الأحد 16 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ستائر حريرية

كانتْ لبنى تعدُ طعامَ الفطورِ له فتضعُ على المنضدة الجبن والقهوة وفى كل مرةٍ تهمسُ لنفسِها يجبُ أنْ أقولَ له دون ترددٍ مثل كلِ مرةٍ أننى كتبتُ منذ فترة قصةَ وأرسلتها لجريدة أدبية.



وأريدك أن تقرأها! 

أصبحتْ مشغولةً كيف ستقولُ له هذا الأمر؛ هل سيقرؤها؟! أم سيسخر منها كعادته أعدتْ مائدةَ الطعامِ جيدًا وراجعتْ كل شىءٍ حتى لا ينفعلَ ويغضبَ قبلَ أن تكلمَه؛ فهو منذ فترةٍ سريعُ الغضبِ لأتفه الأسبابِ كذلك أعدتْ أوراقَ قصتِها.

ألقى عليها تحية الصباح وجلسَ ليتناولَ فطورَه دونَ أنْ يلحظَ توترَها, ومع أولِ رشفةٍ من فنجانِ قهوته, قالتْ له برقة: وددتُ أن أتكلمَ معك فى أمرٍ ما يشغلنى…

لتقول له بنبرةٍ سريعةٍ: منذ فترةٍ كنتُ أشعر بالملل فكتبتُ قصةً قصيرةً..

وقبل أنْ تكمل كلامها نظر إليها فى دهشةٍ للحظات..

وقال: ماذا ؟! 

وضحك بشدة... أنت تكتبين. منذ متى؟!

قدمتْ له أوراقها القصصية وهى تبتسمُ ابتسامة خفيفة بعيون قلقة لتتصفحها أنامله بلا مبالاة وهو يحدثها بلهجة الكاتب الكبير الخبير ببواطن الإبداع الذى يلمع اسمه فى كل الأوساط الأدبية

وهل تعتقدين أن الكتابة سهلة؟!

كيف لك باختيار الألفاظ وإظهار الحبكة الدرامية ودراسة الشخصية…

مزقى تلك الأوراق فمن الواضح أنها قصةٌ لا ترقى إلى أعمالى ولا تليق بزوجة الكاتب رمزى كمال…

مزقيها وتخلصى من عارها قبل أن يراها أحدٌ…

وحينما تشعرين بالملل اشغلى نفسك بشئون البيت.. لا الكتابة.

نظرتْ إليه بغضبٍ.. عارها! أنسيت؟!

 ولكن نغمة هاتفه قطعت حديثها لتذوب حروفُها معه…

نعم نعم سأحاول الانتهاء من القصة قريبًا ليغلق الباب خلفه ويتركها تحاور نفسها فى أسى.. عارها وشئون البيت.

ذهبتْ لترقبه من خلف ستائر نافذتها وهو يركب سيارته وكأنه سراب بعيد بعيد لا يشبع ولا يروى.

ذهبت لترشف قهوتها وهى تتذكر لقاءها الأول به فى المنتدى الأدبى حيث كانت طالبة صغيرة تحمل بين يديها محاولاتها الأولى فى الكتابة وقتها شاهدته وهو يقرأ قصته فأعجبت به بشدة حتى دفنت حياتها وأحلامها بكامل رغبتها فى بحر هذا الإعجاب لتتلاشى هى للأبد.

ركب رمزى سيارته وهو غارق فى بحرٍ من الفِكَرِ…

فشيطان الإبداع لم يزره منذ فترة طويلة؛ تبًا لهذا الشيطان اللعين هجرَ الكثيَر مِنْ المبدعين قبلى ولكن كيف يهجرنى هذا الملعون؟! وهو مِنْ نبتِ أفكارى.. تبسمَ وتذكرَ تلك القصة المطلوبة منه اليوم..

وتذكر أيضًا سكرتيرته الحسناء سناء التى تنقذه دائمَا فى تلك المواقف العصيبة

فكم يعشقها ويعشق جمالها ودهاءها سيتصل بها ويطلب منها أن تتصرف كما حدث فى مراتٍ عديدة وترسل أية قصة مجهولة إلى المجلة وتضع عليها اسمه سواء كانت قديمةً لمبدعٍ قديمٍ أو جديدةً لمبدع غير معروف، ولو أنه يعلم جيدًا أن هذا سيكلفه الكثير من السهراتِ والهدايا لها ولكن لا مفر من ذلك؛ فتلك الداهية تقول إنها أرسلت قصة رائعة لكاتبة غير معروفة ولكنها تقول: إن أسلوبَها يشبهنى فى الكتابة وإنها ستُنْشَرُ اليومَ فى مجلةِ العاصمة الأدبية وهو شغوف جدًا لقراءتها.

لم ينسَ رمزى أن يشترى المجلة أثناء عودته ليقرأها.. وعند دخوله للبيت وجد زوجته تشاهد برنامجًا له فى التلفاز.

فحياها ووضع المجلة على المائدة وطلب منها أن تقرأ قصته الجديدة…

لترى روعة الأسلوب والعبارات، وليتها تدرسها جيدًا لتعرف مواطن العبقرية والإبداع بدلاً من العار الذى رآه صباحًا تناولت لبنى القصة فنظرت له تارة وللقصة تارة أخرى لتتسع دهشتها وتصدمها المفاجأة لتخرج وهى تغلق ستائرها الحريرية بقوة حتى فصلت بينهما.