الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عقدة الماضى!

ماضى شريك الحياة من الأمور المؤرقة لكلا الطرفين؛ سواء كان معلومًا أو مجهولًا، فى كل الحالات يظل يطارد الطرفين خوفًا من انكشافه وخوفًا من تداعيات الاعتراف به، ولا شك أن هناك فقاعة ضخمة اسمها الماضى العاطفى وخصوصًا للمرأة.



 

وكثيرة هى المشاكل التى تأتى من الماضى بين الأزواج، والبحث فى ماضى الزوج أو الزوجة يمكن أن يكون سببًا فى تدمير الحياة الزوجية، فالماضى العاطفى لا يؤدى فقط إلى لوم مستمر، بل إلى فتح باب سوء الظن والشك السلبى مستقبلاً، وقد يزيد من تعقيدات الحاضر.

 وبعض الأزواج قد يكون لهم علاقات قبل الزواج، غالبًا فإن الخوض فيها مهدد للحياة الأسرية، ومهما كانت بساطة هذه العلاقات فإنها قد تسبب أزمات ضخمة إذا استدعيت إلى الحاضر.

صباح الخير طرحت هذا الموضوع على عدد من الخبراء لمعرفة كيف يمكن التصرف حيال بعض هذه النماذج وماذا تكون ردة فعل الزوج تجاه زوجته فى حال اكتشافه ماضيها العاطفي؟ أسئلة نبحث لها عن إجابات فى السطور الآتية.

الثقة والصراحة

الدكتور حسن الخولى، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس أكد على أنه لا يوجد إنسان طبيعى من دون ماض عاطفى، ويظل عالقًا فى ذهنه ويسترجعه من وقت لآخر، وهذا أمر طبيعى جدًا، ولكن لا يجب أن يكون مصدر إزعاج وتوتر فى الأسرة، مضيفا أن بعض الفتيات يرتبطن كما الرجل بتجارب قبل الزواج لم يكتب لها النجاح، مثل تبادل المحبة والإعجاب مع أحد الأشخاص، ولكن ما إن يعلم الزوج حتى تتملكه الظنون التى تفسد علاقات بأكملها أحيانًا ويكون مصيرها الطلاق؛ لذلك يمكن أن تخبر الزوجة زوجها بالعلاقات الرسمية فقط، ويلزم أن نحذر من هذه الخطوط الحمراء لدى الآخر فمن غير المسموح تجاوزها.

وفى الوقت نفسه؛ فإن الصراحة مهمة جدًا عندما يتعلق الأمر بمصلحة الزواج ومستقبله، وإذا كانت العلاقة قائمة على الثقة من الأصل فتزداد قوة؛ فالثقة المتبادلة والمحبة والصراحة تمنع الشكوك، ولكن من الأفضل عدم التفتيش فى الماضى، وعليهما أن يبدآ حياتهما بالبحث عن القضايا التى تبنى سعادتهما وتخلق الثقة المتبادلة بينهما؛ وليس التى تزرع الشكوك والخلافات فى قلبيهما.

وأضاف إنه إذا كان ماضى المرأة التى خطبت يهز تفكير زوجها الحالى فإن ماضى المطلقة يهز كيانه بالكامل، وأكبر خطر تواجهه المرأة المطلقة التى تزوجت من رجل آخر هو فتح صفحة العلاقة الحميمة مع الزوج!

وتابع: هناك رجال يؤكدون فى البداية أنهم لا يهتمون بماضى المرأة المطلقة، وهم مستعدون للزواج من مطلقات، ولكن بمجرد أن تصبح هذه المطلقة على ذمته يتغير موقفه، وتبدأ التخيلات الفارغة بغزو رأسه، والتلاعب بعواطفه، ويتصور الأشياء كما لو كانت تحدث الآن، فيتحول الماضى إلى الحاضر، ما يؤدى إلى تعقيدات غير قابلة للحل نتيجتها فى الأغلب هى الطلاق.

تصرف غير منطقى

وقال الدكتور محمد رضا الفقى، أستاذ الطب النفسى بالأكاديمية الطبية العسكرية: إن الزواج على المستوى العملى هو ارتباط وعقد؛ والعقد شريعة المتعاقدين؛ وليس له صلة بالعقود السابقة، ولكننا شعوب عاطفية والتفتيش فى الماضى العاطفى لأحد الطرفين يسبب مشاكل، فيشعر أن حبه وارتباطه به ليس خالصًا وأنه لا يزال فى ذهنه وعاطفته ووجدانه بقايا هذا الماضى، مما ينعكس سلبًا على الحياة الزوجية مستقبلًا.

ويضيف: قد يكون لدى أحد الزوجين ماض عاطفى لا يتحدث عنه، ويحاسب الطرف الثانى على أى شيء يعرفه عن ماضيه، ولكن لا يجوز أن أرتبط بإنسان فى سن الأربعين وأحاسبه على حب عاشه فى سن العشرين؛ فهذا غير منطقى بالمرة.

ويرى أن المصارحة من باب المحاسبة أمر غير منطقى ويشوبه عدم نضج؛ ما زال مرتبطًا بمجتمعاتنا، التى بها كثير من عدم النضج الانفعالى والاندفاعية، أما إذا كانت المصارحة من باب المعرفة بالماضى وبداية صفحة جديدة؛ فليست هناك مشكلة، ولكن ذلك يعتمد على طبيعة شخصية كل طرف؛ من باب فهم الطرف الآخر لتقرير الارتباط من عدمه.

وقالت الدكتورة إيمان عبدالله، خبيرة الإرشاد الأسرى، إن الرجل يفكر فى ماضى الزوجة بشكل أكبر من المرأة؛ لأنه مرتبط لديه بمنظومة أخلاقية وبنسق مجتمعى تغذيه ثقافة هذا المجتمع وتقاليده، إلا أن مدة التفكير قد تستغرق عمر المرأة كله، والمعتاد لدى النساء أن يشككن فى إخلاص الرجال ونزاهتهم ولو ذهنيا، فلا يأمنون أذهانهم وذكرياتهم ومدى حنينهم للعلاقات القديمة.

 

د.إسماعيل صابر- د.إيمان عبدالله- د.أحمد علام
د.إسماعيل صابر- د.إيمان عبدالله- د.أحمد علام

 

وأضافت أن كثرة التفكير فى ماضى شريك الحياة تخلق هاجسًا، ويترسب فى الوجدان كعقدة، وكل تصرف أو حركة أو كلمة يصدرها يحيلها إلى ماضيه؛ فأى شيء يعتز به الزوج قد يكون هدية من حبيبته القديمة، وإن وجدها تشاهد أغنية قديمة يظن أنها كانت تسمعها مع حبيبها القديم، ولكن المنطقى أنه يمكن فقط محاسبة شريك الحياة منذ يوم التعارف والارتباط، كما أن الغيرة من شخصية موجودة فى الحاضر تكون منطقية.

وأضافت «عبدالله»، أن بحث أحد الزوجين فى خبايا وأسرار ماضى شريك الحياة يجعل الحياة الزوجية بائسة وحزينة يسودها الملل والمتاعب والمشاحنات والغيرة والشك والتجسس والتربص للآخر وتصيُّد أخطائه، ويسبب البعد عن المهام والواجبات الأساسية مع شريك الحياة وإهماله، وفقدان الثقة والشعور بالأمان، وبالتالى تدمير الحياة الزوجية فى نهاية المطاف.

وتنصح خبيرة الإرشاد الأسرى، بضرورة الثقة التامة فى شريك الحياة، ما لم يثبت العكس، وعلى الزوجة أن تثق بنفسها، فهذا يجعلها تتأكد بأنها المرأة المثالية بنظره، ولن يعيد ماضيه من جديد كما عليها أن تثق به.

وإذا تحول التفكير فى ماضى شريك الحياة إلى هاجس وشك، ويدفع للتصرف بانفعال وعصبية، ويعرقل ممارسة الحياة بصورة طبيعية، فلا بد من زيارة اختصاصى نفسى أو استشارة إخصائى علاقات زوجية.

وحددت بعض الخطوات كى يتعامل الرجل والمرأة مع ماضى الآخر أولها إنه من أجل التخفيف من مفعول شعور الغيرة، على كل طرف بناء الثقة بنفسك، ويجب العلم أن الشعور بالغيرة هو من نتاج عدم شعورك طرف بالأمان، والشعور بالدونية.

بناء الثقة

وأضافت أنه يجب أن يعامل كل طرف الآخر بالمثل؛ فإذا كانت لا تسأل ولا تهتم بماضيك؛ فينبغى عليك أنت أيضًا أن تعاملها بالمثل، حيث إن المرأة تريد حياة مستقرة، ولذلك فإن من طبيعتها، عدم الاكتراث بماضيك الغرامي.

كما يجب أن يعلم كل طرف أن الزوج أو الزوجة المطلقة لو كانت دائمة التفكير فى زوجها السابق أو زوجته السابقة، فإنها لم تكن لتُطَلق منه، لأنها تريد البقاء مع من تزوج منها والعكس، وإضافة إلى ذلك يلزم نسيان ذكريات الماضى التى لا معنى لها، والتأكد أن الماضى الزواجى، لم يعد له وجود، وأنهما يبدآن حياة جديدة.

 وتابعت: أنه يجب تجنب المقارنة مع الآخرين، هذه المقارنة موجودة فى المخيلة فقط؛ لأنها ربما لا توجد على أرض الواقع؛ ويجب تعلم احترام بناء ثقة جديدة بين الطرفين، ولا يتم إقحام الماضى فى علاقتكما؛ لأن ذلك قد يعكر صفو الثقة المتبادلة.

بينما قال الدكتور أحمد علام، استشارى العلاقات الأسرية والصحة النفسية، إن التقوقع داخل الماضى والكلام والذكريات لفترات طويلة يؤدى للإصابة بالاكتئاب والأمراض النفسية والانتحار؛ حيث يمر كثيرون بتجارب عاطفية أثناء فترة المراهقة أو بعدها، وربما بعد تجربة زواج أو الفشل فى ارتباط بشخصية ما، وكثير منا لا يستطيع التغلب على هذه التجربة أو ذكرياتها؛ وتظل مستمرة معه بعد ذلك.

وقد يؤدى الماضى العاطفى إلى حالات من الانتحار، ولدينا أيضا عدد كبير من حالات الاكتئاب والأمراض النفسية يكون سببها المشاكل العاطفية؛ التى حدثت فى الماضى وتركت أثرًا فى حياتنا؛ بل وأمراضًا عضوية مثل السكر والضغط وأمراض القلب؛ بسبب التفكير والضغوط الخاصة بذلك، ويمكن أن يؤثر على الانتظام فى العمل ويسبب ضعف الإنتاجية، كما يؤثر على الحياة الزوجية الجديدة؛ فيظل أحد الطرفين أو كلاهما يفكر فى الماضى الذى مر به؛ وربما تحدث مقارنات تكون فى صالح الماضى، وربما يعرقل الارتباط فى المستقبل؛ فالموضوع به حالات متعددة. 

 

د.حسن الخولى- د.محمد رضا الفقى- د.مختار مرزوق
د.حسن الخولى- د.محمد رضا الفقى- د.مختار مرزوق

 

خطوات وإجراءات

وأضاف «علام» أن التخلص من التفكير فى ماضى شريك الحياة وتجاوزه، يستغرق بعض الوقت، ويكون بالامتناع عن ذكره كثيرًا مع الناس والتحدث عن أحداث ومواقف وخلافه، والتخلص من كل ما يذكرنا به مثل الصور والهدايا، وعدم الدخول على الفيسبوك والواتس آب وغيرهما، وعدم تتبع تصرفاته وأموره أو الذهاب إلى الأماكن التى تحيى الذكريات العاطفية معه، وكذلك محاولة شغل الوقت بممارسة رياضة أو هواية مفيدة؛ فالفراغ قاتل، وقد يدفع للقيام بأشياء غير منطقية والتفكير دائمًا فى الماضى العاطفى لشريك الحياة، أما إذا كان اليوم مشغولاً، والتركيز على الأهداف، فلن يترك وقتًا للتفكير فى ماضيه.

وينصح بالبعد عن الأفلام والأغانى الحزينة التى تعبر عن تجربة مماثلة؛ حتى لا يظل العقل الباطن مرتبطًا بهذه الشخصية باستمرار، ولا يجب الجلوس على السرير إلا قبل النوم مباشرة؛ حتى لا يكون هناك فرصة للتفكير فى الماضى وتذكره. 

وعند الارتباط يجب التمهل لمدة تزيد على 6 أشهر ليكون الارتباط لشخصية شريك الحياة وليس للمساعدة على نسيان الماضي؛ أو لأنه يشبه شخصية كنت أحبها، ولا يجب عقد مقارنات أبدًا لصالح الماضي؛ حتى لو بداخل الذهن والتفكير.