الخميس 9 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

شخصية معرض الكتاب فى عيون ابنته

يحيى حقى فى زمن نجيب محفوظ

نهى يحيى: بابا كان متصالحا مع نفسه
نهى يحيى: بابا كان متصالحا مع نفسه

بعد مرور ثلاثين عامًا على رحيل واحد من أهم الكتّاب ورواد القصة القصيرة فى العالم العربى، يعود يحيى حقى شخصية الدورة الـ53 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب لاستعادة مسيرة روائى وقاص من طراز خاص مساهمة فى إحياء تراثه الأدبى العريق.



تواصلت «صباح الخير» مع نهى حقى الابنة الوحيدة للأديب الراحل للاقتراب من سيرته من منظور مختلف قد لا يعرفه الكثيرون

.

يحيى حقى واحد من رواد القصة القصيرة، وُلد فى القاهرة 1905 لأسرة من جذور شركسية، درس الحقوق وعمل بالمحاماة، ثم السلك الدبلوماسى قبل التفرغ للأدب والصحافة .

رغم سنوات على رحيله، فما زال «حقى» علامة بارزة فى تاريخ الأدب العربى لما صنعه من طفرة فى مجالى القصة القصيرة والرواية بعدد كبير من الأعمال القيمة تجلت فيها عبقريته، على رأسها «قنديل أم هاشم، دماء وطين، أم العواجز، عنتر وجولييت.. والبوسطجى».

 

احتفظ بهويته رغم تعدد سفرياته وتزوج مرتين
احتفظ بهويته رغم تعدد سفرياته وتزوج مرتين

 

كثير من عوامل النشأة أثرت فى يحيى حقى منذٌ طفولته، خصوصًا نشأته فى أسرة عشقت الأدب والقراءة، تعلمت أمُّه فى كتّاب قريتها وطورت لغتها بحفظ القرآن الكريم ثم تذوق الشعر والأدب.

وامتلك أخوه الأكبر مكتبة كبيرة، كانت موادها رافدًا من روافد دفعت «يحيى» للتعمق فى الشخصية المصرية البسيطة مجسدًا أهم تفاصيلها بشكل ممتع وثرى، فى رواياته وقصصه التى تحولت معظمها لأفلام سينمائية، من كلاسيكيات الفن المصرى.

إلى جوانب عوامل النشأة، كانت لخبراته الحياتية فى شبابه أثر فى تكوينه الأدبى، حيث عُين معاونًا بعد تخرجه فى منفلوط فى صعيد مصر، وكانت المرة الأولى التى يعيش فيها فى الريف لمدة عامين فى بدايته كانت ولادة جديدة له حسب قوله هو لأنه استطاع أن يتصل بالفلاح المصرى عن قرب وعرف أكثر طبيعته ومشاكله.

والعامل الثانى كان عمله فى السلك الدبلوماسى فيما بعد الذى أتاح له التجول فى بلاد عديدة ما منحه وقتًا أكبر للاطلاع على مجتمعات أخرى والعديد من الفنون.

تزوج يحيى حقى مرتين، الأولى كانت من نبيلة سعودى وأنجب منها ابنته الوحيدة «نهى»، وقد توفيت زوجته بعد ولادة نهى بنحو شهر.

بعدها تزوج «حقى» من التشكيلية الفرنسية جان ميرى جيهو وقضى معها عمره حتى الوفاة.

اعتبرت نهى حقى اختيار والدها شخصية العام لمعرض الكتاب الدورة الحالية نوعًا من التكريم لجهاده فى الفكر والثقافة.

 

كان يقدر المرأة ومارس جميع الفنون
كان يقدر المرأة ومارس جميع الفنون

 

أضافت نهى: زادت سعادتى حين شاهدته بتقنية الهولوجرام وهو يتفاعل مع الناس ويرد على أسئلتهم وكأنه موجود بيننا.. شعرت بمشاعر جميلة وأذكر بهذه المناسبة كلامه لى بشكل دائم عن التكنولوچيا والتطورات الهائلة التى ستنقل العالم نقلة مختلفة، وحين عاد من فرنسا بعد ظهور الكمبيوتر ودخوله فى المجالات المختلفة كان يقول: «لا تتصوری هذه التطورات السريعة للعلم والتكنولوچيا ستغير حياتنا تغييرًا شاملاً»، ولما رأيت الهولوجرام عرفت أن نبوءاته قد تحققت مع أنها كانت خيالاً فى عصره.

عن علاقتهما وكيف كان الأب يحيى حقى حكت نهى:

كان متصالحًا مع نفسه، هادئًا لم يرفع صوته أبدًا فى المنزل ولم يحاول قول كلمة ربما تسبب فى إيذاء الآخرين، وكان حين يتضايق من شىء قمت به أثناء طفولتى يكون عبئًا على قلبى خوفًا من استمرار حزنه.. لكن ضيقه كان يمر سريعًا وبلطف.

تكمل نهى حقى: «كنت أعيش مع جدتى لأمى التى تولت تربيتى.. وكان أبى يعيش مع زوجته لكنه كان حاضرًا بشكل دائم، يزورونى ونخرج سويًا وكان يعاملنى وكأنى مثله».

تضيف: بابا حنين عكس جدتى الصارمة أعرف أن صرامتها كانت نابعة من خوفها وحبها.. فقد كانت ذات فكر واسع ولها تأثير مجتمعى كبير فيكفى أنها كانت واحدة أول سبع بنات تخرجن فى مدرسة «السَّنية».

سألتها كيف كانت نصائح والدها.. فتقول: كان فيما يريد أن يعلمنى أو يسدى نصيحة فإنه يفعل ما ينصحنى به أمامى لأتعلم منه. لم يكن يلقى بمجرد كلام؛ إنما كان يتعمد أن يجسد تلك النصائح.

تضيف: نصيحته الدائمة كانت أن أقول ما أشعر به لا رياء ولا نفاق وقد ساعدنى فى كثير من التعبير عن نفسى ومشاعرى.

ومن المواقف الإنسانية التى حكاها والدها، تقول: «مرة وهو عائد من عمله فى المترو وكان مرهقًا فأحس بيد تتسلل لجيبه فما كان منه إلا أنه التفت إلى الشخص وقال له «هذه ساعة والدى أرجوك اتركها لى».

صمت الرجل ونزل فى أقرب محطة وقد رأى والدى كما قال لى فى عينه شعور الندم وابتسامة غريبة، كان درسًا أخلاقيًا وإنسانيًا من الطراز الأول.

وماذا عن «لمَّة العائلة» التى كان يحرص عليها يحيى حق؟

تجيب نهى: «كان اجتماعيًا يحب الناس وله حس الدعابة حريصًا بشكل يومى على التواصل مع أخواته أفراد عائلته لأنهم تربُّوا على هذا وكان يقدر ويحب والدته بشكل كبير وكتب عنها الكثير».

وتستكمل: كان أبى يقدر المرأة بشكل عام ويظهر ذلك فى معاملته لزوجته وطريقة الحديث معها وسؤالها والإنصات إليها كان يعى مكانة المرأة فلم يحدث فى حياته أن أهان أحدًا.. خصوصًا «امرأة».

 

 

 

لكن ما هو السر وراء دبلوماسى سافر عددًا من الدول فترات طويلة من عمره على الرغم من ذلك ظل محتفظًا بكل تفاصيل هويته المصرية؟

أجابت نهى: والدى كان محبًا لمصر ولشعبها لذلك ظل متمسكًا بهويته المصرية وجذوره ورأى كثيرًا من الخصائص التى يتمتع بها الشعب المصرى ولا يضاهيه شعبٌ آخر فيها.

أضافت نهى: «مارَس أبى كل أنواع الفنون، منها الرسم والنحت والموسيقى التى كتب فيها بقلب فنان وبقلم ناقد، مثلا كتابه «تعالى معى إلى الكونسير» عرض فيه خبرته فى كيف يتذوق الإنسان الموسيقى وكيف يستمع إليها ويفهمها ويشعر بها.

وكتابه من «فيض الكريم» تحدث عن الروحانيات مَهما اختلفت الأديان، فالأديان أخلاق أما كتابه «صفحات من تاريخ مصر» فكان رصدًا تاريخيًا فى شكل روايات لملامح الحارة المصرية أطفالها وكبارها والبائعين فيها.

وعن فترة رئاسته لتحرير مجلة «المجلة» وأولوياته واهتماماته وقتها قالت نهى: «كان كل همه أن تصبح المجلة سجلاً للثقافة الرفيعة ومنبرًا لكل المبدعين وكل من يحمل موهبة».

وتقول: «كان يحب أن يقرأ تحديدًا الكاتب الكبير نجيب محفوظ الذى اعتبره موهبة أدبية استثنائية وقال مرة «يكفى أن يحيى حقى كان يعيش فى عصر نجيب محفوظ».