الأربعاء 3 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
وداعًا أستاذ المنظر المائى

وداعًا أستاذ المنظر المائى

صدمنى رحيله المفاجئ.. لم يجُل بخاطرى عندما التقيته فى معرضه منذ ثلاثة شهور أنه اللقاء الأخير، عبر أكثر من خمسة وثلاثين عامًا كانت صداقتى الجميلة بالفنان طراوى وزمالة الفن والصحافة، فى مجلتنا «صباح الخير» كنا نلتقى يوميًا وبعد العمل نخرج لنطوف المعارض ونجلس على المقاهى ونذهب لأتيليه القاهرة المكان المحبب إليه ولا نفترق إلا فى المساء. كان محبًا للناس ويتمتع بحب وصداقة كل من عرفه لروحه المرحة المتفائلة وحسه الإنسانى الجميل.



 

 

 

 

كان فنانًا من الطراز الأول أحب الرسم بالألوان المائية وكان أحد فرسانها القلائل، تخصص فى رسم المنظر بها، وكان أحد المبدعين فيه. قدم معارضه منذ بداية التسعينيات والتى احتوت على مناظره المائية للبحر والنهر والمراكب الراسية فيه ومناظر سيوة وبحيرة المنزلة ومصر القديمة، يصورها بلسمات لونية سريعة وحاسمة ومليئة بالشاعرية ويغلب عليها الجو اللونى الذى يميل إلى اللون الأزرق الرمادى، لم تكن مناظره تسجيلًا لمشاهد بقدر ما كانت بحثًا عن علاقة الزمان بالمكان واقتناص اللحظة المناسبة لإبداع عمل فني.

 

 

كانت مناظره يغلب عليها الحس الانطباعى المشبع بالضوء والبُعد عن التفاصيل، هو يبحث دومًا عن المكان الذى يتغير شكله بتغيُّر الزمن، فالمنظر فى الصباح يختلف عنه فى الظهر والمساء، ولذلك كان طراوى يحاول تسجيل المنظر الواحد فى ساعات مختلفة من اليوم مهتمًا بتحقيق الأفق وفضاء السماء فيه.

ولكنه فجأة وفى محاولته البحث عن الجديد، اتجه فى سنواته العشر الأخيرة إلى التجريد، مستخدمًا خاصية ألوان الأكريلك ليقدم بها تجربته الفنية الجديدة حيث قام برسم مناظر بها تلخيص شديد ومساحات لونية تختلف تمامًا عما كان يقدمه من قبل فى مناظره المائية.

وفى بحثه عن موضوع جديد، اتجه إلى الجسد الإنسانى؛ حيث بدأ رحلة البحث عن جمالياته، وقدم فى لوحاته المرأة الريفية أو الصعيدية وحاول تلخيص الفورم تمامًا متجاهلًا التفاصيل، فالشكل يتحول إلى مساحات لونية بها حس غنائى، وأحيانًا درامى مهتمًا فيها بتحقيق الهارمونى وقد تتصارع الألوان خصوصًا الأزرق التركواز مع البرتقالى، وقد تتآلف وتتناغم فى أحيان أخرى وتتداخل الأشكال والمساحات بحثًا عن لفتة تشكيلية جديدة.

 

 

فى الصحافة كان يقدم أغلفته لمجلتنا «صباح الخير» لوجوه يصورها بالألوان المائية محافظًا فيها على النضارة والطزاجة والإحساس الأول، وفى رسومه واسكتشاته بالأبيض والأسود لموضوعات المجلة كان يحملها بالدراما أحيانًا وبالبساطة والتلقائية والعفوية أحيانًا أخرى، وكانت صفحته بعنوان «مشهد» فى سنواته الأخيرة معرضًا لإبداعه لهذه الرسوم.

برحيله أودع جزءًا كبيرًا من ذكريات جميلة من حياتى عشتها معه.. وداعًا صديقى.