الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

كل شىء يمر عبر القاهرة

نجح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى إعادة بلورة دور مصر الخارجى، فأصبحت مصر تلعب أدوارًا فاعلة على المستويات الإقليمية والدولية والعالمية، فلم يعد دورها مقصورا على المساهمة فى إنهاء الأزمات فى المنطقة العربية وإعادة الاستقرار، بما لها من قوة ومكانة، وما يضيفه لها موقعها الجغرافى ودورها التاريخى، وإنما امتد دورها إلى القضايا العالمية، وكان نجاح مصر فى استضافة وتنظيم مؤتمر COP27 فى نوفمبر الماضى هو تأكيد لحالة الاستقرار الداخلى الوطنى، عبر استضافة أكثر من 110 من قادة وزعماء العالم ورؤساء الحكومات، ونحو 40 ألف مشارك، فى تجمع عالمى قل نظيره، خاصة بعد فترة الإغلاق العالمى بسبب كورونا، وفى ظل حالة الاستقطاب الدولى، على أثر الحرب الروسية -الأوكرانية، وبعد سنوات مرت على الدولة المصرية، خاضت خلالها حربًا شديدة ضد قوى الإرهاب فى الداخل وبالإقليم.



 

احتفاء أمريكى بمشاركة الرئيس السيسى فى القمة الأمريكية الأفريقية
احتفاء أمريكى بمشاركة الرئيس السيسى فى القمة الأمريكية الأفريقية

 

ومن خلال ذلك، تؤكد القاهرة أن الرهان الأساسى هو على استقرار الدولة المصرية، التى يعتبر استقرارها بالغ الأهمية للاستقرار الإقليمى والأمن العالمى، لأنها فرضت معادلات أمنية وسياسية يمثل الإخلال بها إخلالًا بأسس وتركيبة الأمن الإقليمى. ويؤكد الحضور العالمى الكثيف فى شرم الشيخ الدعم الدولى لاستقرار مصر، كما يعنى انعقاد القمة والاتفاقيات والمبادرات التى شهدتها مصر خلالها تأييدًا واسع النطاق لاستقرار الدولة المصرية، بعد التحديات التى واجهها اقتصادها فى الأشهر الأخيرة على أثر الحرب الدولية الجارية. ولا شك فى أن المؤتمر مثل فرصة لمصر لتقديم شهادتها إلى العالم بشأن تجربة البناء الوطنى على مدى السنوات الماضية.  

كما أكد على أن مصر، ليست فقط مركزا لوجستيًا اقتصاديًا أساسيًا فى خدمات المواصلات وسلاسل الإمداد، وإنما كمركز لوجستى فنى فى التحضير للقمم والمؤتمرات الدولية وتنظيمها وقيادة جهد دبلوماسى دولى، لأجل القضايا النوعية الجديدة فى السياسة الدولية، وإدارة جهد دولى للتواصل العالمى على أيدى شباب مصر. وفى ظل منافسات إقليمية شديدة فى تقديم هذه الأنماط من الخدمات التى تعزز السياحة عامة وسياحة المؤتمرات بشكل خاص، تؤكد مصر قدرتها على تقديم خدمات مطورة، تتشابك فيها المؤتمرات السياسية بالسياحة الثقافية والأثرية، بسياحة المعالم الجديدة للنهضة المصرية، فى ظل مجتمع يتحول. لذلك، وكما أشار البعض، فإن الإعلان الميدانى على الأرض، والتفاعلات المباشرة التى جرت بالمؤتمر تفوق فى قيمتها مليارات الدولارات، وأنه لم يكن لحصاد عشرات الإعلانات أن تحقق ما حققه مؤتمر COP 27 بشرم الشيخ. ويرسخ كل ذلك موضع مصر الجيوسياسى الإقليمى.

 

علاقات وطيدة مع فرنسا
علاقات وطيدة مع فرنسا

 

 

قيادة إفريقيا

وعن القارة الإفريقية فقد عكس الخطاب المصرى خلال قمة شرم الشيخ، التركيز الكبير على القارة الإفريقية، وحديث مصر باسم إفريقيا، باعتبار أن مصر تقود العمل الأفريقى فى استخدام الهيدروجين الأخضر. ولقد استعرضت القيادة المصرية الآثار السلبية للتغير المناخى على بلدان القارة السمراء، وذلك تكريسًا لاستراتيجية قيادة القارة الإفريقية فى المحافل الدولية فى هذا الخصوص.

ولقد انعكس ذلك، فى دفع الرئاسة المصرية -فى سياق تجربتها الخاصة حول العمل التنموى والإنمائى الأهلى الوطني- بمبادرات مثيلة لصالح العمل المناخى ودعم الدول الإفريقية، منها 13 مبادرة، تعكس بعض مسمياتها تأثرها بنظيراتها المصرية، من ذلك المبادرات بشأن: الانتقال العادل والميسر للطاقة لإفريقيا، حياة كريمة لإفريقيا، وتكيف المرأة الإفريقية، ومبادرة مخلفات إفريقيا لعام 2050، وأصدقاء تخضير الموازنات الوطنية للدول الإفريقية والنامية.

إن مصر تبنت قضايا قارة إفريقيا فى «يوم التمويل» فى إطار استعدادها لهذا اليوم جمعت مصر فى لقاء قارى بالقاهرة وزراء المالية والبيئة الأفارقة، وتم تنسيق الموقف الأفريقى وبلورة رؤية موحدة للتعامل مع التبعات البيئية والاقتصادية للتغيرات المناخية.

ووفق اهتمامات مصر بتمثيل القارة الإفريقية، شهدت هذه النسخة (COP 27) من مؤتمرات المناخ للمرة الأولى، تخصيص «يوم إفريقيا»، الذى وافق يوم 14 نوفمبر، ليكون معنيًا بأفكار الشباب الإفريقى وكل الكيانات التى تمثل القارة السمراء، لتكون فرصة لسماع صوتهم، وإرسال رسالة واضحة لكل أنحاء العالم مفادها أن القارة الإفريقية رغم أنها أقل القارات تأثيرًا على ملف التغيرات المناخية بنسبة لا تتجاوز 4 %، فإنها واحدة من أكثر المناطق تعرضًا وتضررًا من التبعات السلبية للتغيرات المناخية.

 

تعاون مستمر مع اليونان وقبرص
تعاون مستمر مع اليونان وقبرص

 

أما على الصعيد الإقليمى، فتحرص مصر على المشاركة فى الجهود الدولية لإنهاء الأزمات، من خلال حضور الاجتماعات والمؤتمرات الدولية التى تعقد من أجل تسوية هذه الأزمات، وتتخذ موقفًا رسميًا داعمًا لجهود الأمم المتحدة المتعلقة بالمصالحة والحوار والتسوية.وتتبع مصر سياسة استراتيجية تقوم على مساعدة الدول العربية لتخطى أزماتها بما يحقق الأمن والاستقرار فى المنطقة وانعكاس ذلك على الأمن القومى المصرى، مع التأكيد على مبدأ تسوية المنازعات بالطرق السلمية، وينطبق هذا المبدأ على قضايا رئيسية كالقضية الفلسطينية التى قامت الدبلوماسية المصرية فيها بجهد ناجح لوضع المصالحة الوطنية الفلسطينية موضع التطبيق.

لا شك أن المنطقة العربية أكثر بقاع العالم عرضة لمخاطر تفكك الدول الوطنية وما يعقبها من خلق بيئة خصبة للإرهاب وتفاقم الصراعات الطائفية، ويعد الحفاظ على قوام الدولة وإصلاحها أولوية أساسية لسياسة مصر الخارجية فى المنطقة العربية، فلا مخرج من الأزمة فى سوريا واليمن، إلا باستعادة الدولة الوطنية، والحفاظ على سيادتها وسلامة مؤسساتها وتحقيق التطلعات المشروعة لمواطنيها، ومصر فى طليعة الداعمين للحل السياسى الذى تقوده الأمم المتحدة فى هذين البلدين الشقيقين، وترفض مصر أى استغلال لأزمات الأشقاء فى سوريا واليمن كوسيلة لتحقيق أطماع وتدخلات إقليمية، أو كبيئة حاضنة للإرهاب والتطرف والطائفية.

وفى سوريا عندما اتخذت الأزمة الاتجاه الرامى إلى التهدئة لعبت مصر دور الوساطة بين الأطراف الدولية والجيش الوطنى السورى وفصائل المعارضة فيما عدا ما يسمى بـ «جبهة النصرة» وفيلق الرحمن لاستبعاد مصر الفصائل المصنفة ضمن التنظيمات الإرهابية المتطرفة، ويحكم العلاقات المصرية السورية عدد من الثوابت أهمها التأييد المطلق لحل الأزمة بشكل سياسى سلمى.

ويتسم الموقف تجاه الأزمة اليمنية بالثبات منذ اندلاع الصراع، حيث تدعم مصر المؤسسات الشرعية ورموز الدولة فى اليمن وتشدد على ضرورة التزام أطراف الصراع فى اليمن بالحل السياسى المبنى على أساس المبادرة الخليجية وآلياتها وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، باعتبار أن أمن الخليج العربى جزء لا يتجزأ من الأمن القومى، ولتأمين المصالح المصرية فى مضيق باب المندب.

والمبدأ نفسه ينطبق على سياسة مصر تجاه الأزمة الليبية، التى تضطلع مصر فيها بدور مركزى لدعم إعادة بناء الدولة، خاصة فيما يتعلق بتوحيد المؤسسة العسكرية لتوفير بنية قادرة على الدفاع عن ليبيا ومواجهة مخاطر الإرهاب، وتعمل مصر على مستويات عدة تجاه الأزمة الليبية، أولها يتعلق بالشق الأمنى بتأمين المناطق الحدودية ومراقبة نشاط التنظيمات الإرهابية، للحفاظ على تأمين الشريط الحدودى. كما تعمل مصر أيضًا على منع تحول ليبيا إلى بؤرة جديدة لاستقطاب الإرهابيين والمتطرفين فى المنطقة، خاصة فى ظل الخسائر التى منى بها تنظيم داعش فى كل من العراق وسوريا وخسارته لمساحات شاسعة كان يسيطر عليها جغرافيا.

 

نجاح باهر لقمة COP27 فى شرم الشيخ
نجاح باهر لقمة COP27 فى شرم الشيخ

 

فاعلية دولية

وعلى صعيد الأزمات الدولية فحجم الاتصالات واللقاءات والاجتماعات والزيارات للرئيس عبدالفتاح السيسى خلال الأشهر الماضية، كلها تشير إلى فاعلية الدور المصرى إقليميًا ودوليًا، إذ تجدر الإشارة إلى أنه كان هناك اتصال هاتفى بين الرئيس الروسى بوتين والسيسى عقب اندلاع الأزمة فى أوكرانيا، كذلك تلقى الرئيس السيسى اتصالين هاتفيين من الرئيس الأوكرانى خلال أسبوع واحد، أضف إلى ذلك لقاءات القمة التى شارك فيها الرئيس السيسى، ففى العقبة الأردنية عقد العاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى لقاء رباعيا يضم ولى عهد أبو ظبى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس عبدالفتاح السيسى ورئيس الوزراء العراقى ومصطفى الكاظمى، وقبلها استضاف الرئيس فى شرم الشيخ قمة ثلاثية جمعته مع ولى عهد أبوظبى ورئيس وزراء إسرائيل.  كل تلك الأحداث التى تشهدها مصر وتواصل الرئيس السيسى مع جميع قادة العالم تؤكد على مبدأ واحد وهو أن مصر دائما داخل المشهد الدولى والإقليمى. الكل يريد الاستئناس بالرؤية المصرية ويستجلى موقفها تجاه الأحداث، بل لا أبالغ إذا قلت إن دولًا فى العالم تنتظر موقف مصر ورأيها وسياساتها لكى تتخذ قراراتها وتحدد موقفها.

فمع بدء الأزمة الأوكرانية سعت أطراف عدة لإدخال مصر فى الصراع والدفع بها للانحياز لطرف على حساب طرف آخر، لكن سياسة مصر الخارجية كانت دائما نموذجًا فى الاعتدال والتوازن، وكانت مصر دائما ترفض فكرة الأحلاف والتحالفات التى من شأنها إدخال العالم فى حالة صراع لا تعاون، نتذكر جميعا موقف مصر إبان اشتداد الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقى بزعامة الاتحاد السوفيتى والغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وكيف كان لمصر دور فى تأسيس حركة عدم الانحياز عام 1955، واستطاعت تلك الحركة أن تحدث قدرًا من التوازن والاحتواء فى العالم. وهذا ما أكد عليه سامح شكرى وزير الخارجية أثناء مشاركته فى اجتماع النقب الذى عقد يوم 28 مارس الماضى بأن مشاركة مصر فى الاجتماع، ليست من أجل بناء تحالف فى المنطقة ضد طرف معين.

 إن سياسة مصر الخارجية تعتمد دائمًا على عدة مبادئ وهى: عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، احترام سيادة واستقلال الدول، وأن أى إجراءات أو عقوبات تكون تحت مظلة الأمم المتحدة ووفقا لقواعد القانون الدولى كذلك احترام الاتفاقيات الدولية. وهو ما أكدت عليه مصر خلال الأزمة الأوكرانية حين طالبت بعض الدول الغربية مصر بإغلاق قناة السويس أمام السفن الروسية، أضف إلى ذلك ما أشار إليه البيان الصادر عن وزارة الخارجية المصرية والذى تطرق إلى رفض استخدام سياسة العقوبات خارج الأمم المتحدة وكان هذا ردا على بيان سفراء مجموعة الدول الصناعية السبع فى القاهرة الذين طالبوا فيه مصر بإدانة العملية العسكرية الروسية والانضمام لهم فى العقوبات التى فرضت على روسيا.

كل تلك التفاعلات والمحاولات الحثيثة من جانب القوى الدولية والعالمية لاستقطاب مصر لصالح طرف على حساب الآخر ؛ تشير إلى أن معطيات القوة المصرية التى سعى الرئيس السيسى إلى تجميعها وتطويرها والمحافظة عليها أصبح يحسب لها ألف حساب من جانب دول العالم وتؤكد على عودة مصر لدورها الإقليمى والدولى، وصمام أمان واستقرار المنطقة والإقليم، سياسات ثبت مع مرور السنوات نجاعتها ونجاحها، فتسليح الجيش بأحدث الأسلحة وتطويره لكى يحتل مركزا متقدما بين جيوش العالم، إضافة إلى سياساته فى منطقة شرق المتوسط وترسيم الحدود مع قبرص والتركيز على قطاع الطاقة من خلال الاتفاقيات والشراكات التى وقعت بين مصر وقبرص واليونان، وإنشاء آلية للتعاون بين الدول الثلاث فى عدة مجالات جعلت من مصر مركزا إقليميًا للطاقة والغاز، ودفعت الأوروبيين الآن للتوجه لمصر والطلب منها تصدير الغاز الطبيعى تعويضا عما أحدثته الحرب فى أوكرانيا من نقص فى إمدادات الغاز الروسى للدول الأوروبية.

فمصر الآن تمتلك بنية أساسية فى قطاع الغاز الطبيعى تمكنها من تسييل غاز المنطقة والإقليم فى معاملها وإعادة تصديره مرة أخرى، فهى تمتلك ميزة مطلقة فى المنطقة.

إن استضافة مصر لقمة المناخ وحضور الرئيس عبدالفتاح السيسى ومشاركته فى القمم الدولية مع القادة والزعماء واستضافته لقمم مع زعماء العالم؛ خير دليل على أن مصر بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى - انتقلت من الإقليمية إلى العالمية - ولم لا؟ مصر الآن لديها رصيد سياسى وحضارى وثقافى وعسكرى يمكنها من النهوض والحركة، الآن أصبح صوت الدولة المصرية أقوى وصداه يتردد فى العالم كله، العواصم العالمية أصبحت تنتظر ما يعلن عنه الرئيس فى خطاباته، كلماته، تحركاته، سياساته، إنها مرحلة جديدة لمصر «الجمهورية الجديدة».