الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
حديثٌ لم ينتهِ بعد

حديثٌ لم ينتهِ بعد

لم أكن أتخيل ذات يوم أن أمسك بقلمى، وأرثى به أبى وأستاذى الأول محمد عبدالنور، ذلك القلم الذى علمنى به أن الكلمة نور وبعض الكلمات قبور.



لا أستطيع تجاوز مشهدنا الأول، وهو يستقبلنى فى مكتبه وأنا فتاة لم تكن قد أتمت سنواتها الواحد والعشرين، ودار بيننا حوارٌ مطول، وتجاذب معى أطراف الحديث عن حلمى وخططى المستقبلية، ومؤهلاتى، ثم طرح على السؤال الأهم: ما الذى سأضيفه للصحافة إن انضممت إلى كتيبة فرسانها؟ فكان درسه الأول؛ التفكير خارج الصندوق، إذا أردت أن أترك بصمة فى بلاط صاحبة الجلالة.

ألحقنى عبدالنور كمتدربة فى المجلة التى يترأس تحريرها، واحتوانى كابنة له، يعلمها كيف للإنسان أن يشق طريقه وسط الصعاب ويتحدى العراقيل.

لاحظ هو قبل أن ألاحظ أنا اهتمامى بالشق العسكرى والحروب وكل ما يتعلق بها، فطلب منى تصور ملف خاص بعيد السادس من أكتوبر الذى كان وشيكًا، ثم وجهنى للجهات المختصة لمساعدتى فى التحدث إلى مصادر شاركت فى معركة العبور والنصر.

لم أكن أعلم وقتها بما يسمى بالملف العسكرى، ومن يتولاه يطلق عليه «المحرر العسكرى»، فكان الباب الأهم الذى فتحه لى أستاذى محمد عبدالنور.

فعلى الرغم من بعض الاعتراضات التى جاءت على خلفية توليتى لهذا الملف الشائك لصغر سنى وعدم تعيينى بعد، لكن ثقته وبصيرته التى كان يتسم بها تجاوزت كل تلك الاعتراضات، ونشر لى الملف وتوالت بعده الأخبار والتغطيات الخارجية، ومع كل نجاح وتوفيق من الله، كنت أرى الفرحة فى عينه؛ سعادة أب بابنته، وفخر معلم يرى ثمرة تعليمه فى تلميذته، ومنذ ذلك اليوم أطلق على لقب «سيادة اللوا» الذى أصبح الجميع ينادوننى به حتى الآن.

لقد أراد الأستاذ محمد عبدالنور منذ يومه الأول فى رئاسة تحرير مجلة صباح الخير أن يصنع جيلًا من الشباب الواعى الطموح الذى يتقن استخدام التكنولوجيا ويعى متطلبات العصر، ويواكب تطوراته السريعة وقد كان. ففى كل مرة كنت أسترق النظر إليه وهو يتأملنا نكبر وننجح، كنت أرى فى وجهه ابتسامة رضا عن صنيعه الإنسانى قبل الصحفى. واليوم لحظة أن ودعناه فى جنازته التى امتلأت بمظاهرة حب وحزن على ترجل هذا الفارس النبيل الذى أثر فى حياة كل من عرفه، نظرت إلى زميلاتى وصديقاتى اللاتى طالما جمعتنا غرفة واحدة، ولقمة عيش واحدة تناولناها فى كنف أبينا الراحل. أيقنت من دموعهن أن معلمنا لم يرحل، هو باقٍ فى أرواحنا وفى أقلامنا حتى نهرم.

فبالأمس القريب استقبلنى محمد عبدالنور الأستاذ والأب، واليوم أودعه إلى مثواه الأخير، لكن قلمه ما زال معى، وابتسامته باقية أبد الدهر، فالموت ليس فراقًا، سنجتمع مرة أخرى يا أستاذى لنستكمل حديثنا الذى لم ينته بعد.