الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

.. ومنه أيضا ما قتل

الموت اللذيذ فى علاقة «Toxic»

عمرك حبيت وتعلقت حتى لو تسبب هذا فى إيذائك؟



قلة قليلة سيردون على السؤال: «لأ طبعا».. بيد أن أغلبنا لا يكون بالوعى الكافى بضرر الحب وألمه النفسى.

فى يوم مرّ الأصمعى بصخرة أثناء سيره فى البصرة، وجد الصخرة الكبيرة كان محفورًا عليها بيت من الشعر كالتالى: أيا معشر العشاق بالله خبروا.. إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع فقرر الأصمعى أن يرد على ذلك الشاب المولع بالهوى فحفر له بيتا ردا عليه: يُدارى هواه ثم يكتم سره..

ويخشع فى كل الأمور ويخضع وفى اليوم التالى مرّ الأصمعى على نفس المكان فوجد رد الشاب عليه ببيت آخر قال:  وكيف يدارى والهوى قاتل الفتى.. وفى كل يومٍ قلبه يتقطع, فما كان من الأصمعى إلا أن ردّ إذا لم يجد الفتى صبرًا لكتمان أمره.. فليس شىء سوى الموت ينفع وفى اليوم الثالث مرّ الأصمعى من نفس الطريق ليطلع على آخر رد.. فوجد الفتى صاحب الأبيات قد قتل نفسه بجوار الصخرة بعدما كتب: سمعنا أطعنا ثم متنا فبلّغوا.. سلامى إلى من كان للوصل يمنع هنيئًا لأرباب النعيم نعيمهم.. وللعاشق المسكين ما يتجرع وبعد هذه الحادثة قال الأصمعى «من الحب ما قتل»!

أحيانا يقتلنا الحب دون أن ندرى.. ليس شرطا أن يقتلنا ونموت! لكنه يمكن أن يأخذ أرواحنا أحياء! نمسى بلا روح.. كمن يعيش فى العراء بلا مأوى، أو كسفينة هاجرت شطآنها ولا تستطيع الرجوع!

الغريب.. أننا جميعا، أو أغلبنا ليصح التعبير.. ندخل فى علاقة الحب المؤذية وتصلنا جميع الإشارات المحذرة.. لا يتبقى غير أن ينزل ملاك من السماء ليحذرك من فلان.. حتى ولو حدث.. ستجد ألف مبرر لتكمل العلاقة.. ستخلق أى مبرر لتستمر فيها.

علاقات استنزاف

أجرى علماءُ النفسِ بعضَ الأبحاث؛ لمعرفةِ أسبابِ الاستمرارِ فى العَلاقاتِ السامَّة علی الرَّغمِ من معرفةِ الأشخاصِ بسميتها, وجدوا أن أهم الأسباب فى: الرضا بالعَلاقة علی الرَّغمِ من كونِها «استنزافية»..! فبعضُ الأشخاصِ يشعُرونَ بالرضا التامِّ عن هذه العَلاقات، ولا يَرَوْنَ سببًا لإنهائِها.

وقلةُ تقديرِ الذات إذ يشعر بعضهم خطأ بعدم جاذبيتهم، أو أنْهم دائما ما يَخفِضون توقعاتِهِم بشأنِ تعاملِ الآخرينَ معَهم.

عدم الاقتناعِ بسمية الطرف الآخَر لأن الحب يصيب بعض الأشخاصِ بالعمى، فيصبحونَ غيرَ قادرين على رؤية أذى الطرَف الآخَر، أو مَدى سُميتِه.

عدم وجود البديل المناسب سبب أو من أهم الأسباب التى تجعلنا نضطر إلى الاستمرار فى علاقة سامة.

الطرف السام فى العَلاقة غالبا ما يلجأ لابتزاز الطرَفِ الآخرِ عاطفيًا ! أو تهديدِهِ بالعنف إذا قررَ الرحيل! 

والمصالح المشتركة تجبر البعضُ على القَبولِ بعلاقة سامة.

كما يقال تعددت الأسباب والموت واحد.

وبالمناسبة.. من قال إن «الضربة اللى ماتموتش بتقوى؟».. رجل لم يأخذ ضربة فى حياته، الضربة التى لا تميت يا سيدى تؤلم وتترك علامة، وستضعفك على مر الأيام.. ربما بعد أن تخرج حيا من الضربة الأولى تكمل طريقك ولكن بعد عدة ضربات ستتمنى الضربة التى تميتك وأنت ومعتقداتك بقى، تدخل الجنة، تموت وتتحول لتراب.. تهيم روحك وتولد من جديد ! المهم إنك سترتاح.

سيكولوجية معقدة

عن سيكولوجية الطرف الذى يحب الضربات اعتقادا أنها ستقويه! أو الشخص الذى يتمسك بشخص سام يقول الدكتور عمرو سليمان استشارى الصحة النفسية: فى العلاقة السامة طرف مؤذٍ والآخر مأذى.. المؤذي الصياد يقيم ضحيته، وما يستطيع أن يأخذه منها ويجعلها تحت رحمته طول الوقت.

ويضيف: إذا سُئلت: هل الطرف المؤذى يحب فعلا؟ ستكون إجابتى نعم.. إذن لماذا هذه التصرفات الغريبة؟ 

الإجابة: لأن هذا الطرف شرير.. شديد الضعف لدرجة أنه يعتمد تماما على الطرف الآخر ليعيش !

السؤال الأهم: لماذا يكمل العلاقة الطرف الواقع عليه الأذى؟ هل من سذاجة؟ 

يجيب الدكتور سليمان: يرجع هذا للتربية.. كونك مرفوضا من أهلك أو من فرد من الأسرة يجعلك فريسة للمستغلين.. أيا كان نوع العلاقة.. سواء حب، أو صداقة أو حتى فى العمل.

يكمل: حالة الرفض، أو عدم الاهتمام واحتواء الطفل صغيرا يجعله عرضة لأن يكون مادة جيدة للأشخاص السامة، وبناء عليه القصة ليس لها علاقة بالحب أو بمقداره، ولكن التمسك به نابع من خوفه أن يهجرنى، وهنا تحدث حالة من الاضطراب النفسى، مثل القلق من رحيله مما يتسبب فى اضطرابات مزاجية حيث يعتل المزاج لمجرد عدم وجود المؤذى.

هناك أيضا حالة نتوقف عندها كثيرا وهى تغير الشخصية من كثرة العشرة مع الشخص السام، فبالطبع تتغير الشخصيات مع العلاقات، لأن الشخصية السامة المستغلة تضع الشخص الآخر تحت ضغط طول الوقت، ولو تم الزواج.. يصبح المضغوط عليه فى العلاقة (سواء كان رجلا أو امرأة) غير قادر على الخروج منها أو إنهائها نظرا لأنه لا يشعر بالأمان خارج حدود هذه العلاقة.

يقول د. سليمان: أول ما يفعله الشخص التوكسيك أنه ينزع كل الصلاحيات والقوة النفسية والقدرات النفسية من الطرف الآخر بحيث لا يستطيع أن يقف على قدميه مرة أخرى ولا يستطيع أن يفكر فى أن يجد شريكًا آخر.

التوكسيك يمتص طاقتك بالكامل ويجعلك ضعيفا هزيلا.. لا تقوى على المقاومة!

الاستمرار فى علاقة توكسيك كثيرًا ما تكون سجنًا اختياريا.. تختاره بكامل إرادتك وتصاب بعيدا عنه بحالة شديدة من الغربة! فمعتاد ما يحدث فى عقلك حيث السوفت وير بدأ يتعود على العذاب.. وتكرار الخطأ، فتخرج من قصة سامة لتعود مرة أخرى لعلاقة مشابهة طبق الأصل، لأنك تكون فقدت قدرتك على التمييز واختيار الأشخاص! وبناء عليه تكرر أخطاءك بنفس التفاصيل وتمر بنفس العذاب.

من يتعرض لتلك التجربة فى حاجة إلى طبيب يجعله يفهم ما يمر به. ويعينه على التعافى ويعلمه ألا ينساق وراء الكلام المعسول.

خذوا وقتكم وتعافوا أولا من الصدمة.. لأن الأمر ليس هينا.