
أمينة خيرى
استعادة تديُّن المصريين
يتصور البعض أن الاعتراض على الميكرفونات هو اعتراض على الدين، وأن المطالبة بالتدقيق فى أصوات المؤذنين هى مطالبة بإلغاء الأذان، وأن الإصرار على تداخل أصوات المؤذنين الصادرة من مكبرات الصوت المتلاصقة وكل يؤذن فى مقطع مختلف عن الآخر هو ازدراء للدين ورغبة فى حرمان الصائم من فرحة رمضان. فرحة الصائم وأجواء الشهر الكريم والتديُّن والإيمان لا علاقة لها بالصوت العالى، والاعتراض على «عدم مناسبة» صوت المؤذن لا يعنى الاعتراض على الأذان. وما يحدث فى مصرنا العزيزة من اعتبار الصوت العالى علامة من علامات الإيمان ظاهرة جديدة. صحيح أن الأجيال الجديدة لم تعاصر مصر وقت ما كانت مؤمنة بهدوء ومتدينة دون هستيريا، لكن حان وقت إخبار هذه الأجيال بالتدين المصرى الحقيقى، لا سيما أن النسخة السائدة المستوردة الحالية لم تعد مطبقة فى دول المنشأ. ولعل رمضان، شهر الروحانيات وهدوء النفس وصفائها وسموها، يكون فرصة لتجديد الخطاب الرمضانى وتنقيحه وربما إعادته لما كان عليه قبل هجمة السبعينيات. والحقيقة إننا لم نخط خطوات كافية فى هذا الشأن الذى طالب به الرئيس السيسى غير مرة، بل يمكن القول إننا لم نخط من الأصل. الضرب السلفى تحت الحزام «شغال الله ينور». ومقاومة التجديد والتنقيح والتطهير واضحة وضوح الشمس. والإصرار على الإبقاء على الجموع الغفيرة محبوسة فى خانة «هل قطرة العين تفسد الصيام؟» و«ما حكم خروج المرأة من بيتها لزيارة أهلها دون إذن زوجها؟» واضح أيضًا. وحجة وجوب الإجابة على الأسئلة التى ترد لفضيلته ليست شافية أو مقنعة. ولو أخبر الشيخ السائل بأننا فى القرن الـ21، أو أن لديه مخًا يمكنه استخدامه، فربما يكسب فيه ثوابا أكثر من الإجابة على موضوع القطرة فى نهار رمضان أو خروج السفير والوزيرة والمديرة لزيارة أهلها دون إذن زوجها. الحاجة إلى الخروج من هذا المأزق الاجتماعى والثقافى والسياسى ماسة. الخروج الآمن بأقل أضرار ممكنة سيكبدنا خسائر أفدح وأكثر. مفعول التدين المظهرى الذى اعتنقناه صار سمة. ولو كانت هذه النسخة من التدين فيها الخير، لما تخلص منها الطير. كل ما تفعله هذه النسخة هى تعطيل عمل المخ، والتأكيد على حاجة الإنسان لمن يفكر له بالنيابة عنه وهو ما يبقيه مسلوب الإرادة كارهًا للعلم خائفًا من التفكير. هذه النسخة تبقى صاحبها فى خانة المتلقى فهو، نتيجة خوفه من المخ، عطل خاصية التفكير، وأصحبت الدماغ إسفنجة تمتص ما يقدم لها من معلومات، ولا تناقشها أو تنتقدها أو تعقلها. هذه النسخة لا يخرج منها مبتكر أو عالم فى علوم الفضاء أو الطب الهندسة إلا من كتبت له السماء النجاة. وهل هناك وقت أفضل من شهر رمضان لنفكر فيما آلت إليه أوضاعنا الإيمانية لعلنا نصحح المسار ونستعيد ما فاتنا، فربما نلحق بمن سبقناهم أول من أمس وها هم يجتازوننا ويحققون قفزات ضخمة اليوم.