الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الحياة السرية لمشاهير هوليوود

«آل باتشينو» المغامر عاشق وأنصاف الحلول

آل باتشينو.. ابن لوالدين منفصلين
آل باتشينو.. ابن لوالدين منفصلين

عالم آل باتشينو له مفرداته الخاصة. لا يقبل فيه بأنصاف الحلول ، الذكريات تلعب فيه دورًا كبيرًا، وما عاشه فى أيامه الأولى كان بمثابة السطر الأول فى قصة حياته إلى الآن.



آل باتشينو  صادق حتى فى أخطائه ..يقول: «لا أفهم كيف يستطيع الناس الكذب فى العلاقات الغرامية والادعاء بالحب ، أنا لا أستطيع أن أقول مرحبًا لشخص لا أستلطفه»…

وقال: من الخطأ أن تعامل البشر كلهم بنفس الأسلوب، فالحذاء والتاج كلاها يُلبس، لكن أحدهما تضعه على رأسك، والآخر تدوسه بأقدامك.

وقال أيضًا: «التفكير ليس له علاج، حتى لو استطعت أن تنام، ستحلم بما تفكر به».

علاقة آل باتشينو بالتجارب العاطفية تراها بوضوح فى مقولته: «من لا يهتم لأمرك اترك أمره، الحب جميل لكن الكرامة أجمل».

و«ثلاثة أمور يجب معرفتها فى هذه الحياة: لا تثق بأحد ، لا تتوسّل لأى أحد ، لا تتوقع أى شيء من أى شخص».

 

اتجه للتمثيل فى العقد الثانى من عمره
اتجه للتمثيل فى العقد الثانى من عمره

 

ومذكرات آل باتشينو تؤكد عقدة ميلاده من زواج فاشل، وهو ما استمر معه مؤثرًا فى حياته، ففى أبريل عام 1940 فى نيويورك أنجب سلفاتور باتشينو وروز باتشينو ابنًا يُدعى ألفريدو جيمس باتشينو فى ظروف صعبة، وكان الطفل الوحيد لمهاجرَين إيطاليين من صقلية. 

عمل والده سلفاتور ضابطًا فِى الجيش أثناء الحرب العالمية الثانية، حصل على تعليمه وأَصبح مندوبًا للتأمين ولم تتح الفرصة ليعرف آل باتشينو والده جيدًا - انفصل الأب عن الأم و«آل» فى الثانية، لينتقل مع والدته ليعيش فى بيت جدّيه.

عاش «آل» مع والدته روز ووالديها جيمس وكاثرين جنوب حى برونكس. 

أدمن الكحول فى السبعينيات
أدمن الكحول فى السبعينيات

 

روز التى توفيت 1962 كانت ربة منزل، وكانت أيضًا امرأة هشة، عاطفية يُشبِّهها «آل» لاحقًا بنساء المسرحى الأمريكى تنيسى ويليامز، نساء جريحات يتحطمن تحت ثقل واقعهن الخشن.

كان «آل» طالبًا ضعيفًا، حيث رسب فى معظم مواده قبل تركه للدراسة نهائيًا فى السابعة عشرة.

على الرغم من اتصافه بالخجل أظهر موهبة فى التمثيل فى المراهقة.

وفى وقت لاحق، التحق فى المدرسة الثانوية للفنون المسرحية وسجن لمدة ثلاثة أيام لحيازة سلاح بدون ترخيص.

حين كان يعود «آل» للبيت فإن والدته تصطحبه معها للسينما.. وهناك وجد نفسه فى تقليد الممثلين.

يتذكّر آل جيدًا حين شاهد فيلم بيلى وايلدر «نهاية الأسبوع المفقودة»حيث أدى «راى ميلاند» شخصية كاتب مدمن للكحول، يلتهم إدمانه حياته.

كثيرًا ما كانت أم «آل» تطلب منه إعادة تمثيل مشاهد من الفيلم أمام العائلة والأصدقاء.. خاصة المشهد الذى يفتش فيه البطل على نحو يائس بحثًا عن زجاجة الخمر.

 

وجد فى أدواره المسرحية متنفسا عن الغضب والإحباط
وجد فى أدواره المسرحية متنفسا عن الغضب والإحباط

 

ربما من سخرية القدر أن تطلب روزا تحديدًا هذا المشهد مرارًا، وهو ما سيُعانى «آل» لاحقًا من إدمانه للكحول نهاية السبعينيات.

مُدرِّسة الدراما هى أول مَن اكتشف إمكانيات آل باتشينو، ونصحت والدته بالاهتمام قالت: «إنه يمتلك داخله نار أسلافه الصقليين». 

ينتمى جد «آل» لوالدته للجيل الأول من الإيطاليين الذين قدموا إلى أمريكا بداية القرن العشرين.

جدّه صقلى من «كورليون» تحديدًا، مسقط رأس «العراب» فيتو كورليونى فى الرواية والفيلم، الذى سيصير تميمة حظ حفيده.

حاولت مُدرِّسة الدراما أن تُعبِّر عن شيء ما عنيف ومُتفجِّر بداخل آل، سيصفه على نحو أوضح فيما بعد المخرج المسرحى «أرفين براون» حين شاهده فى بداياته المسرحية، حيث قال عن «آل باتشينو»: «كان بداخله عنف هائل لدرجة تحطيمه الخط الوهمى الذى قد يمنع المشاهد من أن يصدق أنّ ما يشاهده عرض مسرحي», «لقد أفزعني».

فى بداية عقده الثانى حاول آل باتشينو الالتحاق باستديو الممثل لكنه لم ينجح.. فالتحق باستديو «هربرت برجوف»، وهناك التقى بتشارلز لوتون، الذى سيصير صديقه الأقرب ومعلمه ومرشده الروحي.

لم يُعلِّمه لوتون التمثيل، ولم يُدِره مخرجًا فى أول أعماله على المسرح فقط، لكنه عرّفه على الشعراء والكُتَّاب. 

أمضى تشارلز لوتون الجزء الأكبر من حياته الفنية فى هوليوود، لكنه كان على الدوام أصيلًا فى بريطانيّته.

ولد لوتون عام 1899 فى سكاربورو فى يوركشير، درس الفن فى أكاديمية لندن، وأمضى سنوات شبابه الأولى فى أدوار مسرحية نالت شهرة كبيرة خلال العشرينيات، خصوصًا المسرحيات الشكسبيرية.

نجاحه المسرحى لم يضاهه أى نجاح سينمائى عند بداية حصوله على أدوار معقولة فى بعض الأفلام البريطانية المبكرة.

 

أول أدواره القصيرة فى هوليوود عام 1932
أول أدواره القصيرة فى هوليوود عام 1932

 

فكان عليه أن ينتظر وصوله نيويورك ليمثل على بعض مسارحها، حتى تكتشفه هوليوود بطاقاته الهائلة وتسند إليه دوره الكبير الأول فى فيلم أمريكى كان «البيت المعتم العتيق» «1932».

غير أن الشهرة الحقيقية لم تلحقه إلا مع الدور الذى لعبه فى «إشارة الصليب» «إخراج سيسيل بى دى ميل».

 حيث لعب دور نيرون بإتقان لفت إليه الأنظار.

بعد نجاحاته الهوليودية الأولى، وجد لزامًا عليه أن يعود بين الحين والآخر إلى بريطانيا ليشارك فى سينماها، خاصة أن الدور الأساسى الذى لعبه فى فيلم «حياة هنرى الثامن الخاصة» تحت إدارة ألكسندر كوردا كان سببًا فى فوزه بأول أوسكار تمنحه هوليوود لممثل غير أمريكي.

وبعد ذلك كانت الأفلام الكبيرة التى صنعت تلك الشهرة العالمية وجعلت جمهور السينما فى العالم يعتبرون رحيله 1962 خسارة كبيرة لفن التمثيل الأصيل. فمن «البؤساء» تحت إدارة ريتشارد بورسلانسكى «1935»، إلى «اختيار هوبسون» «1953» من إخراج دايفيد لين، ومن دوره الكبير فى «رمبرانت» «1936» بإدارة ألكسندر كوردا إلى دوره الأكبر فى «سبارتاكوس» «1960»، مرورًا بأفلام «نزل جامايكا»، و«أحدب نوتردام»، حيث لعب دور كازيمودو بإتقان، و«ثورة على ظهر السفينة بونتي» فى نسخته الأولى، عرف تشارلز لوتون كيف يكون فنانًا مثاليًا متوازيًا مع نفسه، لا يهمه أن يكون الفيلم كبيرًا أو صغيرًا، أو دوره رئيسيًا أو ثانويًا، لكن ما كان يهمه فى المقام الأول أن يمنح أدواره زخمها ويسخّر كل طاقاته لمد فن السينما بما ينقصه من قوة فى الأداء وتفاعل للشخصية.

كان لوتون وقودًا فى حياة آل باتشينو، الذى بدأ فى تلك المرحلة العمرية فى التهام روايات شكسبير، بريخت، تشيكوف، إبسن، دوستويفسكي، ومنحته على حد تعبيره سببًا للوجود، خاصة فى الفترات المظلمة من حياته، مثل تلك الفترة التى توفيت فيها والدته وجدّه تباعًا، يفصل بينهما عام واحد، بعدما كانا الأقرب إليه فى هذا العالم.

عاش آل طفولته وصباه بالفقر والكآبة، وعلى المسرح وجد الكلمات، التى لم يقلها فى الواقع، كانت متنفسًا عن الغضب والإحباط لشخصية مُتحفِّظة مثله. بعد تألُّق سريع ونجاحات متتالية على خشبة المسرح، أتت السينما إليه.

وقال آل باتشينو :«لم أستمتع يومًا بتأدية دور هاملت غير أنه شكل مصدر إلهام طوال مسيرتي»، وقال: «معجب بتشيخوف وموليير والكثير من المسرحيين.. وكنت على اطلاع أوسع على الأدب الأوروبي».

وعن حكايته قال: « قدمت الفن من الشارع، ومن بيئة فقيرة، شكسبير وبريشت أنقذا حياتي».

 أكثر ما يعكس شغف آل باتشينو بشكسبير كان فيلمه الوثائقى الشهير «بحثًا عن ريتشارد» الذى أخرجه وكتب السيناريو له بالتعاون مع وفردريك كيمبال.. وفيه تحدث عن التمثيل انطلاقًا من حديثه عن شكسبير بوصفه أعظم منابع الإلهام فى العالم.

استعار آل باتشينو كثيرًا من أدوات شكسبير التمثيلية لتجسيد شخصياته السينمائية والتليفزيونية، أما المتعة كانت فى أقصاها حين يجسد شخصيات من أصول مسرحية، وهو الأمر الذى كان باتشينو على موعد معه حين وقف أمام كاميرا المخرج مايكل رادفورد فى خريف العام 2019 بالمملكة المتحدة ليؤدى سينمائيًا شخصية الملك لير. 

سبق وقدم آل شخصية «شايلوك» فى فيلم «تاجر البندقية»، ونال وقتها استحسان النقاد.. ومع الملك لير، بدا باتشينو أمام مهمة أعقد لكنها أمتع، وتلك حقيقة يدركها من يعرف شغف الرجل بـتفكيك بنية شخصياته التمثيلية، إلى حد ينتحل هويتها كليًا ليصبح هو الشخصية ذاتها، ويستمر فيها حتى بعد الانتهاء من تجسيدها»، على حد تعبير أستاذه فى التمثيل لى ستراسبرج.

أجمل ما قدم «آل باتشينو» للمسرح، مسرحية «سالومي» لأوسكار وايلد. حيث أدى الممثلون العرض بملابس معاصرة وفى ديكور شديد التجريدية.

الطريف أن «آل باتشينو» خطط لثلاثة أعمال منها المسرحية نفسها كما عرضت للجمهور مباشرة، وثانيها فيلم وثائقى بعنوان «وايلد سالومي» وأخرجه بنفسه إضافة إلى مؤدى على المسرح قام بتصويره بالتزامن مع فترة العرض الجماهيري بنفس طاقم تمثيل المسرحية.