السبت 4 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

وحيـد ووحيـدة فى سن العشرين!

وحيـد ووحيـدة فى  سن العشرين!
وحيـد ووحيـدة فى سن العشرين!


 
يضع السماعات فى أذنيه.. يقبض على تليفونه المحمول بين يديه... يتصفح بعينيه آخر أخبار الفيس بوك وأقصر التغريدات على تويتر وأحدث صور أصدقائه على انستجرام.. يعزل نفسه فى عالمه الخاص ينفصل عن المحيطين له فى الغرفة الواحدة.. وبعد دقائق معدودة يشعر بالوحدة والملل! هكذا هو حال الشباب فى سن العشرين أو ما أصبح يطلق عليهم مؤخرًا «شباب الفيس بوك».. فبالرغم من انفتاح هؤلاء الشباب على عصر السموات المفتوحة وانغماسهم فى عالم مواقع التواصل الاجتماعى «الافتراضى» تسيطر حالة غريبة من الوجوم والصمت على وجوههم وعندما تسألهم يجيبون : «نشعر بوحدة قاتلة..!!» ترى ما السبب هل كانت مواقع التواصل الاجتماعى قد زادتهم انفصالا عن محيط العائلة وزادتهم عزلة حتى عن أنفسهم أم أن سرعة إيقاع الحياة و قسوة متطلباتها قد باعدتهم عن المشاركة المجتمعية بُعد المشرق عن المغرب؟!.. كل هذه التساؤلات نحاول إيجاد إجابات لها فى السطور القليلة القادمة.
 
∎ مغاير لطبيعتنا
 
«نحن نعانى من انفصال فى وسائل الاتصال..» هكذا قال بهجت الكومى (29 عاما) ويعمل مخرجا تليفزيونيا فى إحدى القنوات الخاصة ويستطرد: «جيلنا أصبح يعانى من الوحدة بشكل كبير وأتوقع أن يغرق جيل أبنائنا فى وحدة لا مناص منها.. فطرق التعبير وكذلك طرق التواصل قد اختلفت كثيرًا... نعانى باستمرار من انعدام اللغة المشتركة بيننا وبين الآخر، كذلك اهتمامنا بالأشياء تختلف تماما عن اهتمام آبائنا بها..!!.
افتقدنا الحميمية فى كل شئ: فأصبح من النادر جدًا أن نرى أسرة واحدة تأكل مع بعضها على نفس الطاولة الثلاث وجبات حتى الريف عندما دخلته أدوات المدن انفصلت الأسرة رغم أن أفرادها يعيشون فى منزل واحد..!! وعندما دخل اللايف ستايل الأمريكى أو «أسلوب الحياة الأمريكى» على المجتمع العربى غيره وعندما أحدث تغييرًا ملحوظا لم يحقق السعادة المنشودة: فالدليفرى والتيك أواى أو حتى السفر لمدة عقود من العمر لكسب المال مناسب جدا مع أسلوب حياة الأمريكيين وليس مناسبا لحياتنا.. كذلك الفيس بوك كان بالنسبة لنا صدمة كبيرة و ثورة فى عالم التكنولوجيا والإنترنت، ولكن الأمر ليس كذلك بالنسبة لهم: فهم يعتادون أن يعيشوا فى عوالم افتراضية أما نحن فنعيش مع أناس من لحم ودم..!! فى مجمل القول نحن تعودنا على استخدام أدوات المجتمعات الأخرى للدرجة التى نسينا فيها هويتنا.. كل ذلك حدا بنا إلى شعور قاتل بالوحدة والاغتراب ونحن فى سن صغيرة. ووسط أهالينا..».
 
∎ حياة تافهة
 
«رغم أن حياتى تعج بالبشر والناس إلا إننى أشعر بالوحدة دائما..» هكذا بدأت دينا مراد (21 عاما) طالبة بالصف الثانى بكلية التسويق وإدارة الأعمال بإحدى الجامعات الخاصة وأضافت: ما قيمة وجود أناس مجرد أشباح فى الحياة وجودهم تمامًا مثل قلتهم لا فائدة لهم؛ لا يدركون المعنى الحقيقى للصداقة لا يعرفون متى يتحدثون ومتى يصمتون؛ متى يفهمون صديقتهم من النظرة إذا كانت حزينة أم سعيدة؟! إذا كانت تحتاج إلى البوح و الفضفضة أم تحتاج إلى الضحك والسخرية من العباد؟! ... أنا حقا وحيدة ليس لى صديق أو صديقة بالمعنى الحقيقى للكلمة.. فضلا عن إنه فى أحيان كثيرة تكون حياتى تسير بشكل طبيعى وبلا أى ضغوط أو مشاكل ومع ذلك يباغتنى شعور غريب بالوحدة لا أستطيع تفسير سببه... وإن حاولت أن أقطع خيوط الوحدة قبل أن تتسلل تلابيبها إلى قلبى، من خلال الفيس بوك أو التويتر سرعان ما يدب فى قلبى شعور بالملل والزهق واليأس لأن تلك الوسائل لم تنجح فى إخراجى من عزلتى وأعود لحالتى الأولى وحيدة وحزينة.. فكلها وسائل براقة سرعان ما تفقد زهوتها... وكلما أصبت بالوحدة كلما تأكدت من تفاهة الحياة وأنها بلا شىء مفيد يمكن إنجازه... و مع تكرار فترات وحدتى أوجدت لنفسى مخرجا: أصبحت أشعر براحة فظيعة عندما أقلب فى أرقام التليفونات المسجلة على هاتفى المحمول وأقوم بمبادرة الحديث مع من فقدت خيوط الاتصال معهم منذ زمن بعيد، وفى اللحظة التى أجدد فيها الوصال وأجد استحسانًا من قبل أصدقائى القدامى تغمرنى سعادة لا توصف لمجرد تعبيرهم عن فرحهم بى وبمحادثتى التليفونية... كذلك أفضل ما يخرجنى من نوبات الوحدة صلاة الفجر والقراءة.
 
∎ فراغ قاتل
 
وربما يشارك دينا الرأى نفسه أحمد هادى 22 عاما طالب بكلية الإعلام بإحدى الجامعات الخاصة قائلا: «مجرد القعدة والتفكير يصيبانى بالوحدة.. وحتى أنأى بنفسى عن كل هواجس و أفكار مخيفة تغرقنى فى عزلتى أحاول أن أجلس مع أصدقائى لنتحدث فى «أى كلام» ولكن سرعان ما يتسلل إلى قلبى شعور بالضيق والغربة حتى وسط أصدقائى... لا أعرف سببا لهذا الشعور، لكن فى الحقيقة هو شعور ملازم لى طوال حياتى القصيرة... ربما الفراغ الذى نعيشه نحن الشباب هو المسبب الرئيسى لهذه الحالة اللعينة: لا شغلة ولا مشغلة لا رياضة ولا قراءة... نحن ننأى بأنفسنا عن أى مجهود... لا نحب أن نرهق أنفسنا فى شىء نحب كل شىء على الجاهز... لكننى قررت ألا أستسلم لتلك الحالة سأواظب على ذهابى إلى الجيم وقراءة الكتب والسؤال عن أصدقائى وأقربائى الذين لم أسأل عنهم منذ سنوات بعيدة.. سأكون إيجابيا وسأحدث التغيير..
 
أما عبد التواب عيسى (24 عاما) ويعمل مساعد مخرج بإحدى القنوات الخاصة على الإنترنت يقول: «دائما ما أشعر بالوحدة لأسباب عديدة أولها أننى لم أنجح فى اختيار أصدقاء حقيقيين يسألون علىَّ باستمرار ونهتم سويا بمشاكل بعضنا البعض؛ ثانيا أخفقت كثيرًا فى الارتباط ببنت حلال تسعدنى وتشاركنى حياتى... لكننى والحمد لله لى أسرة وعائلة كبيرة تحبنى وتهتم بشئونى، ولكن مع الأسف أتركهم وأذهب لأجلس بمفردى يمكن لأننى أحب العزلة والخصوصية أو لأن طبيعتى هكذا أو لأننى لم أجد حتى الآن من يفهمنى ويجيد الحديث معى... لا أعرف!! أظن أن الأمل فى أن أجد شريك حياة يحبنى وأرتاح إليه وقتها قدأغير وجهه نظرى ولا أشعر بالوحدة..!!
 
أستاذ دكتور فؤاد الدواش استشارى علم نفس والصحة النفسية: «ليس معنى وجود اتصال على الإنترنت وانفتاح على العالم الخارجى هو عدم الشعور بالوحدة فالأمر ليس كذلك. فآخر أبحاث أجريت فى استخدام الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات كان بعنوان «متناقضة الإنترنت»، فأساس هذه المتناقضة أن الإنترنت يحدث حالة انفصال واتصال فى نفس الوقت: حالة اتصال غير عادى عن العالم كله باعتبار أن العالم أصبح global village أو قرية صغيرة.. ثانيا حالة انفصال بالمحيط الواقعى الفعلى للشخص إلى جانب أن جميع الأبحاث تشير إلى أن أغلب الناس الذين يتعاملون مع تكنولوجيا المعلومات يصابون بحالة اكتئاب لأنهم عمليا يفقدون المعززات الآتية من الواقع الحى... إلى جانب نشوء فكرة أو مرض «إدمان الإنترنت» الذى يجعل الناس يتصرفون مع الإنترنت على طريقة المقامرة إلى جانب حدوث توتر: الشباب يقومون بفتح الإيميلات الخاصة بهم أو حسابات الخاصة بهم على الفيس بوك و هم يتوقعون أن بانتظارهم مكافأة أو على سبيل المثال أيضا يستيقظ هؤلاء الشباب من عز نومهم ليراجعوا آخر أخبار الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعى.. كلها من علامات إدمان الإنترنت هذا إلى جانب إحساسهم بالتوتر: فنجد الشباب يفتحون حساباتهم -على الفيس بوك أو غيرها من مواقع التواصل الاجتماعى - ويغلقونها أكثر من مرة وفى كل مرة يراهن أنه لن يرجع إلى الفضاء الإلكترونى مجددًا ولكنه يفشل ويرجع بعد فترة قصيرة.
أى بمعنى أوضح إذا أراد أن يدخل على الإنترنت ليتحدث مع أشخاص آخرين ليس من الضرورى أن نعرف من هم هؤلاء الأشخاص؟! بالطبع لا لأن من الممكن أن يكون هؤلاء الأشخاص يتعاملون بأسماء مستعارة مع التأكيد على أنه شخص غير معروف ومع ذلك يبدأ المراهق أن يتخيله أو ينشأ بينهما ما يسمى بالحب الافتراضى... ونحن كأناس عاديين لدينا طاقة كبيرة من التخيل ومستوى التخيل قد زاد بشكل كبير بالفطرة، كما أن الواقع الافتراضى زوده.. ومن هنا تكون مرحلة تجريب الأدوار عند المراهقين ثرية وخصبة للغاية وبها حرية غير عادية: باشتراك إنترنت يكلم العالم وأشخاص مختلفين ويبحث عن فرص ويرى العالم بشكل جديد أكثر انفتاحا عن الواقع الذى يعيشه فلماذا لا يكون منعزلا، فالعزلة على الإنترنت أصبحت معززًا أكثر تشبع خياله وطاقة لا محدودة بداخله.
 
ويستطرد قائلا: «مراحل الاضطراب النفسى أى المراحل التى يكون فيها الإنسان أكثر عرضة للإصابة باضطراب نفسى هما مرحلتان الأولى المراهقة والثانية منتصف العمر إذا عدى الإنسان من مرحلة المراهقة بشكل سليم ستسير حياته بشكل سليم نفسيا حتى سن الـ45 .. و تأتى بعد ذلك مرحلة من سن الـ 40 حتى سن الـ 48 وهى أزمة منتصف العمر إذا عدى الإنسان من هذه المرحلة سليمًا يكمل عمره حتى الموت وهو سليم نفسيا.