العشوائيات تمنحها «قبلة الحياة» للبقاء بالحكومة

مها عمران وريشة عصام طه
هذا الحوار له خصوصية متفردة بعض الشىء.. سواء فى توقيته.. أو مراحل تنفيذه أو منصب الشخصية التى أجريت معها هذا الحوار.. فلقد كنت قد عقدت العزم ونويت مع سبق الإصرار والترصد إجراء حوار صحفى مع الوزيرة التى كانت جميع التوقعات تشير إلى أنها خارج التشكيل الوزارى الجديد.. حيث أكد أكثر من مصدر أن الدكتورة ليلى إسكندر لن تستمر أبدًا كوزيرة دولة لشئون البيئة مثلما كانت على مدى 10 شهور فى وزارتى د.حازم الببلاوى والمهندس إبراهيم محلب.. وقد كان هذا يرجع لسببين أولاً إلى تقديرى لموقف هذه المرأة.. وثانيًا لاعتقادى بأن الحوار قد يكون فرصة مناسبة للتقييم والتحليل خاصة إذا ما كانت قد تحررت من قيود المنصب وتبعاته.. فلقد استوقفنى طويلاً أداؤها وهى داخل الوزارة.. واستوقفنى أكثر أداؤها وهى على أعتاب الخروج منها.
فلقد قالت «لا للفحم» وقادت حملة للتوعية بمخاطره وتبعاته الخطيرة على البيئة والصحة.. والسياحة.. وو.. ثم التزمت الصمت تمامًا احترامًا لقرار رئيس الوزراء بعد موافقته على استيراد الفحم لصالح مصانع الأسمنت يومها لم تتاجر بموقفها أو تدعى بطولة مثلما لم تتراجع عن مبدأها وقناعاتها وحرصت على إعداد الاشتراطات البيئية اللازمة لتوفير الحماية الآمنة فى حالة استيراد الفحم.
أما الموقف الثانى فقد كنت «شاهد عيان» عليه عندما وقفت برباطة جأش وبشجاعة تحسد عليها- تزف نبأ تولى وزير بيئة جديد «غيرها» لمسئولية البيئة بعد ساعات وذلك لجميع الحضور فى القاعة المقام بها مؤتمر «فرص للاستثمار البيئى فى مصر والوطن العربى»، والذى عقد بالجونة بالغردقة وكانت كلماتها تتسم بالبساطة والواقعية الشديدة ولم تغب ابتسامتها لحظة واحدة ولم تحاول أن تتقمص دور المغلوبة على أمرها أو المجنى عليها بل حرصت على أن تداعب الكل.. وشكرت جميع العاملين معها بامتنان شديد وبود خالص.
يومها اتفقنا على إجراء الحوار فى اليوم التالى مباشرة وبالفعل التقينا فى التاسعة صباحًا على مائدة الإفطار البسيطة للدكتورة ليلى وأجريت الحوار معها بالفعل باعتبارها- قاب قوسين أو أدنى- لحمل لقب وزيرة البيئة سابقًا.. وذلك قبل الإعلان عن التشكيل الوزارى الجديد بـ24 ساعة.. ونظرًا لضيق الوقت لم نستكمل الحوار.. واتفقنا على استكماله بعد عودتنا للقاهرة.. ثم إذ فجأة تتبدل الأحوال.. وتمنح «العشوائيات والتطوير الحضارى» قبلة الحياة للدكتورة ليلى.. وتطيل من عمر بقائها على قيد الوزارة كوزيرة لوزارة مستحدثة أعلن عنها بلا مقدمات أو تفاصيل!!
وهكذا شاءت الأقدار.. والقيادة السياسية للبلاد أن تضع بصمتها على هذا الحوار الصحفى وتضيف له بعدًا آخر لم يخطر لى على بال من قبل.
∎ فلنبدأ بالنهاية
∎ كنت تملكين من الشجاعة واللباقة ما جعلك تعلنين ببساطة وابتسامة أن هناك وزير بيئة جديدا سيتولى الوزارة بعد ساعات وأنك ستغادرين موقعك متمنية التوفيق للجميع فهل هذا الموقف تجسيدا لملامح شخصيتك أم تكيفا مع الأمر الواقع والاستسلام له.. أم بصراحة المنصب «مش فارق معاك»؟!
- بابتسامة رقيقة تجيبنى د.ليلى إسكندر قائلة: أعتقد أن كل واحد منا يملك حاسة سادسة تدله على التوقيت المناسب لاتخاذ القرار والإعلان عنه وأنا شعرت بالحاسة السادسة أن الأوان قد حان وأن هذا هو التوقيت الأنسب للخروج من هذه المؤسسة «الوزارة» بعد 01 شهور جميلة قضيتها فيها عرفت خلالها بالفعل ناس جميلة اعتز بهم كثيرا.. اشتغلنا معا: «كون أننا انتصرنا أو انهزمنا مش هو ده المهم المهم إننا تلاحمنا مع بعضنا البعض وفكرنا سويا واتخذنا قراراتنا معا».. فمثلا فى موضوع الفحم كانت هناك لجنة تجتمع كل أسبوعين بلا أى مقابل رغم أنهم قامات دولية متخصصة فى مجالات متعددة وقد تعلمت منهم الكثير، لكن الآن أشعر أننى وصلت إلى مفترق طرق.. واستمرارى فى منصبى لن يضيف لهذه المؤسسة شيئا إذا فالأفضل أن ابتعد ليتقدم من هو قادر على الإضافة للمكان.. وللوزارة.
∎ جئت تحملين تجربة 30 عاما من العمل التطوعى والميدانى لتكونى على قمة مسئولية الجهاز التنفيذى للبيئة.. ما هو الفرق بين التجربتين وهل أثرت خبراتك السابقة على الوزارة بالإيجاب أم بالسلب؟!
تصمت د.ليلى لحظات وكأنها تستعرض فى خيالها شريطا من الذكريات وتقول: أعتقد أن الإضافة التى أضفتها لهذه المؤسسة هو أننى منحتهم ثقة فى أنفسهم.. وثقة فى بعضهم البعض.. فلقد عملنا كفريق عملا متكاملا.. وهذا أمر يدعو للفخر ويمثل لى تجربة رائعة.. فالوزارة بالنسبة لأمثالى هى كلمة السر التى فتحت لى مغارة «على بابا» وجعلتنى اكتشف هذا العالم وأعرف كيف تعمل الوزارات مع بعضها البعض.. والمنطق الذى يحكم موظف الحكومة.
فهذا عالم كان بعيدا عنى تماما.. فلقد تعاملت مع الناس ومشاكلهم لكن الاقتراب من العمل الرسمى والحكومى كنت أجهله تماما.. عدسة الحكومة غير عدسة الناس العادية المنظور مختلف.. أنا كنت قادمة من قاع المجتمع تعاملت مع المهمشين والبسطاء والفقراء وتعلمت منهم وشعرت بمشاكلهم وكانت هناك أولويات.. عندما توليت الوزارة اكتشفت أن المنطق الحكومى يفرض عليك أن تبدأى بأشياء أخرى.. «أسهل ومضمونة النجاح».. والحقيقة لقد حاولت أن أوفق ما بين المنظورين.. المنظور الشعبى.. والمنطق الحكومى لكننى كنت ساذجة.. ليس من السهل أن تتفق الرؤى.
∎ غاوية بيئة
∎ د.ليلى لدى انطباع عنك أرجو أن نناقشه سويا.. أعتقد أنك «غاوية بيئة» ولست «هاوية سياسة» وأنهما لم يلتقيا معا لديك أبدا.
- تضحك د.ليلى وهى تقول: فعلا أنا غاوية بيئة وعمرى ما مارست السياسة.. الواقع ينطق بلغة والسياسة لها لغة ثانية.
وأعتقد أن العمل التنفيذى يحتاج للاثنين معا «السياسى وصاحب الممارسة العملية كما تقولين.. المهم أن الممارس تكون عنده رؤية ومنهج.
∎ بصراحة هل هذا التباعد ما بين قدرات صاحب التجربة.. والسياسى هو الذى دفع بك إلى حافة الصدام؟
- أيام الصدامات أنا اعتذرت شفهيا عن المنصب 3 مرات لكن رئيس الوزراء قال لى «مش ده التوقيت المناسب».. وبصراحة ماكانش ينفع أصعبها عليه فهو عليه ضغوط رهيبة لاتتصورينها ربنا يعينه عليها.
∎ إذا بصراحة أكثر هل تشعرين بالمرارة لهزيمتك فى ملف الفحم وأن رئيس الوزراء قد خذلك بموافقته على استيراد الفحم؟!
ـــ بسرعة وبلهجة قاطعة.. «لا والله لم يخذلونى.. يمكن أنا اللى «ماعرفتش أفهمهم خطورة القضية كفاية».. كلنا كنا واقعين تحت ضغوط.. وهناك اعتبارات كثيرة.. أنا يمكن لا أعرفها كلها فقد كان رئيس الوزراء بيتكلم معانا.. ويتحاور باهتمام.. ونحن عرضنا له كل الدراسات العلمية فى هذا المجال التى تؤكد قرارانا ورؤيتنا لكنه هو أيضا استمع لآراء أخرى واستعان بجهات أخرى حتى وصل للقرار الذى أعلنه.. ولا أملك سوى تقديرى له لكن بالنسبة للمرارة.. مرارة إيه يابنتى.. أنا اشتغلت مع ناس كانوا أولادهم بتموت علشان مش لاقيين حق الدوا اللى بجنيهات قليلة اللى يعرف الناس دول وأحوالهم هو اللى يحس بالمرارة فعلا.
∎ أولم تشعرى بالهزيمة؟
- المعركة لم تكن معركة شخصية.. لكن أنا شعرت بأن هناك هزيمة لحقت بالبيئة.. البيئة هى اللى انهزمت.. وصحة المصريين هى اللى انهزمت لكن أرجع وأقول لك أن البيئة موضوع كبير مجالاتها كتيرة وخطيرة ومتشعبة وهناك قضايا بيئية أخرى خطيرة.
∎ عندما تقيمين إدارة الحملة الآن ماذا ترصدين كنقاط ضعف وهل يمكن لو كانت أكثر تنظيما وأكثر دقة كان من الممكن أن تحقق نجاحا؟!
- بصوت يغلفه المكاشفة والصدق تقول د.ليلى: أيوه احتمال فالحشد العلمى كان محتاج وقت أطول.. الخبراء لم يأخذوا فرصتهم فى العرض والشرح رغم أنهم يملكون من العلم والخبرة والرؤية القومية الكثير، لكن الأمور كانت تطوراتها أسرع مننا جميعا.. وبالتأكيد لو أخذوا فرصتهم كان الموقف تغير.
كذلك المجتمع المدنى كان إيجابيا جدا ولعب دورا قويا للغاية لكن برضه الوقت لم يكن فى صالحنا.
∎ وأنت الآن تعبرين أعتاب الوزارة بعد 10 شهور ماذا تحملين معك؟! وما هو الحلم الذى لايزال يحلق فى وجدانك ولم يتحقق بعد؟!
- تبتسم د.ليلى ابتسامتها الودودة الدائمة وهى تقول: صدقينى مش شايله معايا غير ذكريات حلوة.. المنصب مش فارق معايا.. أنا سأخدم بلدى فى أى موقع وفى أى مكان لكن أنا صعبان على فراق الناس اللى اشتغلت معاهم وأحببتهم من كل قلبى.
وشايله معايا.. رؤية اتسعت لكل قضايا البلد وفهم لمشاكل متشابكة عايشتها عن قرب.
أما الحلم.. فهو أن نتخلص من جبل الروتين الذى يغلف أى تعامل حكومى رسمى.. فهذا الجبل نحتاج إلى أن نفتته حتى نستطيع أن نتحرك للأمام.
للحوار بقية مع د.ليلى إسكندر كوزيرة للتطور الحضارى والعشوائيات.