها، نقاشات هادئة دون مشاكل، وإمكانية الحوار، وأن أشعر بالاهتمام قدر ما أمارسه، وهذا أمنية كل رجُل. 

مجتمع بلا رحمة

منال محمود، هذا هو الاسم المستعار الذى طلبت تغييره باسمها، 48 عامًا، مطلقة وتعمل محاسبة فى إحدى الشركات المالتى ناشونال، لديها 3 أطفال الكبير لديه 23 عامًا، تسرد قصتها لـ «صباح الخير» بدأت قائلة: «أعلم أننى مَطمع للكثير من الأعمار المختلفة، ليس لكونى مطلقة؛ وإنما لأننى فى نهايات ربيع العمر، كل مَن يريد الارتباط بى يبحث عن ارتباط غير جاد، ارتباط مؤقت؛ معتقدًا أن هذا ما يناسبنى، ينصبوا أنفسهم حكامًا، ويحكمون على ما أريده بدون أن يعلموا ما أريده حقًا».

تكمل: «لأننى مطلقة منذ 15 عامًا، فتعرضت لذلك كثيرًا، ولم يسألنى أحد عن إحساسى أو ما أتمنى الوصول إليه، فأصبحت أبحث عن الحب والاهتمام والرعاية، ولم أجد ذلك إلاّ من خلال «هـ.ر» الذى يصغرنى بـ 10 أعوام».

تكمل: «يعمل معى بنفس الشركة، كان اهتمامى به مثل اهتمامى بالجميع، فأنا شخص يهتم بالعلاقات الإنسانية، واجتماعية جدًا، وما حدث أنه بادلنى نفس الاهتمام، وأصبح هذا ملحوظا بشكل كبير، حتى صرّح لى بحبه، وأن العمر ليس سوى مجرد رقم؛ وبخاصة أن مظهرى الخارجى لا يوحى بأننى فى نهاية الأربعينيات بل أصغر بكثير، أعجب بتفكيرى، وطريقة إدارتى للأمور، وأننى لستُ مجرد امرأة سطحية؛ وبخاصة أن أغلب الشباب عمّموا فكرة سطحية الفتيات وتفاهتهن، فاتخذنى أمًّا، صديقة وحبيبة، ولكن للأسف نعيش فى مجتمع ظالم، فأى شخص من جانبى يحذرنى بكونه سيقوم باستغلالى، وأن هناك الكثير من القصص رجال كانوا سببًا فى بيع ممتلكات زوجاتهم وتركوهن بالفعل، وذهبوا للزواج من فتاه تناسبهم فى العمر، وآخرون يرون أننى متصابية، وأنه من عمر ابنى، بالإضافة إلى المشاكل التى يعانيها هو من جانب أهله وأصدقائه، والسخرية من كونه مرتبط بامرأة من عمر والدته، ومن يسخر منه بأنه مرتبط بامرأة عجوز حتى تتولى مصاريفه».

وتضيف: «أنا وهو نعانى ظلم المجتمع، وكل منا يبحث عن شىء ينقصه فى الآخر؛ أنا أبحث عن شعورى بالحيوية والشباب وأننى لا أزال أعيش ولا يزال هناك مَن يرغب فىّ ويحبنى، أبحث عن الاهتمام والحب، وهو يبحث عن الاستقرار، الهدوء، العقل والحكمة، كما يقول دائمًا أنتِ اليد اليُمنَى التى تساعدنى ولست عبئًا علىّ، ولكن المجتمع ينظر إلينا بلا رحمة، رغم أنه بعيد كل البعد عن الاستغلال ورغم أننى لا أزال أحافظ على شكلى وجسمى، إلا أنهم عائق أمام الحب».

حبه حياة

فى سطور قليلة ولكن صادمة عرضت «أ.س» قصتها بإيجاز شديد؛ لتضارُب قصتها بالقصة السابقة، فهى تعمل فى الدعاية والإعلان، ولديها 43 عامًا، ورغم أن من تحبه أصغر منها ولكن ليس بفارق كبير وإنما أصغر بـ 4 سنوات.

تحكى بوجع وندم عن تلك العلاقة السّامة، التى أصبحت جزءًا صعب التخلى عنه فى حياتها، أحبت هذا الشاب، رغم رفضها منذ سنوات عن أى ارتباط أو علاقة حب، مطلقة ولكن ليس لديها أطفال لأنها تعانى من مشاكل فى الرحم، قالت بحسرة: «بيعايرنى بعمرى، وبيعايرنى بعدم قدرتى على الإنجاب، وكان صريح حد الوقاحة، أنه على استعداد تام للزواج بى لكى أقوم أنا ببناء عش الزوجية بجميع المستلزمات؛ لأنه بالضرورة سيتزوج من فتاة أخرى لرغبته فى الأطفال، وهو غير قادر على مسئولية بيتين».

تقول: «وعبّر عن رغبته فى إنهاء العلاقة أكثر من مرّة، عندما رفضت أن نسكن فى بيتى وأتولى مصاريف زواجنا والصرف على البيت، وكان رده أن الشباب الآن أصبح غير قادر على الزواج بسبب الغلاء.. للأسف أحبه، لكننى أندم على اليوم الذى جمعنى به حبه بداخلى مثل السرطان فى مراحله المتأخرة لا يمكن بتره، ولا يمكن التخلص منه إلا بالموت».

تضيف: «استمرارى معه لأنه الشخص الوحيد القادر على إسعادى، الشخص الوحيد الذى أشعر أننى أعيش وأنا معه، الشخص الوحيد الذى يشعرنى بأن لوجودى فائدة، ومع كل هذا أعلم أنه استغلنى، واستغل ظروفى وأنه طماع، يريد الزواج باثنتين، بدون مجهود وعدل للاثنتين».

من الزمن الجميل

و تقول «ر.م» بفخر واعتزاز: «شريف أكبر منّى بـ 18 سنة.. كان عمره 48 عامًا عندما التقينا، وهو مخلوع ولديه بنت واحدة تعيش مع والدتها، يعمل مهندس اتصالات، وأنا مُعلمة لغة فرنسية فى مَدرسة إنترناشونال، تعرّفنا من خلال أصدقاء مشتركين لنا فى نفس النادى، ومن ثم أصبحت علاقتنا بعيدًا عنهم، كنت قد أتممت 30 عامًا قبل لقائه بشهرين، وعندما شاهدته شعرت باضطراب فى نبضات قلبى، أعجبت به قبل معرفتى بعمره، رشيق، مهتم بجسده لأنه رياضى، وأنيق، وعندما تحدّثنا وسط المجموعة، وجدته خفيف الظل، أسلوبه راقٍ، يشبه الأفلام الكلاسيكية، رجُل من الزمن الجميل، لم أشعر قَط معه أنه فى نهاية الأربعينيات، هو متجدد، يتعامل مع جميع الأعمار ومحبوب».

تقول: «تعرفت عليه فى عام، وبَعدها، اعترفتُ له أنا بحبى له، شعرت معه بكافة المَشاعر، أشعر بالأمان والاستقرار فى وجوده، لم ألجأ إليه يومًا وخرجت صفر اليدين، على العكس دائمًا يحتوى أى مشكلة أسردها عليه، إن كانت مع أهلى أو فى عملى أو مع أصدقائى، دائمًا يبث لى إحساس أن لا شىء يستحق المعاناة والألم، اعتقدت أنه سيكون معقدًا بعد تجربة زواجه وخلعه، ولكن على العكس تمامًا، هو معترف بأن فى رحلة زواجه كان صغيرًا، وكان لديه صفات سعى وجاهد لتحسينها».

تكمل: «أحببته لأنه مَرّ بتجارب ومشاكل صنعت منه رجُلاً حكيمًا، قادرًا على إدارة حياته وحياة الآخرين، لم أجد هذا الشعور مع خطيبى السابق، الذى كان كثير المشاكل، متعنتًا، لا يعترف بخصوصية المرأة، شكاكًا؛ إنما شريف فيعلم جيدًا كيف يجعلنى أصغى إليه، وكيف يجعلنى أقترب منه».

عن بقية القصة قالت: «أتممنا عامين من الحب والسلام، كنت أنا سبب تأخر الزواج بسبب أقاويل أهلى وأصدقائى؛ بأن فارق العمر الكبير سيظهر بعد الزواج وسيكون سببًا فى فشل الزيجة، ولكننا نخطو نحو الزواج وترتيباته وأنا مقتنعة أن فارق السّن لصالحى، هو قادر على استيعابى ويعاملنى كطفلته تارة وحبيبته تارة أخرى».

سيكولوچية البحث

لدينا المزيد والمزيد من الحكايات، منها إيجابية تعترف بأن العمر مجرد رقم، علاقات بفارق سن كبير من الطرفين ونجحت، لم يكن بها استغلال، أو نهايات مأساوية، وعلى صعيد آخر، هناك حكايات تفطر القلب، كانت مبنية على الاستغلال المادى والمعنوى بسبب فارق السّن الكبير.

فالسيدات الأكثر من الرجال تعرضًا للاستغلال أو الإهانة، وإذا كان الرجُل أربعينى والفتاة فى العشرينيات تعرضت لاستغلال معنوى والرضا بكونها زوجة ثانية فى السّر.. وبين هذا وذاك.. كل ما نود معرفته هو ما الذى يضفى السّحر والجاذبية على عمر الأربعين إن كانت امرأة أو رجُلاً، ما الذى يوجد فى مرحلة الأربعينيات ملفت للطرف الثانى للحد الذى يجعله يتغاضى عن فارق العمر؟ وما هى سيكولوچية المرأة الأربعينية التى يرتبط بها شاب فى عمر ابنها، والعكس صحيح؟

كلها أسئلة جعلتنا نبحث عن الظروف النفسية لهؤلاء من خلال استشارى الصحة النفسية الدكتور عمرو سليمان، والذى قال: «كون هناك رجُل اختار الارتباط من امرأة أكبر منه فهذا وضع طبيعى، ليس وضعًا مَرَضيًا، ولكن الفكرة أن يكون هذا متداولاً بين الشباب، أى أن يكون هدف الشاب؛ امرأة أكبر منه فى الأربعينيات أو من هذا القبيل، الدافع هنا للشاب غالبًا يكون فقدان شخص ناضج فى حياته، يعطيه إحساس الأمومة أو إحساس القيادة لحياته، وبناءً على ذلك هو يبحث عن مَن يعوّضه، وعلى الصعيد الآخر هى بالنسبة له قادرة على احتوائه بشكل أكثر من فتاة أصغر منه أو مماثلة له فى العمر، الأمر وخطورته اجتماعيًا؛ أن الظاهرة فى حد ذاتها أو انتشارها أن يكون هذا السائد بين صغار السّن والهدف الذى يبحثون عنه، الارتباط بأربعينية أكبر منهم، فهو أمْرٌ مُقلق؛ نظرًا لأنهم يفقدون النضج أو التفاهم مع من يماثلهم فى السّن، وهنا لا بُدّ أن نقف بيننا وبين أنفسنا؛ لنرى دور الأمهات فى هذه الأسر أخباره إيه؟، كيف خرج هذا الشاب؟ وكيف كانت نشأته من هذه الأسرة بهذا الفهم أو بهذا المنطق، وفى أى طبقة يكثر هذا الأمر؟، وبين أى شباب؟ وهل المناطق الأكثر فقرًا أمْ الأكثر رفاهية؟، ولهذا نحن نحتاج لفكرة الاصطياد أو البحث عن من يكبرنى سنًا، هو بحث عن النقص أو البحث عن ما يعوض ما أفتقده بداخلى عدم نضج لأكمل حياتى مع شخص أكثر نضجًا، وهو أمر ليس فقط مع الشباب وإنما أيضًا الشابات، إنها تفضل شخصًا أكبر منها سنًا، ولا يشكل زواجه من عدمه عائقًا، لكننى هنا أود أن نعطى للأمر أهمية أكبر من حجمها لأن أغلب التجارب فردية وليست ظاهرة، ولكن هذه فرصة لننبّه عن الدور الأساسى للأم فى احتضان أبنائها وبناتها، وتقديم الرعاية والدفء العاطفى، وتقديم المشاعر التى بها احتواء وفهم لابنى أو ابنتى».

«كما أن دور الأب مهم جدًا فى تعويض الأمان وتوفير الاستقرار والأمن الأسرى، ماما هى التى تقدر على توفير هذا الدفء العاطفى بهذا الإمكان، وبناءً على ذلك شطارتنا كأمهات وآباء ألاّ تصبح تلك ظاهرة منتشرة، وألاّ تصبح طاغية؛ لأن لو هنتكلم عليها هذا يعنى بشكل أو بآخر أصبحت فيها نوع من الظهور أو الانتشار، وهذا يحتاج منا إلى وقفة تعيننا على فهم هؤلاء الشباب، وفهم أنفسنا واسترداد دور الأم والأب فى حياة الشباب أو الشابات».