الأحد 10 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

من حنفية الدعم إلى حنفية المواطن

من حنفية الدعم إلى  حنفية المواطن
من حنفية الدعم إلى حنفية المواطن


 
أما أكثر المصطلحات والعبارات التى دخلت حياتنا ونتكلم عنها كثيرًا ولا نلمسها ونحس بها فى حياتنا مثل «العدالة الاجتماعية».. فالفقراء والأغنياء يتحدثون عن العدالة الاجتماعية لأنها الحل الأمثل لإنقاذ مصر من أزمتها، وفى أعقاب دخول رئيس جديد إلى القصر، فهى أول مطالب الفقراء، الضرورة القصوى لضمان حياة كريمة لمواطن ظل طوال 3 سنوات والفقر ينهش فى جسده.. فالعدالة الاجتماعية سلاح ذو حدين فهى ليست من الناحية الاقتصادية فقط بل لها أوجه سياسية واجتماعية، فلو تحقق أى وجه نضمن أن مصر تسير فى المسار الصحيح.
 
والسؤال المطروح.. لماذا تفشل مصر فى تطبيق العدالة الاجتماعية.. ففى هذا التحقيق نحاول بحث الطرق لتنفيذ العدالة الاجتماعية من الناحية الاقتصادية.
∎ دراسة
 
انتهت دراسة أعدتها الإدارة المركزية للبحوث بالجهاز المركزى للتنظيم والإدارة تناولت قضية العدالة الاجتماعية إلى أن التنمية هى السبيل الأوحد لتحقيقها، وذلك من خلال أربع ركائز أساسية فى مقدمتها تخطيط قومى شامل، ومن خلال اشتراك الدولة فى الاستثمار الإنتاجى وليس فقط الاستثمار فى البنية الأساسية والمرافق العامة الخدمية، بالإضافة إلى استقلالية التنمية بالاعتماد على الذات على مستوى الدولة والتعاون بين الدولة وغيرها من الدول النامية، من خلال الاعتماد على القدرات المادية والبشرية إلى أقصى حد ممكن.
 
ودعت الدراسة إلى ضرورة توجيه عناية خاصة لضمان تمثيل الشباب فى قنوات صنع القرار واتخاذها لأن مشاركتهم بمثابة صمام أمان ضد توريط أجيال المستقبل فى مشكلات لم تشارك فى صنعها.
 
وأكدت على ضرورة إعادة توزيع الدخل والثروة، من أجل توفير ديمقراطية تشاركية فعالة تعمل لصالح الطبقات الشعبية والسواد الأعظم، حيث قالت الدراسة: «عندما تتسع الفروق فى توزيع الدخل والثروة يصبح الطريق مفتوحًا أمام الأغنياء للجمع بين الثروة والسلطة، ومن ثم لاختطاف الديمقراطية وتسخيرها فى خدمة مصالحهم الخاصة، فإن إعادة التوزيع ليست عملية تجرى مرة واحدة وينتهى الأمر بل يجب أن تكون عملية مستمرة من خلال نظم الضرائب التصاعدية والتحويلات الاجتماعية ومن خلال مراجعة تشريعات الحد الأدنى والأقصى للأجور، ومن خلال إعادة توزيع الملكية».
 
كما أكدت الدراسة على أن العدالة الضريبية هى تعبير عن انحيازات سياسية واقتصادية واجتماعية، ويجب أن يتم إقرارها من خلال إطار يضمن عدالتها، باعتبارها محورًا هامًا من محاور الوصول إلى العدالة الاجتماعية.
 
وأشارت الدراسة إلى ضرورة ترشيد الدعم وخاصة فيما يختص بدعم الطاقة وإيجاد آليات مناسبة لتوزيع الدعم ومشكلة تسرب الدعم لغير مستحقيه.
 
∎ الشمولية!!!
 
أكد لى الدكتور أحمد جلال- وزير المالية فى حكومة الببلاوى- أن العدالة الاجتماعية لا تتوقف عند حد أقصى أو أدنى للأجور بل معناها أشمل وأعم بكثير، فنحن بحاجة إلى تقسيم الملفات المصرية من جديد سواء ملف التعليم، الصحة، الأجور، وغيرها من الملفات التى تمثل جزءا رئيسيا فى حياة الإنسان.
 
وأشار د. جلال إلى أنه لا يوجد اتفاق محدد على تعريف العدالة الاجتماعية، فإن المقصود بالعدالة الاجتماعية هو تضييق الفوارق فى مستوى المعيشة بين جميع طبقات المجتمع المصرى ويتم تفعيل هذا المفهوم من خلال محورين: الأول: مدخل الدخل والثانى: مدخل الثروة.
 
فعلى سبيل المثال لو رأينا أن «مدخل الدخل» كأساس لتفعيل العدالة الاجتماعية قد يتطلب فترة زمنية طويلة لتحقيق هذه العدالة، حيث إن مدخل الدخل يرتكز على تطبيق الحدين الأدنى والأعلى للأجور، وهذا المفهوم يتطلب وقتا طويلا قد يصل إلى عدة سنوات لكى تظهر الآثار والانعكاسات فى تضييق جزء من الفوارق بين طبقات المجتمع المختلفة، بينما المحور الثانى الذى يرتكز على مفهوم الثروة فهو أسرع فى التطبيق، وقد يؤتى ثماره فى تفعيل وتحقيق العدالة الاجتماعية بسرعة وفى زمن قصير قد يصل إلى عدة شهور فقط (ثلاثة أشهر على الأكثر)، حيث يستند مدخل الثروة لتحقيق العدالة الاجتماعية على أساس فرض ضريبة تعادل 1٪ على الأقل على جميع الحسابات الجارية والودائع وجميع الشهادات والأوعية الإدخارية، وما فى حكمها وذلك للشخص الطبيعى، والشخص الاعتبارى مع إعفاء المدخرات الصغيرة من هذه الضريبة حتى 250 ألف جنيه على أن يطلق على هذه الضريبة ضريبة العدالة الاجتماعية، وهذا الأمر قد يؤدى إلى تحصيل حوالى 10 مليارات جنيه سنويا، ويتم تطبيق ضريبة العدالة الاجتماعية على الودائع والشهادات الادخارية بجميع أنواعها.
 
وأشار إلى أن هذا الأسلوب يتطلب استصدار قانون يطلق عليه قانون العدالة الاجتماعية يتضمن فى فحواه فرض ضريبة تعادل 1٪ على الأقل على الحسابات الجارية وجميع الودائع والشهادات الادخارية وما فى حكمها مع تحديد الإعفاء الضريبى بما يعادل 250 ألف جنيه، وذلك للشخص الطبيعى والشخص الاعتبارى، ويعنى ذلك لو أن هناك مودعا يمتلك 260 ألف جنيه قيمة ودائع وشهادات ادخارية فإنه يتم إعفاء مبلغ 052 ألف جنيه من هذه الضريبة، ويتم إخضاع ما يعادل 10 آلاف جنيه بمعدل الضريبة1٪ ونصل إلى الضريبة المستحقة التى تعادل فى هذه الحالة مائة جنيه، ويمكن أن يتضمن هذا التشريع المقترح أن يتم تحديد الوعاء الخاضع للضريبة بما يعادل متوسط رصيد الحساب الجارى أو رصيد الودائع أو الشهادات فى أربعة تواريخ، وعلى ذلك يتم مواجهة التهرب الضريبى أو التجنب الضريبى الذى يستند على الاستثمار فى الودائع لفترة ثم فى نهاية السنة يتم تسييل هذه الوديعة أو ما شابه ذلك.
 
∎ أزمات!
 
ويرى الدكتور ممتاز السعيد- وزير المالية فى حكومة الجنزورى وقنديل- العدالة الاجتماعية يصعب تنفيذها طوال هذه الفترة، فمصر تمر بأزمات جعلتها فقدت جميع مصادر الرزق فى ظل فواتير الدعم التى تنهش الموازنة العامة للبلاد مع مطالب جميع فئات المجتمع وزيادة الدخل فى جميع الهيئات الحكومية.
 
وأشار إلى أنه لابد قبل تطبيق العدالة الاجتماعية من إصلاح المنظومة الاقتصادية للبلاد ومعرفة النظام الاقتصادى الذى سوف تسير عليه البلاد، فالدستور يلزم تطبيق الضريبة التصاعدية والواقع يحتم إلغاء أى ضريبة خلال هذه المرحلة، ولكن لابد أولا من مراعاة تكافؤ الفرص بين كل أطياف المجتمع المصرى، بالإضافة إلى توزيع الاستثمارات فى الموازنة العامة للدولة بما يتناسب مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة كثيفة العمالة، وتلاشى الفجوة بين الفقراء والأغنياء ضرورة لتحقيق العدالة الاجتماعية، مضيفاً: يجب على الرئيس القادم أن يراعى طبيعة الفوارق الكبيرة بين الطبقات المصرية والتى خلفتها الأنظمة السابقة حتى يتجنب عواقب ثورة جياع قريبة.
 
ويرى أن العدالة الاجتماعية لا تعنى زيادة الأموال فى أيدى الفقراء، بل إتاحة الفرص أمام الجميع بالتساوى مع ترك الفوارق وفقا للتميز والقدرات الشخصية، مشدداً على ضرورة أن تظل الكفاءة والقدرات الشخصية هى الطريق الوحيد أمام تحقيق النجاح الاجتماعى بعيداً عن الواسطة والمحسوبية.
 
وأشار إلى ضرورة أن تتحول الحكومة من دعم السلعة إلى دعم الفرد ذاته، بحيث يتم تحويل الدعم العينى الموجه للسلع والخدمات التى يتلقاها المواطن إلى دعم نقدى باستخدام الكروت الذكية، مع وضع نظام وآلية واضحة لتحديد مستحقى الدعم فى مصر بما يضمن وصول الدعم لمستحقيه.
 
مؤكداً أن مبدأ تحقيق العدالة الاجتماعية لـ 90 مليون مواطن مصرى لن يتحقق إلا بضبط «حنفية» الدعم فى مختلف القطاعات. فعلى سبيل المثال من أوجه الخلل فى مصر أن تدعم الحكومة أنبوبة البوتاجاز الواحدة بنحو 60 جنيها تقريباً، ويستخدم الفقير أنبوبة واحدة فقط فى الشهر، فى حين أن مصنعا لإنتاج الطوب مثلاً قد يحصل على 05 أنبوبة بنفس سعر المقدم للمواطن، وبالتالى فدعم الحكومة للمواطن الفقير، فى الشهر بحوالى 60 جنيها فى قطاع البوتاجاز فى حين يحصل صاحب مصنع الطوب على دعم بقيمة 3 آلاف جنيه شهرياً، وهذا يبرز الخلل الكبير فى منظومة العدالة الاجتماعية فى مصر.
 
∎ التحفيز!!!
 
وأوضح الدكتور سمير رضوان- وزير المالية فى أول حكومة بعد ثورة 30 يناير - أن العدالة الاجتماعية مبنية على مبادئ العدالة فى توزيع الدخول والمساواة بين أفراد المجتمع.
 
وأن السياسة المالية لمصر حاليا تقوم على مبدأ تمكين أفراد المجتمع من حرية الاختيار وذلك من خلال ضمان تعليم جيد ومستوى مرتفع من الصحة، مشددًا على أن هذه المبادئ تعكسها برامج الموازنة العامة الجديدة حيث يركز الإنفاق بالموازنة على المواطن المصرى وليس المؤسسات.
 
وقال إن حجم الإنفاق على الصحة على سبيل المثال ارتفع من 20.3 مليار جنيه للعام الحالى إلى 813,42 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة بنسبة نمو 20٪.
 
وأضاف أنه من آليات تمكين المواطن المصرى أيضا رفع مخصصات التدريب فى الموازنة الجديدة بنحو 1.5مليار جنيه لتصل إلى مليارى جنيه وذلك لتمكين الشباب من الحصول على تدريب جيد حتى يحصلوا على فرص عمل ذات دخل كريم، وكذلك برنامج الإسكان منخفض التكاليف والذى رصدنا له 10 مليارات جنيه فى الموازنة.
 
وأوضح أن من الآليات أيضا الاهتمام بتحفيز المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتى تعد من المشروعات كثيفة التشغيل حيث تم تخصيص أحد البنوك العامة لتمويل تلك المشروعات، ولابد من ضرورة إعداد حزمة تيسيرات جديدة لتأسيس تلك المشروعات مع تقديم حزمة من الخدمات المتكاملة لها لرفع تنافسيتها وقدراتها التسويقية والإنتاجية وعمليات تصميم المنتجات وغير ذلك من جوانب تمكن تلك المشروعات من المنافسة فى الداخل والخارج.
 
وأكد أنه لابد من رفع حجم الإنفاق على الاستثمارات العامة من 40 مليار جنيه إلى 60 مليارا بنسبة نمو 39٪، وسوف تتجه تلك الاستثمارات لمشروعات البنية التحتية الأساسية والتى تحفز مشروعات القطاع الخاص، بالإضافة إلى طرح عدد من المشروعات لإقامتها بنظام الـP.P.P..
 
أوضح أنه لابد خلال الفترة المقبلة مواجهة تحديات عديدة أهمها إعادة بناء الاقتصاد المصرى على الأسس الجديدة بحيث نمكن المواطنين من الحصول على الخدمات العامة بجودة عالية وهو ما تحققه الموازنة العامة الجديدة عن طريق العدالة الاجتماعية فى جانبى الإنفاق والإيرادات والنمو المتوازن للاقتصاد.
 
.. لكن ما الذى نعنيه بالعدالة الاجتماعية للمواطن البسيط.. إلى التحقيق القادم!!