الأحد 5 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
تخفيف أحمال رجال الدين

تخفيف أحمال رجال الدين

الإصرار على «إجبار» رجال الدين الأجلاء ليرسموا لنا كل تفصيلة من تفاصيل الحياة أمر غريب وغير مفهوم. الدين يضع إطارًا عامًا للحياة، ويمد البشر بقواعد من المعاملات والأخلاق والسلوك يفترض أن تجعل منهم أفرادًا أرقى وأحسن وأفضل. وتختلف التفاصيل الدقيقة حيث كيف نصلى، ومنى نصوم وغيرها من دين لآخر حيث يفترض أن يكون جميعها لخير البشرية وارتقائها وليس لخير فئة بعينها من البشرية وارتقاء مجموعة فوق أخرى على الأقل فى الحياة الدنيا. 



وطالما هناك ملايين لا تشغل نفسها بماهية تدينها ومفهومها عن الإيمان وأفكارها عن الشخص المهذب الملتزم الذى لا يضر الآخرين، بل يصبح همها الشاغل ليلًا نهارًا كيف تجعل من آخرين أشخاصًا أفضل لا بالتقويم الأخلاقى أو بالتطبيق القانونى،  ولكن بجذبها إلى دينها وإضافة واحد جديد لتعداد هذا الدين وخصمه من دين آخر، فسنظل محلك سر. لا لن نظل محلك سر، بل سنستمر فى الركض فى الاتجاه المعاكس طيلة الوقت. 

وطيلة الوقت أطالع أخبارًا وتقارير ولقاءات مع رجال دين أفاضل، وألاحظ أن نسبة كبيرة منها غارق تمامًا فى السيطرة على أدمغتنا والتأكد من أن كل المداخل والمخارج نحو التفكير المستنير والمستقل مغلقة بالضبة والمفتاح.

هذا الإغلاق بالغ الخطورة، وهذا الاعتماد المفرط على رجل الدين لنلجأ إليه قبل أن نلتحق بالعمل وأثناء ركوب الأتوبيس وبينما نتحدث مع أزواجنا وزوجاتنا وربما بينما نحلم هو حمل ثقيل على كواهل هؤلاء العلماء الأجلاء. لماذا نصر على تحميلهم ما لا طاقة لبشر به؟

هل يعقل أن نحمل رجال الدين الأفاضل مسئولية قيام ونوم وصعود وهبوط وزواج وطلاق ودراسة وعمل وفسحة وتعليم وترفيه وهوايات ومهارات ومواهب وخلافات وقرارات الشراء والبيع ووجهات الإجازة وعقود التنازل وبطاقات التموين واشتراكات النوادى وتوكيلات الشهر العقارى وياميش رمضان وحكم من يسرق الكهرباء والموقف ممن ينام على مكتبه فى نهار رمضان وحق معرفة «باسوورد» الزوجة والموقف من «خنصرة» الزوجة من راتب زوجها وحكم أكل لحوم الكلاب والحمير ومن يدخل الجنة أولًا: الفقراء أم الأغنياء وحكم من كره بقية شهور العام باستثناء شهر رمضان وهل يصح الخضوع لعملية جراحية أم حرام والقائمة تطول؟! 

هل يعقل أن نحمل رجال الدين الأفاضل هذه الأحمال الرهيبة؟! وحتى إذا تحملوها، ألا يمثل ذلك ظلمًا لهم؟ وحين يتحمل رجال الدين كل هذه الأحمال، ماذا يفعل أصحاب المهن الأخرى من أطباء ومحاسبين ومعلمين وفنانين وموظفى كهرباء واقتصاديين وسياسيين وغيره؟ سيصبح كل هؤلاء «عواطلية» بلا عمل حيث يقوم رجل الدين بكل هذه المهام بالنيابة عنهم. 

ألم يحن الوقت بعد ليقوم كل منا بعمله، حيث الطبيب يعالج ويقرر متطلبات المريض، والمعلم يعلم العلوم الدنيوية ويدرب الصغار على البحث والتفكير لأنفسهم، والمهندس يبنى وهلم جرا؟ ألم يئن أوان أن نزيح الصدأ والأتربة عن أمخاخنا التى أغلقناها ورفعناها لسنوات حتى لا تعمل وأثقلنا على رجال الدين ليحمل كل منهم مسئولية كذا مليون مواطن يفكر بالنيابة عنهم؟!