فى حلم تغيير العرف والتقاليد

مني صلاح الدين وريشة كريم عبد الملاك
الثأر، ميراث الأرض، الزواج القبلى والمبكر، وغيرها الكثير من الممارسات التى أصبحت بمرور الوقت عرفا وتقليدا فى مجتمعنا أقوى من القانون بل الشريعة أحيانا.
بعض الذين يتبعون هذه الأعراف فى المجتمع يرون أهمية وحتمية وجودها، هذا فى الوقت الذى يرى فيه البعض الآخر ضرورة العمل على تغييرها لسلبيتها وإعاقتها لتقدم المجتمعات، علماء الاجتماع والدين أيضا لهم آراؤهم حول جدوى اتباع العرف والتقليد.
والسؤال: هل من فائدة فى تطبيق هذه الأعراف والتقاليد؟ أم أنها أصبحت تشكل عبئا على الوعى المجتمعى للأفراد؟ وهل يمكن تغيير هذه التقاليد والعادات بعد أن ظلت تمارس لسنوات طويلة؟ وكيف سيتم ذلك ومن أين ستكون البداية؟
فى السطورالتالية محاولة للإجابة عن هذه الأسئلة.
يحاول «محمد الراوى» وهو من أبناء إحدى قبائل محافظة «قنا»، تغيير العرف السائد فى قبيلته والذى يعطى الحق فى ميراث الأرض لأكبر الأبناء الذكور سنا فقط دون باقى الأبناء الذكور الأصغر ليتساوى محمد مع أخته فى عدم أحقيتهما فى ميراثهما من الأرض التى تركها لهما والدهما وبرغم المصاعب التى ستواجه محمد فى رحلة الحصول على حقه لخروجه على تقاليد قبيلته، فإنه قرر أن يبدأ بنفسه حيث قام برفع دعوى قضائية للمطالبة بحقه فى ميراث والده.
∎ حلم التغيير
هنا تبنت «سحر شعبان» ناشطة مجتمع مدنى والمدير التنفيذى لمؤسسة «كيان مصر للتنمية والتدريب المجتمعى» قضية «محمد» لعلها تكون مدخلا لتغيير العرف السائد فى البعض من قرى مصر وخاصة فى الصعيد والذى لا يعطى المرأة حقها فى ميراث الأرض، إلا إذا تزوجت من ابن عمها، حتى لا تذهب ملكية الأرض إلى شخص غريب وهو زوجها ويكتفى بإعطائها نصيبا من محصول هذه الأرض كل موسم حصاد.
تقول سحر: نتحدث كثيرا عن المرأة وحقوقها المهدرة التى مازالت لم تحصل على الكثير منها ولا نجد لها التأييد الكافى فى ظل ثقافة وأعراف مجتمعية مخالفة للقانون بل الشريعة أحيانا، وربما هذه المرة عندما نطالب بحق للرجال نربح مؤيدين جددا لقضايا المرأة!
تعمل سحر منذ 20 عاما فى مجال تنمية المجتمع وحقوق الإنسان وخاصة فى الصعيد حيث رصدت كيف أن العادات والأعراف أتت على حقوق المرأة، وذلك حينما تتعرض مثلا للزواج المبكر إما من رجل غنى يكبرها فى السن، أو من أجل التخلص من عبء الإنفاق عليها كما فى بعض قرى البدرشين والحوامدية وبعض قرى أسيوط التى تعد أكثر المحافظات فقرا، ولاتنسى سحر تلك السنة التى حكم فيها «جماعة الإخوان» مصر وكيف أنها رصدت زيادة كبيرة فى نسبة الزواج المبكر للفتيات فى العديد من القرى فى الصعيد والدلتا بالمخالفة للقانون.
وكان الداعم لهذه الزيجات كما تقول سحر هى الجمعيات الخيرية التى لم يكن هدفها تنمويا وكانت تحصل على دعم مالى من الجماعة وانحسر دورها الآن بعد ثورة 30 يونيو لقلة التمويل.
من خلال عملها فى المؤسسة مازالت سحر تحلم بإمكانية تغيير كل العادات والتقاليد السلبية فى المجتمع وخاصة فى الأماكن النائية والصعيد بما فى ذلك عادة «الثأر» التى انتشرت بكثرة فى المنيا وبنى سويف فى الفترة الأخيرة، والتى لم تستطع أى منظمة حقوقية إلى الآن الاقتراب منها أو طرح دراسات لحلها خاصة فى ظل انتشار السلاح.
وترى سحر أن صعوبة تغيير هذه العادات ربما يعود لامتلاك القوة «السلاح» فى العائلات الكبيرة، لكن السبب الأهم برأيها يعود إلى دور «المرأة» فى الصعيد سواء كانت الأم أو الجدة أو الأخت لأنها هى الحاملة والداعمة للثقافة وهى التى تورث العادات للأجيال الجديدة حتى لو كانت فى غير صالحها، ففى الصعيد نجدها الداعمة لعادة الثأر مثلا، لذلك تصف سحر أساليب تغيير هذه العادات لها ولغيرها من الجمعيات التى تعمل فى مجال تنمية المجتمع وحقوق الانسان، بأن يتم اتباع استراتيجية للتغييروالتوعية بأهمية سيادة القانون تبدأ أولا بمخاطبة المرأة ثم الرجل، الزوج أو الابن مع الضغط الإعلامى والتركيز على سلبية هذه العادات والتى لابد أن يتخلص منها المجتمع.
∎ الدين والعرف
ولا يختلف رأى الدكتور عبدالله النجار أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، عما طرحته «سحر» من استخدام أساليب للتغيير ويكون على رأسها أن تتبنى وسائل الإعلام المختلفة التوعية بضرورة الابتعاد عن الأعراف السائدة التى ثبت سلبيتها، وأيضا لايقلل «النجار» من دور الأفراد فى التغيير داخل المجتمع ويطالبهم بأن يبدأوا بتغيير سلوكياتهم، لأن العرف يتغير بتغيير السلوك الذى اعتاد عليه الناس.
وبسؤال النجار عن السبب الذى يجعل العادات أقوى من الدين أحيانا فى الميراث والثأر، أوضح أن السبب يكمن فى رغبة البعض فى الاحتفاظ بملكية الأرض والتى تمثل العزوة والعرض.
أما أستاذة الاجتماع بجامعة القاهرة الدكتورة سامية الساعاتى فترى أن هناك صعوبة كبيرة فى إمكانية تغيير العادات والأعراف القديمة ولكن بالإمكان تهذيبها أو التقليل منها كالختان وفكرة أن الولد أهم من البنت فى بعض القبائل لأنه هو الذى يحمل لقب القبيلة ويحافظ عليها من الاندثار، والبعد عن الزواج القبلى الذى لا يسجل عقود الزواج.
وتتفق معها فى الرأى أستاذ الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الجنائية والتربوية الدكتورة «فادية أبوشهبه» ولكنها ترى أن الأمل فى التغيير يتوقف على العمل على محو الأمية المنتشرة فى مصر والاهتمام بالتعليم ومخاطبة الشباب وأيضا تغيير المفاهيم الخاطئة كحق الزوج فى ضرب زوجته وأبنائه بدعوى أن الشرع يسمح له بذلك، هذا الضرب الذى ينتهى فى بعض الأوقات إلى وفاة أحد الأبناء، ويصل إلى المركز العديد من هذه القضايا وغيرها ونحن بدورنا نقوم بعمل محاضرات للتوعية فى قرى مصر وخاصة فى الصعيد.
وترى «أبوشهبة» أن الجهل والنظام القبلى جعل حكم القبيلة أقوى من القانون خاصة فى قضية الثأر، لكن الدولة تتدخل الآن لعقد جلسات للصلح كحل للحفاظ على الأرواح كما حدث بين قبائل أسوان واضطرت الدولة ألا تستخدم القانون إلا فى إطار محدود.
∎ التنمية وسيادة القانون
ويوضح أستاذ الاجتماع بجامعة القاهرة، الدكتور أحمد مجدى حجازى أن العرف هو جزء من الضبط الاجتماعى غير الرسمى «غير القانونى» الذى ينشأ فى المجتمعات البسيطة والبعيدة عن المدن، وأن من الصعب إيجاد تاريخ محدد لبداية ونشأة العادات والتقاليد، كونها نشاطًا اجتماعيًّا متّصلا بين الأجيال، وتأخذ وقتا لتستقر فى عقول أفراد المجتمع ووقتا أطول لتغييرها وتركها.
ويكمل: غالبا ما تنشأ العادات والتقاليد من أجل حاجة اجتماعية يتفق على إيجادها الأفراد، لوجود منفعة لمجتمعهم من خلالها، وقد تتلاشى الوظيفة والحاجة الاجتماعية للعادات أو التقاليد، إلا أنها تبقى بفعل الضغط النفسى الذى تمارسه على الأفراد الذين اعتادوها، وشعروا أنها تمنحهم الأمن والاطمئنان.
ويرى حجازى أن تغيير هذه العادات لابد أن يكون بصورة تدريجية وذلك بدمج المجتمعات الصغيرة والتى تحمل ثقافات موروثة وفق خصوصية مجتمعها، مع الثقافة العامة للمجتمع وتدعيم روح الانتماء للوطن، ومعالجة الثقافة الذكورية من خلال المناهج الدراسية ووسائل الإعلام.
ويوضح حجازى أنه كلما تقدم المجتمع قلت الأعراف والموروثات المجتمعية غير الإيجابية لذلك لابد من تطوير وتنمية سيناء والصعيد وجنوب مصر حتى يصل المجتمع لمرحلة الحداثة والتقدم وفق نظام مؤسسى وليس قبليا تكون فيه السيادة للدستور والقانون.