الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
نافورة بختشى سراى

نافورة بختشى سراى

هى النافورة القابعة فى قصر بختشى سراى أو ما يعرف بقصر البستان، ذاك القصر المنسوب لصاحبه السلطان العثمانى خان جيراى فى بدايات القرن الثامن عشر، وكان هذا الحاكم التتارى شديد الوحشية والدموية والعنف، لا تعرف الرحمة قلبه، ولم تزر عينيه الدموع يومًا من صلب مشاعره، يبطش بالآخرين ولم يرق قلبه بالحب، إلى أن وقع فى حب الأميرة الجورجية ماريا التى كانت تقاوم حبه، وحينما شعرت زاريما زوجة الحاكم بحبه لماريا قامت بوضع السم فى طعامها، فلفظت أنفاسها، وما كان من الزوج إلا أن قتل زوجته انتقامًا لروح محبوبته، وبعدها أمر ببناء نافورة فى بهو القصر أسماها «الدموع» لكى تشهد على حبه لها مودعًا حبيبته بما تذرفه من ماء ينهمر وكأنه دموع الفراق. وعبرت الكلمات بمغزاها الفلسفى عن تلك الحالة: «كل شيء فى بختشى سراى يوحى بالوحشة والحزن والفراغ اللانهائى خاصة تلك النافورة القابعة فى أقبية القصر المعتمة والتى ينساب ماؤها فى رتابة فوق كتل المرمر الصلد».



أوحت هذه القصة للمبدعين فكتب للباليه نص درامى الأديب الروسى تورجنى قولاى فولكوف (1894-1965)، متأثرًا بالشاعر الروسى الكسندر بوشكين بعد زيارته للقصر إبان القرن التاسع عشر عند نفيه إلى القرم فرأى النافورة وأعجب بالكتابات ﻭﺍﻟﻨﻘﻭﺵ الزخرفية ﺍﻟﺸﺭﻗﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ كانت محفورة ﻋﻠيها، فكتب قصيدته الشعرية الشهيرة «نافورة بختشى سراى» ونشرت عام 1824، وكانت مصدرًا لإلهام موسيقى درامية معبرة للمؤلف الموسيقى الروسى بوريس آسافييف والتى ألفها عام 1936. ولم تكن قصيدة بوشكين مصدرًا لإلهام آسافييف فقط، وإنما أيضًا للفنان التشكيلى كارل بريولوف والذى استوحى نساء قصر بختشى سراى فى لوحته الإبداعية التى عكف عليها لمدة اثنى عشر عامًا.

أما الباليه فيقع فى فصلين وعبرت موسيقاه ببراعة عن الحالة الدرامية، وأظهرت قدرة آسافييف فى وضع جمل لحنية معبرة عن الحالة الشاعرية الرومانسية، وكذلك الانتقال إلى وحشية الحاكم خان جيراى، واستخدم المؤلف التراكيب الهارمونية المتوافقة فى معظم الباليه والذى ينتمى للروح الرومانتيكية رغم أنه كتب فى ثلاثينيات القرن العشرين، أيضًا اعتماد المؤلف على آلتى الفيولينة والتشيللو فى ثنائيات كادت تنطق لتعكس التفاعل الدرامى للمشاعر الإنسانية المختلطة بين الحب والغيرة والرفض.وقبل ختام الفصل الأول يحتدم الصراع بالمبارزة باستخدام آلتى الفاجوت وآلات الإيقاع مع مصاحبة هارمونية إيقاعية من التشيللو والكنترباص وصلت لذروة الأحداث. كما نجد إسناده للهارب المنفرد فى الفصل الثانى بجمل لحنية حالمة وغنائية جمالية تصل للمتلقى بما تحمله من رقة. وعن ثنائية التشيللو مع البيانو قرب ختام الفصل الثانى فتؤكد الكتابة الأوركسترالية المحكمة والانتقال من العام إلى الخاص، من المجاميع الكبيرة إلى الثنائيات والأصوات المنفردة لتعكس ما يدور فى خلجات النفس البشرية. وظف المؤلف آلات النفخ توظيف دراميًا بديعًا. وجمعت الموسيقى بين الرشاقة والخفة والروح الشرقية فى بعض الرقصات، وكذلك البؤس والحزن والشحنات النفسية فى تناول لحنى غنائى درامى. باليه رائع استمتعنا به بعد غيابه عن مصر منذ أكثر من نصف قرن.