الإثنين 9 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
جمع تكسير.. وإبداعات الماجد

جمع تكسير.. وإبداعات الماجد

يضم المسرح أبو الفنون مهارات فنية وتقنية شديدة الخصوصية، تنتقل عبر مساحة الفضاء الخاصة بالعرض للقاء مباشر مع الجمهور ليتلقى ردة فعله فى الحال، دون وسيط كغيره من المجالات الفنية الأخرى، ورغم أن نواة العمل المسرحى تنبنى على النص، فإن العلاقة الثنائية الجدلية بين النص والعرض شغلت بال الباحثين والمنظّرين والمهتمين بهذا الفن، حيث تباينت الآراء حول تلك العلاقة إن كان العمل ينبنى على النص باعتباره جوهر العملية الإبداعية المسرحية، أو من يرون التخفيف من سلطة النص باعتباره أحد عناصر العرض، وقد يصل بهم الأمر لإلغائه نهائياً.



والحقيقة أن هذه العلاقة الشائكة والمثيرة للجدل، تجد صداها حسبما يكون النص، وقدر ما تكون قوته، فالنص المتين المحبك فى اعتقادى يفرض نفسه على المخرج وعلى الممثلين أبطال العرض، ولا يستطع أى منهما تهميش أو إقصاء تلك البنية الرئيسة والمركزية فى صناعة العمل المسرحى، أما إذا كان النص هزيلاً وضعيفًا وغير محكم البناء، فربما يكون المخرج فى وضع إلزامى بإعادة صياغة النص بصرياً وسمعياً، حتى وإن لم يصغه أدبياً، فالعرض المسرحى- شئنا أم أبينا- هو القراءة الثانية للنص أو للفكرة المطروحة أدبياً.

وأرى أن مؤلف النص ومخرجه ينبغى أن يكونا فى حالة تزاوج لخلق رؤية إبداعية متكاملة الأركان، وهذا لا ينتقص من دور أى منهما. فما بين هذه الأرجوحة للمؤيدين والمعارضين تظل قراءة النص المسرحى هى متعة فى ذاتها، إن كان النص يشى بأهمية ما، فقد يسوق لقارئه متعة إضافية وخيالًا خصبًا بخلاف تلك المتعة البصرية التى تتحقق عن طريق العرض.

والحقيقة، استمتعت أيما استمتاع بقراءة نص مسرحى شارك فى مسابقة التأليف المسرحى العراقى لعام 2022 تحت عنوان «جمع تكسير» لفت نظرى وبحثت جاهدة فى محاولة لاكتشاف النص المسرحى باعتباره القراءة الأولى التى قد يضفى إليها القارئ رؤيته ومخيلته، ويظل يستثير خياله ليلهمه النص بمتعة أدبية.

وبالفعل النص شديد التميز من حيث أفكاره وتوظيفه لشخوصه من خلال أسماء باتت محفورة فى تراثنا العربى الزاخر ما جعل القارئ يغوص بين هذا الماضى العتيد وما بين إسقاطات الحاضر، فى كتابة رصينة معبرة، امتلك المؤلف زمامها بحنكة وبلاغة، مع رسم خيالات بصرية متضمنة فى النص، تجعل المتلقى فى حالة من المتعة المركبة للقراءة من جانب، وهذه التخيلات البصرية للعرض من جانب آخر، فتمنح طاقة إيجابية، وتخلق لذة جمالية، جعلت الحوار الدرامى بمرادفاته مغلفاً بإطاره السردى، منمقاً بوصف تفصيلاته التى تنطق بين دلالات الخطاب المسرحية لعناصر مرئية تمنح مزيداً من النجابة والجاذبية.

وهذا النص أتمنى أن يرى النور بفكر مخرج مايز يستكمل هذه الحالة الغنية ويمحصها دون إفراط أو تفريط، مستشهداً بغائية النص وما يكتنفه من روح مازحة فكاهية بوعى مؤلفه المبدع العراقى أحمد الماجد، صاحب الأفكار الاستثنائية والأعمال المسرحية المتمكنة والتى تعكس شخصيته ذات الثقافة الواسعة المحبة للحياة، بما لديه من معرفة ودراية بالتراث العربى القيم. تحية لهذا النص الذى استدعى خيالاتى وحطم التابوهات وأعلن بقوة عن براعة قائده.