الثلاثاء 11 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ضد التحرش.. من هنا نبدأ

ضد التحرش.. من هنا نبدأ
ضد التحرش.. من هنا نبدأ


 
من هو المتحرش؟.. ولماذا يتحرش؟
 
التحرش أولا هو أى فعل أو قول يحمل دلالة جنسية ويؤذى الطرف الآخر.. البعض يرى المتحرش، مراهقا أو شابا، يحاول إيذاء الفتيات أو النساء فى الشارع، والبعض يراه عاطلا، لايجد مجالا للتحقق فى العمل أو فى حياة كريمة تمكنه من الزواج، فيحول طاقته السلبية إلى إيذاء الطرف الأضعف، الذى لا يستطيع التقرب منه بشكل طبيعى..أى أن المتحرش وفق هاتين الوجهتين هو بالضرورة، شاب فقير .. عاطل.. غير متعلم.. غير متزوج فى الغالب.
 
الحقيقة أنه لا أحد يعرف بالضبط من هو المتحرش.. لكنها استنتاجات فى الغالب.
فأكثر الدراسات والأبحاث الاجتماعية التى أجريت حول «الظاهرة» خلال الأعوام الماضية تتجه دائما نحو المتحرش بها، ولا تتطرق إلى المتحرش نفسه، إلا فى حالة واحدة، هى أن تكون عينة البحث هى المسجونون بالفعل فى جرائم وصلت لحد الاغتصاب، وليس الأشكال الأقل من التحرش، والتى هى غالبا أغلب ممارسات الظاهرة.
وحتى فى هذه الحالة لا تخرج الدراسة عن تحديد حالة المتحرش التعليمية والعملية والاجتماعية ومكان إقامته، وعلاقته بالمجنى عليها، لكن لا تتطرق إلى الأسباب التى دفعته تحديدا لهذا الفعل.
 
الأبحاث العلمية التى درست التحرش خلال الأعوام السابقة ركزت فى أغلبها عن سؤال الفتيات والنساء- عينات محدودة أحيانا، وقومية ممثلة للجمهورية فى أحيان أخرى- عما إذا تعرضت لأى شكل من أشكال التحرش طوال حياتها، وما الأماكن والأوقات التى تعرضت فيها لذلك؟
 
وتأتى نتائج أكثر هذه الدراسات صادمة، حيث وصلت إحداها إلى أن 99٪ من نساء مصر تعرضن لشكل من أشكال التحرش، وأن التحرش يحدث فى أغلب أماكن تحرك النساء فى الشارع وأماكن العمل والمدرسة والجامعة والنادى وغيرها.
 
مما يعنى بالضرورة أن شريحة «الشاب الفقير العاطل غير المتعلم وغير المتزوج» لا يمكن أن تكون وحدها هى التى تتحرش بنحو 99٪ من نساء مصر فى المدن والقرى.
نحتاج إذن لدراسة قومية نعرف منها من هم المتحرشون بالضبط، من أى فئة ومن أى عمر وفى أى شريحة اجتماعية واقتصادية وتعليمية وعملية، فمازالت الدراسات التى تتوجه للذكور حول هذه «الظاهرة» محدودة، ولا تبحث فى الغالب عن الأسباب العميقة وراء التحرش، وتكتفى أحيانا بذكر أسباب تبدو غير مقنعة ولا توافق الواقع، منها أن ملابس الفتيات الضيقة والمثيرة هى السبب، وهو ما لايتفق مع تعرض 99٪ من النساء للتحرش.
 
إن معرفة الأسباب وتحديد أشكال التحرش الأكثر انتشارا وفئة المتحرشين.. هى أول الطرق نحو المواجهة الصحيحة والحل.. وبدون هذا لن تخرج القضية عن حدود الكلام.
 
«التحرش الجماعى» هو جزء مهم من الظاهرة، يحتاج لدراسات معمقة حوله، وتتبع عميق للكيفية التى يحدث بها، وأسبابه، والتوقيت الذى يحدث فيه، وكيف تدبر مجموعة متحرشين لعملية تحرش جماعى، وما العلاقة التى تجمع بين هؤلاء، وما علاقتهم بالمجنى عليها، وهل يوجد شخص أو جهة تدبر لهذا النوع الغريب من التحرش، ليظهر بالشكل اللافت والمثير للجميع وخاصة لوسائل الإعلام وللمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
 
هل كانت واقعة التحرش الجماعى الشهيرة التى حدثت مع الراقصة دينا فى عيد الفطر عام 2006 خلال تقديمها لرقصة دعاية لفيلمها أمام إحدى سينمات وسط القاهرة، هى واقعة التحرش الجماعى الأولى فى مصر، وهل كانت عفوية أم مدبرة؟
 
أم هل كانت عفوية، وتحولت إلى سلاح يستخدمه أصحاب مصالح، بعد أن استطاع هذا السلاح أن يحدث نتائج أسعدت أصحاب مصالح فى الداخل أو فى الخارج، لتصبح الأعياد والمناسبات التى يقضى فيها الكثيرون عطلاتهم فى مصر موعدا للتحرش؟!
 
تصوير وقائع التحرش وبثها عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعى، هو أيضا فى حاجة إلى تفسير وتتبع متعمق من قبل المراكز البحثية الاجتماعية القومية.
 
الكثير من هذه الصور والفيديوهات يطرح تساؤلات أكثر مما يجيب، فمن هو هذا الشخص الذى يصور مثل هذه الوقائع، ولماذا لا ينقذ المجنى عليها أو يردع الجناة، وما الذى يستفيده من هذا التصوير أو «التوثيق» ولماذا لم يمنعه الجانى - أو مساعدوه فى حالة التحرش الجماعى- من التصوير إذا كان يخشى افتضاح أمره أو أمرهم؟
 
تأمل بعض فيديوهات التحرش الأخيرة، سواء منها ما حدث فى الشارع أو داخل جامعة القاهرة مثلا، هى أقرب إلى تصوير المخرجين المحترفين، الذين يتتبعون حركة المجنى عليها قبل وقوع الجريمة «وكأن الأمر مرتب أو متوقع»، ثم تصوير الجريمة نفسها من زوايا تظهر الكثير من تفاصيل الواقعة، فمن الذى يقوم بهذا وما مصلحته، وهل هو مجرد أداة للنشر، أم مشارك فى تدبير الجريمة، وهل هناك جهة أو شخص من مصلحته نشر هذه الفيديوهات، وما هى هذه المصالح و.. و..؟
أسئلة أخرى تحتاج إلى إجابات علمية.
 
لماذا تتعثر جهود مناهضة التحرش من قبل المنظمات غير الحكومية التى تعلن عن تبنيها لحملات ضد التحرش، تظهر بقوة قبل المناسبات والأعياد وتختفى بعدها.
 
ولماذا تتعثر أيضا الجهود الحكومية فى نفس الاتجاه، ولماذا تجتمع الجهتان معا أمام شاشات التليفزيون، لتعلنا عن تعاونهما فى مواجهة التحرش، ثم لا نجد شيئا ملموسا بعدها.
 
الإجابة عن كل هذه الأسئلة، لن تساعد فقط فى الكشف عن أسباب التحرش وفئة المتحرشين وما وراء هذه الظاهرة، ولكنها أيضا يمكن أن تكون نواة لرسم الخريطة الاجتماعية المصرية الآن، والتى يتحدث عنها الكثيرون دون أدلة علمية أو معرفة حقيقية.