الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

عدم الطعن على عقود الدولة يفتح أبواباً جديدة للفساد

عدم الطعن على عقود الدولة يفتح أبواباً جديدة للفساد
عدم الطعن على عقود الدولة يفتح أبواباً جديدة للفساد


 
أصدر الرئيس المستشار عدلى منصور مؤخرا قراراً بقانون لتنظيم بعض إجراءات الطعن على عقود الدولة، حيث نص القرار فى مادته الأولى على أنه «مع عدم الإخلال بحق التقاضى لأصحاب الحقوق الشخصية أو العينية على الأموال محل التعاقد، ويكون الطعن ببطلان العقود التى يكون أحد أطرافها الدولة أو أحد أجهزتها من وزارات ومصالح، وأجهزة لها موازنات خاصة، ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات والمؤسسات العامة، والشركات التى تمتلكها الدولة أو تساهم فيها، أو الطعن بإلغاء القرارات أو الإجراءات التى أبرمت هذه العقود استنادًا لها، وكذلك قرارات تخصيص العقارات؛ من أطراف التعاقد دون غيرهم، وذلك ما لم يكن قد صدر حكم بات بإدانة طرفى العقد أو أحدهما فى جريمة من جرائم المال العام المنصوص عليها فى البابين الثالث والرابع من قانون العقوبات، وكان العقد تم إبرامه بناء على تلك الجريمة».
 
كما نص القرار فى مادته الثانية على أنه «مع عدم الإخلال بالأحكام القضائية الباتة، وتقضى المحكمة من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعاوى أو الطعون المتعلقة بالمنازعات المنصوص عليها فى المادة الأولى من هذا القانون والمقامة أمامها، بغير الطريق الذى حددته هذه المادة بما فى تلك الدعاوى والطعون المقامة قبل تاريخ العمل بهذا القانون».
 
وهو الأمر الذى خلق حالة من الجدل داخل الشارع السياسى والقانونى، خاصة بعد أن تباينت آراء خبراء القانون حول القرار بقانون الخاص بـ«تقييد حق الطعن على عقود الدولة» والذى أصدره رئيس الجمهورية، ووافق عليه مجلس الوزراء، وأثار هذا القانون جدلاً كبيرًا، فمؤسسة الرئاسة تؤكد أن الحكومة استهدفت من هذا القانون الذى تم إصداره بناء على مقترح مقدم من وزارة التجارة والصناعة والاستثمار، تعزيز مناخ الاستثمار وتحفيز النشاط الاقتصادى، وتوفير نظام إجرائى يضمن استقرار تعاقدات الدولة ويحقق الحماية للمتعاقد فى إطار من المشروعية وسيادة القانون، بينما يرفضه بعض رجال القانون باعتباره سيطلق يد الدولة فى إبرام العقود مع المستثمرين دون رقابة، مما سيشجع على زيادة الفساد، ويفتح الباب لإهدار حقوق وأموال وممتلكات الدولة، ويؤيده البعض الآخر بحجة أنه سوف يوفر الحماية اللازمة للمناخ الاستثمارى، ويخلق حالة من الاطمئنان لدى المستثمرين وهو ما يعد أمرا جاذبا للاستثمار فى ظل هذا المناخ الاقتصادى المتردى.
 
∎ تحصين العقود
 
المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق، وصف القانون بأنه محاولة حكومية لتحصين عقودها جزئيا، بالمخالفة للمبدأ الدستورى الذى تتضمنه المادة 97 من الدستور الجديد، والذى يكفل حق التقاضى لجميع المواطنين، كما يفرض تعريفا معينا لذوى الصفة والمصلحة، رغم أن المحاكم وحدها هى المنوطة بذلك، ولا يجوز فرض شىء عليها، وإلاّ اعتبر تغولاً من سلطة على أخرى. وأضاف الجمل: إن جميع العقود التى تبرمها الدولة متعلقة بالمال العام المملوك للشعب، وهو المقصود بالمادة 23 من الدستور الجديد التى تنص على أن موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، والحكومة تدير أملاك الشعب ولا تملكها، ولا يجوز لها منع الشعب من استخدام حقه فى الطعن على العقود التى قد يشوبها الفساد أو سوء التصرف، بهدف إعمال رقابته على أملاكه.
 
وأكد الجمل أنه إذا كان المقصود من هذا التشريع القضاء على دعاوى الحسبة، فإن الحسبة مبدأ من مبادئ العدالة والرقابة الشعبية فى الشريعة الإسلامية، ولا يجوز إلغاؤها، واقترح أن يتم تعديل القانون إذا كان هذا هو هدفه، بحيث يمنح المحاكم سلطة توقيع غرامة ضخمة على المدعين إذا ثبت عدم جدية دعاواهم أو استهداف التشهير بالمستثمرين أو مسئولى الدولة وليس توخى الصالح العام. ووصف رئيس مجلس الدولة الأسبق ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة الأولى بإتاحة الطعن فى حالة صدور حكم بات يدين أحد طرفى العقد بالفساد، بأنه «محاولة لإطالة أمد التقاضى وعدم تمكين المواطنين من الطعن»، لأن صدور الحكم البات يتطلب إجراءات قضائية عديدة قد تستغرق سنوات، مما يسمح باستمرار فساد محتمل دون تمكين القضاء من التدخل السريع لوقفه.
 
∎ زيادة الفساد
 
وانتقد المستشار الدكتور محمد ماهر أبوالعينين نائب رئيس مجلس الدولة، القانون مؤكدا أن قرار رئيس الجمهورية بشأن تنظيم إجراءات الطعن على العقود مع الدولة يصطدم مع الكثير من القواعد الدستورية، وأنه غير دستورى، لأنه يسرى بأثر رجعى، مما يفتح الباب لمزيد من الفساد. وقال: هذا القانون سيساعد على زيادة الفساد، لأن الدولة ستقوم ببيع الكثير من أملاكها للمستثمرين بأسعار زهيدة، ولذلك فإن هذا القانون سيحمى الفاسدين، والصفقات الفاسدة، ويعطيهم ضمانات كثيرة، تحت مسمى حماية الاستثمار..واستطرد قائلا: أتعجب من أن يصدر الرئيس عدلى منصور هذا القرار، وهو رجل قانون، ويعلم جيدًا مدى خطورته. وأوضح أن مجلس النواب هو الوحيد المختص بالفصل فى مثل هذه القوانين، وهو من يحق له ذلك، وليس رئيس الجمهورية، ولذلك فإن ذلك يعتبر تدخلاً فى عمل القضاء. وأشار إلى أن هذا القانون سيُشجع على الفساد، وسيقوم بإهدار أموال الدولة، وتقييد عمل القضاء.
 
∎ حقوق المستثمرين
 
أما المستشار القانونى يحيى قدرى فيرى أن قرار رئيس الجمهورية بشأن تنظيم إجراءات الطعن على العقود مع الدولة لا يصطدم مع القواعد الدستورية. مشيرا إلى أن القانون الجديد يحافظ على حقوق المستثمر، ويعزز من مناخ الاستثمار، بل ويعطى المستثمرين الشعور بالطمأنينة، كما أنه سيخضع لإشراف الجهاز المركزى للمحاسبات، ولذلك فهو دستورى بنسبة 100٪.
 
وأضاف: إن القانون سيقوم بإعادة الحياة لمناخ الاستثمار بمصر، وسيقوم بإحياء الدولة، لأنه جاء كمنقذ للمستثمرين الذين عانوا كثيرًا خصوصا فى الفترة التى أعقبت ثورة 25 يناير، وما أعقبها من انفلات أمنى، وما تبعها من تأثيرات سلبية على الاستثمار فى مصر. وأضاف: إن هذا القانون سيسهم فى استعادة الثقة فى مناخ الاستثمار بمصر، وسيجذب المزيد من الاستثمارات مما يساعد على تنشيط الاقتصاد، وتوفير فرص عمل جديدة. واختتم حديثه قائلا: من يرى أن هذا القانون يتعارض مع مكافحة الفساد، ويضر بالعدالة الاجتماعية، فهو يريد إحداث خلل فى المجتمع المصرى، وإثارة الفوضى.
 
∎ جاذب للاستثمار
 
وأوضح الدكتور شوقى السيد الفقيه القانونى، أن هذا القانون يعمل على ترسيخ المبادئ القانونية، وتعظيم أحكام القضاء، كما أنه يحمى الحقوق، ويفتح الطريق لجذب المزيد من الاستثمارات، كما أنه سيبعد السياسة عن ساحة العدالة. وأضاف: إن تقييد حق الطعن على عقود الدولة سيمنع الابتزاز الذى يمارسه البعض، كما أنه سيقلل الدعاوى الكيدية، ويُخفف عن كاهل القضاء القضايا الكثيرة المتراكمة فى المحاكم، كما أنه يحمى الدولة من التحكميات الدولية، والتى بلغت 10 مليارات دولار خلال الفترة الأخيرة، كما سيُحسن من سمعة الدولة.
 
وأضاف: إن هذا القانون يحافظ على حقوق المستثمر، ويُعزز من مناخ الاستثمار، لأنه يحفظ حق أصحاب الحقوق الشخصية والعينية، كما أنه سهل على الشرطة معاقبة المفسد جنائيًا، كما أن هذا القانون خضع لدراسة كبيرة منذ عام 6002، وتمت مناقشته فى قسم التشريع فى مجلس الدولة قبل صدوره، مما يسقط حجة عدم دستوريته، ولذلك فإن هذا القانون دستورى، ولا يمكن الطعن عليه. وقال: تطبيق هذا القانون سيكون له تأثير ايجابى على الاستثمار فى مصر، لأن الشخص الذى لم يخطئ عليه أن يتمتع بحماية حقه، وبالتالى سيرفع من قيمة الحقوق فى مصر.
 
وأشار إلى أن من يروج إلى عدم دستورية هذا القانون، وأنه يحمى الفساد، ويهدر أموال الدولة، فهو شخص مغرض، وله مصالح شخصية، ويروج لشعارات كاذبة، وباطلة.