الثلاثاء 8 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

كيف ينقذ الهيدروچين الأخضر كوكب الأرض؟

إذا كان تغيُّر المُناخ يعتبر تحدى القرن الـ21 الذى يواجهه العالم، فمن شأن الهيدروچين أن يشكل «الحصان الرابع» الذى يفاجئ الجميع بكونه حلًا ناجعًا غير متوقع.



حتى الآن؛ لم يحظ هذا المَصدر الجديد للطاقة النظيفة على مستوى العالم باهتمام كبير بالمقارنة مع خيارات أخرى ترمى إلى خفض انبعاثات الغازات الدفيئة، من قبيل السيارات المزودة بالألواح الشمسية أو تلك الكهربائية، ولكن هذه الحال تتغير بسرعة. هكذا نجد أن الأموال واليد العاملة تتدفق إلى شركات ومشاريع وبنى تحتية متخصصة فى الهيدروچين، وتركز كلها تقريبًا على إنتاج إمدادات من الهيدروچين تطلق مقدارًا ضئيلًا أو معدومًا من الكربون، وذلك بفضل أوجُه تقدم عدة سريعة وعميقة على صعيدى التكنولوچيا والسياسات.

منذ 2020؛ أعلنت الشركات المطورة لتقنيات الطاقة حول العالم إطلاق ما يربو على 150 مشروعًا جديدًا لإنتاج الهيدروچين، وباتت تتجاوز الآن 250 جيجا وات/ ساعة من إنتاج الطاقة الجديدة (نحو عشرة أضعاف الطاقة المتجددة التى أنتجتها الصين العام الماضى، وثلاثة أضعاف إضافات الطاقة المتجددة حول العالم بأسْره).

 

الهيدروجين الأخضر مستقبل الطاقة النظيفة
الهيدروجين الأخضر مستقبل الطاقة النظيفة

 

بطبيعة الحال، تسهم السياسة العامة فى هذا التحول.

فى أقل تقدير، صاغ 35 بلدًا حول العالم استراتيچيات رسمية محددة بشأن الهيدروچين، من بينها كندا وتشيلى وألمانيا والهند واليابان وهولندا ومصر وقطر والمملكة العربية السعودية والمملكة المتحدة. وترى تلك البِلْدان أن الهيدروچين النظيف عامل ضرورى فى التصدى لأزمة تغيُّر المُناخ وفرصة هائلة بالنسبة إلى القدرة التنافسية التجارية.

حتى وقت قريب، استخدم الهيدروچين بشكل رئيس فى صناعة الأمونيا وأنواع الوقود المكرر، يأتى معظم هذا الهيدروچين من عمليات تستخدم الوقود الأحفورى، ومن دون اعتماد أى تدابير لخفض الانبعاثات، فتضيف 500 مليون طن من ثانى أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوى سنويًا، أو نحو واحد فى المئة من مختلف انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى العالمية.

وعلى النقيض من ذلك؛ يتجه معظم الحماسة والاستثمار اليوم نحو استخدام الهيدروچين كوقود قائم بحد ذاته أو فى صُنع وقود جديد نظيف يراعى البيئة.

اتجاه دول عديدة للاستفادة من الطاقة الشمسية على رأسها مصر
اتجاه دول عديدة للاستفادة من الطاقة الشمسية على رأسها مصر

 

وبدلًا من اللجوء إلى عمليات قديمة تضخ ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، ينصب التركيز على صُنع الهيدروچين «الأخضر»، بحسب تسميته.

وتأتى هذه التسمية من أن عملية استخراج هذا النوع من الهيدروچين تستخدم الكهرباء النظيفة المتولدة من طاقة الشمس أو الرياح أو الماء أو الطاقة النووية، بدلًا من الوقود الأحفورى.

وتستخدم تلك الطاقة النظيفة لتقسيم الماء إلى مكونيه الأساسيين، أى الهيدروچين والأوكسچين.

يتسم هذا التوجُّه بالبساطة؛ إذ يشرح فى صفوف الكيمياء حول العالم، ولا يتطلب أى عملية إحراق وقود، ويحتوى على قليل من الأجزاء المتحركة.

ويؤدى الاستثمار فى هذه التقنيات إلى وضع الهيدروچين الأخضر فى مركز الصدارة بالنسبة إلى الإنتاج المستقبلى للوقود النظيف المتاح على نطاق واسع.

قبل خمس سنوات، كانت هذه الحماسة بشأن الهيدروچين الأخضر ستفاجئ كثيرين من خبراء الطاقة والمناخ، ممن رأوا أن الهيدروچين لاعب غير مرجَّح فى مجموعة مصادر الطاقة المتنوعة فى المستقبل.

 

فى الاقتصادات السابقة؛ تعذر على الهيدروچين الدخول فى منافسة مع غيره من أشكال الوقود.

ويرجع ذلك ببساطة إلى كونه باهظ الثمن كطاقتَى الشمس والرياح، فيما البدائل متوافرة، من بينها الفحم والغاز الطبيعى والنفط الخام.

فى المقابل؛ ركزت المحاولات المبكرة التى رمَت إلى جعل الهيدروچين جزءًا أكبر من الاقتصاد، على استخدامه فى السيارات، ما كان سيتطلب تغييرات شاملة فى ضخ ذلك الوقود عبر بنية تحتية من الأنابيب والمحطات وأرضيات المصانع.

تحفز أهمية التصدى لتغيُّر المُناخ الاهتمام بالهيدروچين، فى حين أن تدابير جديدة للسياسة العامة، إلى جانب التقدم التكنولوچى الملحوظ، تجعل إنتاجه حقيقة عملية. التزم أكثر من 137 بلدًا ببلوغ «الصفر الصافى» من الانبعاثات مع حلول 2050.

ويعنى ذلك أن تلك البِلدان ستخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحرارى إلى نحو الصفر وتعوض كل ما يتعذر منع انبعاثاته من طريق زراعة الأشجار أو إزالة الكربون من الغلاف الجوى بوسائل أخرى.

وتقدم شركات كبرى تعهدات مماثلة، فقد عزم أكثر من 320 شركة بالوصول إلى الصفر الصافى بحلول 2040. وراء هذه الوعود حسابات مناخية بسيطة قوامها أن تحقيق الاستقرار فى تغيُّر المُناخ على المستويات كافة، يفرض على القطاعات جميعها فى كل مكان، بما فيها الكهرباء والنقل والأغذية والتصنيع، الوصول إلى الصفر فى الانبعاثات فعليًا، وأن تبقى عند هذا المستوى إلى الأبد.

يعمل هذا الحساب الجامد على تحفيز إنتاج كميات هائلة من الهيدروچين الأخضر بهدف خدمة تلك الأهداف. وفق تقديرات «وكالة الطاقة الدولية»، يتعين أن يزيد إنتاج الهيدروچين الأخضر العالمى 400 ضعف مع حلول 2050 كى يكون صافى الانبعاثات الصفرية ممكنًا.

 

مشروعات الغاز فى مصر تراعى متطلبات التنمية المستدامة
مشروعات الغاز فى مصر تراعى متطلبات التنمية المستدامة

 

إضافة إلى الأهداف المناخية الطموحة، يسهم التقدم التكنولوچى فى التحول إلى الهيدروچين الأخضر، وتتمثل النقطة الأهم فى هذا الصدد، بأن التراجع الكبير فى كلفة توليد طاقة الرياح والشمس، يفسح المجال أمام الارتقاء فى إنتاج الهيدروچين الأخضر إلى نطاق الممكن سياسيًا.

وأخيرًا؛ لقد صار وعد الهيدروچين الأخضر موضع تركيز، وفى سبيل تحقيق الإمكانات الكاملة للهيدروچين الأخضر فى مكافحة تغيُّر المُناخ، يتحتم على البِلدان المختلفة أن توظف استثماراتها فى البنية التحتية.

بالنظر إلى كونه وقودًا نظيفًا، يكتسى الهيدروچين أهمية استثنائية. إذ يحترق عند درجات حرارة عالية تساوى 2100 درجة مئوية. وتكفى تلك الحرارة لصنع الأسمنت والزجاج والصلب. إنه خفيف جدًا؛ بل الأخف وزنًا فى الكون، ما يساعد فى الحفاظ على كفاءته كوقود للنقل. وحينما يستخدم فى خلية وقود؛ فإنه يولد الكهرباء عند الطلب.

كذلك يتحد الهيدروچين الأخضر مع مُرَكبات أخرى فى صُنع أسمدة وبلاستيك وأنواع سائلة من الوقود. والأهم بالنسبة إلى الحد من آثار تغيُّر المُناخ، أن هذه الاستخدامات لا تصدر أى غازات دفيئة مباشرة، ما يجعل من الهيدروچين وقودًا مستهدفًا ومخزونًا أساسيًا فى اقتصاد خالٍ من الانبعاثات. يضاف إلى ذلك أن حرق الهيدروچين ينتج ماءً صالحًا للشرب، أو لإعادة تدويره إلى هيدروچين. 

وبمجرد عزل الهيدروچين، يمكن أن يكون بمثابة لبنة أساسية لإنتاج أنواع أخرى من الوقود النظيف، أهمها الأمونيا التى تمثل «حصانًا رابحًا» آخر فى سباق إزالة الكربون.

يُعتبر الهيدروچين أيضًا حَجَر الأساس فى الأسمدة ومنتجات مهمة أخرى، من بينها المتفجرات وسوائل التنظيف. ولما كان فى المستطاع  تخزين الهيدروچين والمنتجات المشتقة منه فى الخزانات ومناجم المَلح إلى أجل غير مسمى، يَضحَى فى مقدوره تلبية الزيادات الحادة فى الطلب أثناء التغيُّرات الموسمية فى الطاقة، مع البقاء على أهبة الاستعداد فى محطات الشحن.

فى النقاشات عن تغيُّر المُناخ، يوصف الهيدروچين بأنه يشبه بـ«سكين الجيش السويسرى» المتعدد الوظائف. إذ ينطوى على استخدامات محتملة فى توليد الكهرباء، والنقل، والأعمال التجارية الزراعية. ولكن التطبيق الواعد للهيدروچين الأخضر، يبقى متمثلًا فى الصناعة الثقيلة. يُعتبر تصنيع الخرسانة والصلب والمواد الكيماوية مَصدرًا كبيرًا للانبعاثات العالمية.

ويقدم مصنع «هيبريت» العالمى،  مختصر عبارة «اختراق فى تكنولوچيا الهيدروچين لصناعة الحديد» الأخضر، مَثلًا على ما يمكن أن يبدو عليه المستقبل. إذ إن «هيبريت مصنع فولاذ فى السويد نجح فى إنتاج فولاذ أول باستخدام الهيدروچين الأخضر».

 يمثل «هيبريت» نجاحًا هائلًا إلى حد أن شركة الصلب الوطنية السويدية أعلنت أنها ستستبدل بجميع أفران الصهر بأنظمة تعمل بالهيدروچين الأخضر.

ولعل سر نجاح الهيدروچين الأخضر يتمثل فى سعره النهائى. ويتفق معظم الخبراء على أن الفترة الممتدة بين 2030 و2040، ستشهد إنتاج الهيدروچين الأخضر فى كثير من الأسواق الرئيسة بسعر أقل من دولارين للكيلو. (نقلًا عن فورين أفيرز)