الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الفحم.. قاتل الأرض والزرع والأسماك والإنسان

الفحم.. قاتل الأرض والزرع  والأسماك والإنسان
الفحم.. قاتل الأرض والزرع والأسماك والإنسان


 
وافق مجلس الوزراء على استخدام الفحم فى توليد الكهرباء لصناعة الأسمنت كثيفة الاستهلاك للطاقة بعد جدل شديد داخل الحكومة نفسها، لأنه وقود ملوث للبيئة، ولأن هناك اتجاها عالميا لوقف استخدامه بسبب الأضرار الصحية التى سيعانى منها المواطنون بسبب الانبعاثات الكربونية والكبريتية الناجمة عن حرقه، وقال الخبراء إن الحديث عن الفحم النظيف بعيد عن الواقع وأن استخدامه كارثة تعود بنا للعصور الوسطى، فالتلوث الناتج عنه أكثر إشعاعًا مائة مرة عن المحطات النووية لأنها لا تخضع للرقابة النووية.
 
وأكدوا أن ذلك سيكون عائقا للتنمية بسبب زيادة انبعاثات الكربون، فى ظل التوجه العالمى لتحديدها فى جميع الدول ومنها مصر اعتبارا من 2015 مما يؤثر سلبا على فرص تصدير منتجاتنا فى ظل اعتماد «البصمة الكربونية» كأحد معايير تقييم السلع والخدمات، وله تأثير مدمر على البيئة والنبات والحيوان وصحة الإنسان وهو مسئول عن أمراض السرطان خصوصا الرئتين ولوكيميا الدم وعطب جهاز المناعة وجميع أمراض الجهاز التنفسى وتشوه الأجنة وأمراض الجهاز العصبى المستدامة، وما يزيد الطين بلة أن صناعات أخرى كالحديد والصلب والسيراميك بدأت أ بالحديث عن استخدام الفحم لتوليد الطاقة، متجاهلين تمامًا كغيرهم أن مصر تعد من أكثر الدول الغنية بموارد الطاقة المتجددة، وأن التخلى عن موارد الطاقة تلك والاعتماد على الفحم سيغلق المجال أمام أى مصدر آخر وسينتهى بنا إلى مأزق فى المستقبل.
 
فى البداية أبدى الدكتور وائل عزازى، دكتوراه فى العلوم جامعة الزقازيق، معارضة شديدة لاستخدام الفحم فى توليد الكهرباء، مؤكدا أنه أكثر أنواع الوقود تلويثا للبيئة وضررا بالزراعة والإنتاج الحيوانى والسمكى وصحة الإنسان حيث ينتج انبعاثات لأكثر من 76 عنصرا ساما من الغازات كأكاسيد الكبريت والنيتروجين وثانى أكسيد الكربون وغاز الميثان والكربون الأسود ومواد كيميائية سامة مثل الزئبق والزرنيخ، بالإضافة إلى الرصاص، وهى غازات تهدد بأمراض سرطانية، كما يسبب انبعاثا للغازات المسببة للاحتباس الحرارى والأمطار الحمضية. . وأشار «عزازى» إلى أن أحد مضار هذا التوجه يتمثل فى أن تشغيل محطة فحم واحدة من القدرات الكهربية المتوسطة 500 -600 ميجاوات كهربى يتسبب فى إطلاق 307 ملايين طن من ثانى أكسيد الكربون، المسبب الرئيسى للاحتباس الحرارى، وهذا القدر من الانبعاثات يعادل قطع 161 مليون شجرة دائمة الخضرة موضحا أن الانبعاثات الإشعاعية من محطات الفحم تزيد 100 مرة على تلك الصادرة من المحطات النووية من نفس حجم القدرة الكهربية، وأكد أن وجود تكنولوجيا مجدية وغير مكلّفة سواء ماديًا أو بيئيًا لمعالجة الفحم والتغلب على أضراره هو ادعاء بعيد عن الصحة، أما إن كانت شركات الأسمنت تنوى بالفعل الالتزام بالمعايير والإجراءات الخاصة بالفحم، فقد كان من الأدهى لها أن تلتزم بالمعايير والإجراءات الخاصة لديها بالمصانع قبيل هذه اللحظة.
 
ومن جانبه أكد الدكتور سعيد سليمان، الأستاذ بكلية الزراعة جامعة الزقازيق، أن الفحم الحجرى خطير أثناء نقله وتخزينه وقبل وبعد حرقه وجعله صديقا للبيئة حلما غير قابل للتحقق.. واتهم الحكومة بالسعى للمحافظة على مصالح رجال الأعمال وهوامش الربح الهائلة التى تحصل عليها شركات القطاع الخاص وتحديدًا فى قطاع الأسمنت، متهما من يدعم استخدام الفحم بالعمالة.
 
وأكد أنه يفوق التلوث الناتج عن المحطات الشمسية والنووية والرياح والمياه 20 مرة، بالإضافة إلى الانبعاثات الناتجة من مدخنة محطة الفحم أو النفايات تؤدى للتعرض لكمية أكبر من الإشعاع النووى قد تصل إلى 100 مرة عن محطة نووية تعمل بالمواصفات، فالفحم يحتوى شوائب مشعة ولا يخضع للرقابة النووية، وهو مادة لا ينتهى نشاطها حتى بعد حرقها ولا تستقر مكوناتها كيماويا وينتج سموما فى غاية الخطورة مثل: الزئبق، الرصاص، الكبريت، الكاديوم، السيزيوم، الكربون والنحاس.
 
وهو معرض للاحتراق أثناء عملية النقل فى حال تعرضه لحرارة عالية قد تتسرب من محركات الشاحنات الناقلة، وانتشار دقائق الفحم عند التحميل والتنزيل، وخطر تطاير غبار أو انسكاب الفحم نتيجة الحوادث، وخطر الانفجار فى حال تشديد الشاحنات بإحكام، وانتشار غبار الفحم على الساحات والعاملين وعلى خطوط الإنتاج والمصانع والمحطات والناقلات.
ويشكل الغبار المتصاعد من حرقه ضبابا دخانيا وأمطارا حامضية تلحق الضرر أيضا بالمزروعات، كما تتسبب مياه الصرف القادمة من المصانع التى تعمل بالفحم فى فساد التربة وتسمم الزراعة والأسماك ومصادر المياه المحيطة بها التى تصبح غير صالحة للاستخدام الأدمى. . وقال إن الغبار يلتصق على الفواكه والخضار وأوراق الشجر وسطوح المنازل ومقاعد المدارس وغيرها وعلى ذلك منعت أوروبا نقل الفحم عبرها أو إليها برا أو بحرا، وعند غسيل الشاحنة بعد إفراغ حمولتها يتسرب كميات من الدقيق الناعم من الفحم التى تسير بمجرى المياه الطبيعية أو المتخصصة وتتسرب إلى الأحواض المائية سواء التى تؤدى إلى محطات المعالجة أو إلى المسطحات المائية الطبيعية فتقتل مجموعة البكتيريا النافعة فى محطات المياه وتقتل الثروة السمكية فى المسطحات المائية وينتشر على المزارع والممتلكات ويلتحم غبار الفحم ببخار ليصبح ماء أو مطرا حامضيا قاتلا للطبيعة والإنسان.
 
وأوضح أن الحيوان يتأثر بالتلوث كالإنسان، إما بشكل مباشر أو بتناول نباتات ترسبت عليها ملوثات الجو، فتصاب بالهزال، ونقص إدرار اللبن، وكلها تنعكس على اقتصاديات الإنسان نفسه، وقد تعرض الحيوانات الأليفة للاختناق والموت نتيجة الدخان الأسود الناتج عن حرائق النفط الكويتية عام 1991 وهذا يوضح لنا مدى الأثر المدمر للتلوث الجوى على منظومة الحيوان، ومن ناحية أخرى، يؤدى التلوث إلى قصور نمو النباتات ونقص المحصول وتغير لون النبات، وينتج ذلك عن عدة عوامل منها نقص كمية الضوء التى تصل إلى النبات نتيجة لوجود الأتربة فى الجو ونتيجة لترسبها على أوراق النبات، الأمر الذى يؤدى إلى انسداد مسام الأوراق التى يستعملها النبات فى عملياتها الحيوية، كما تسبب الغازات حمضية التفاعل، أضراراً للنباتات ومنها ثانى أوكسيد الكبريت والغازات المؤكسدة، وكلها تؤثر بشكل سلبى على النبات وتعوق نموه واستمراره فى الحياة. . وأضاف إن أكبر سلبياته، عدم جاهزية المحطات الكهربائية لاستخدامه بعد عامين من الآن، ووجود شبكات طرق لا تتحمل عربات نقل الفحم.
 
وقال إن المنطقى بناء محطات غير ضارة للبيئة فى مجال الطاقة، فالصين وهى أكبر دولة بها احتياطيات فحم تنتج 66٪ من الطاقة بالفحم، مما أدى إلى ظهور الضباب الدخانى، وهذا دفعهم لاستخدام الطاقة النووية، وأصبح لديهم 61 محطة نووية تحت الإنشاء. . وأشار إلى أن المشكلة فى تجاهل الحكومة للتكاليف الصحية والبيئية الخطيرة على الشعب وقطاعى السياحة والنقل والزراعة والإنتاج الحيوانى، وادعائها بأنه حل مؤقت حتى استخراج أو استيراد شحنات جديدة من الغاز الطبيعى، وهو ادعاء ساذج يغفل التغيرات المطلوبة فى البنية التحتية والنتائج الاقتصادية التى ستترتب عن التحول إلى استخدام الفحم فى توليد الطاقة.
 
ويقول الدكتور سمير يوسف الحاصل على 7 درجات دكتوراه فى مجالات الطب المختلفة: نفايات استخدام الفحم تحتوى على العديد من المواد السامة مثل الرصاص والزرنيخ والكاديوم، وهى مسئولة عن أمراض سرطان الرئتين ولوكيميا الدم وعطب جهاز المناعة وجميع أمراض الجهاز التنفسى وتشوه الأجنة وأمراض الجهاز العصبى المستدامة والتسمم وأمراض الكلى والسرطان.
 
ويزيد من خطورة الغبار المتصاعد من حرق الفحم صغر حجم جزيئات المواد السامة الموجودة فيه، ويكون حجم هذه المواد أصغر بحوالى 04 مرة من قطر شعرة الإنسان، ما يجعلها تنفذ بسهولة إلى أعماق الرئة وتختلط بمجرى الدم مسببة زيادة معدلات الإصابة بالأمراض الرئوية المزمنة، الأزمات القلبية، السكتات الدماغية وأمراض القلب، وانتشار الإصابة بأمراض الأوعية الدموية والوفاة المبكرة الناتجة عن ذلك.
 
واتفق سليمان وعزازى على ضرورة أن تلجأ الحكومة إلى بدائل أخرى رخيصة التكلفة مثل النفايات والدهون الحيوانية، الأقل تلويثا للبيئة.
 
وأنه يجب أن تضغط وتراقب صناعة الأسمنت وغيرها لتلتزم برفع كفاءتها الإنتاجية باستخدام نفس مستوى الطاقة بدلا من زيادة استهلاك الطاقة وتحويل الاستخدام إلى الفحم الملوّث والإبقاء على نهج فقير الكفاءة بالنسبة لأفضل الممارسات.. وقال إن هناك مصادر بديلة لإنتاج الطاقة يمكن التحوّل إلى استخدامها أهمها مخلفات المدن الصلبة والمخلفات الزراعية وحتى المخلفات الخطرة والصرف الصحى، ومصر لديها من هذه المخلفات ما يكفى للوصول إلى نسبة 98٪ بل وتعديها، كما أن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تعد من أهم مصادر الطاقة النظيفة والمتجددة التى تتوافر فى مصر، لتوليد الكهرباء بتكلفة تنافسية، وتعظيم الاستفادة من المخلفات كأحد مصادر الطاقة واستخدامها كوقود بديل فى الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة خصوصا صناعة الأسمنت، عن طريق التشجيع على إنشاء مصانع لتحويل المخلفات إلى وقود RDF مما يؤدى إلى جذب استثمارات وخلق فرص عمل والتخلص من مشكلة القمامة.
 
بالإضافة إلى ضبط سرقات الكهرباء، مع منع استخدام اللمبات العادية، واستخدام الموفرة إلى جانب اللجوء إلى مواتير عالية الكفاءة، والإسراع فى البرنامج النووى حتى نستطيع تغطية العجز الموجود فى الطاقة، وإلا بعد عشرة أعوام لن نجد كهرباء، فالإمارات والسعودية قامتا ببناء محطات نووية رغم امتلاكهما بترولا، والطاقة الشمسية وطاقة الرياح لا تستطيع حل أزمة الطاقة.