الإثنين 16 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

غـدوة وبنـات عـبدالرحمـن

مرايــا المجتمعــات العربيـــة

4 شقيقات و4 عوالم مختلفة
4 شقيقات و4 عوالم مختلفة

انتهت فعاليات الدورة 43 لمهرجان القاهرة السنيمائى الدولى بنجاح كبير يُحسب لرئيسه محمد حفظى ولفريق عمل المهرجان ككل، ولأننى مُقتنعة أن نجاح أى مهرجان يكون بأفلامه، فمن المؤكد أن أفلام هذا العام كانت شديدة التميز، بدليل الإقبال الجماهيرى عليها، فلأول مرة تتحقق مقولة «كامل العدد» على شباك التذاكر فى قسم «الأفلام القصيرة».



 

وقد اخترت التوقف عند فيلمين يستحقان الاحتفاء بهما؛ أولهما الفيلم التونسى «غدوة»، وذلك لعدة أسباب، أولها أنه شارك فى المسابقة الدولية وفاز بجائزة الاتحاد الدولى للنقاد «الفيبريسى»، والسبب الثانى بطل الفيلم نفسه، ظافر العابدين، الذى يقدم تجربته الإخراجية الأولى، بجانب مشاركته فى التأليف مع السيناريست أحمد عامر وفى الإنتاج مع درة بوشوشة، والذي نتفاجأ أيضًا بقدرته على التنوع بأدوار مُختلفة عن المعتاد، فضلا عن قدرته على الفصل بين دوره كممثل ومخرج، وكيفية إدارته للممثلين المشاركين معه.

 

صبا
صبا

 

غدوة

اختار ظافر تقديم أول تجاربه من خلال فيلم سياسى سايكو دراما، يتحدث فيه عن إحدى قضايا وطنه، بالإضافة إلى أن دوره بالفيلم يكشف عنه كمُمثل من العيار الثقيل،بعيدًا عن أدوار الدنجوان المعتادة، فهو هنا يجسد شخصية مُركبة مليئة بالصراعات النفسية الداخلية لـ«حبيب» المُحامى الذى يعانى من انفصام بالشخصية، قد يكون نتيجة تعرضه لتعذيب أو ممارسات ضد حقوق الإنسان إبان الثورة التونسية عام 2011، مما جعله يتخيل حديثه مع آخرين لا يراهم أحد سواه، وتصل تخيلاته إلى أنه مُطارد من أجهزة النظام السابق، لذلك يغلق باب شقته ونوافذها بطريقة تترجم إحساسه بالخوف والاضطهاد.

نعلم من خلال الأحداث أنه غير مسموح له بممارسة مهنته كمُحامِ، نظرا لحاجته للعلاج بأحد مستشفيات الأمراض النفسية، خاصةًأنه مُمتنع عن تناول الدواء الخاص به، وهو ما انعكس على سلوكياته فى الحياة العامة، وظهر ذلك فى الشعارات التى أطلقها فى وسيلة المواصلات أو مع النائب العام الذى استوقفه ليعرض قضيته عليه، ومن خلال الجُمل المكتوبة بنهاية أحداثه ستتأكد أنك أمام فيلم يتحدث مُخرجه ومؤلفه عن وضع قائم بوطنه تونس، ومعاناة ضحايا الثورة وذويهم فى الحصول على حقوقهم.

لذلك كان اسم الفيلم مُعبراً عن وجهة نظر المخرج وإيمانه بغد أفضل لمُجتمعه، ودعم وجهة نظره بوجود المُمثل الصاعد «أحمد بن رحومة» فى دور الابن، كدلالة رمزية على المُستقبل. ففى ظل الارتباك النفسى الذى يعيش فيه البطل نجد ابنه «أحمد» البالغ من العمر 15 عاما، هو الداعم الوحيد لوالده، ومن خلالهما نشاهد علاقة أبوية فريدة، خاصة بعد انفصال الوالدين، حيث نرى كيفية تعامل الابن مع والده وخوفه عليه وكأن الأدوار تبدلت بينهما، وهذا ما نلاحظه فى أكثر من مشهد، أبرزها هلع الابن عندما استيقظ ولم يجد والده فى الشقة ثم اكتشف أنه فوق سطح المنزل ليستنشق الهواء، ومشهد الحمام بعد الضرب المُبرح الذى تلقاه والده على أيدى رجال النائب العام، ومشهد محاولة الابن الاطمئنان على والده أثناء تأدية الامتحان.

ورغم الوضوح والمُباشرة فى الخط السياسى بالفيلم فإنه لم يخصم من الخط الدرامى للعلاقة الإنسانية الخاصة بالأب وابنه،بل خلق حالة من المواءمة الدرامية حققت قدرًا جيدًا من الرضا على الشريط السينمائى. أيضا لا يمكن تجاهل دور ديكور شقة البطل المُتهالكة التى عبرت عن حالةالمُجتمع التونسى، والتى أشار إليها بطل الفيلم فى حوار دار بينه وبين ابنه أنها بحاجة لطلاء،فى إشارة منه لحالة المجتمع. إذا أردت تقييم الفيلم لابد أن يستوقفك أنها التجربة الإخراجية الأولى لأحد أبطال العمل، ويقع عليه عبء الجمع بين الإخراج وإدارة المُمثلين ،بخلاف تركيزه فى تجسيد شخصية مُركبة ومُرهقة بمواصفات «حبيب»، لذلك من الطبيعى وجود ملاحظات على الفيلم، لكن ذلك لا ينفى كونه يستحق الاحتفاء به وبصانعه ظافر العابدين، وأن نقول له «برافو فعلتها عُقبال عندنا»،فبعد الفنان الراحل نور الشريف لم يتحمس أى مُمثل لخوض تجربة مُماثلة. بنات عبدالرحمن

يأتى الفيلم الأردنى «بنات عبدالرحمن» للمخرج زيد أبو حمدان على قائمة الأفلام المهمة التى عرضت ضمن المسابقة الدولية بالمهرجان، وفاز الفيلم بجائزة تصويت الجمهور «جائزة يوسف شريف رزق الله». ما يميز العمل هو طرحه لفكرة كيفية سيطرة الفكر الذكورى على طموح ومستقبل المرأة العربية عموما، وقد اختار مؤلف الفيلم ومُخرجه تقديم فكرته من خلال سرده لحكايات أربع شقيقات، الصلة مقطوعة بينهن، فكُلً منهن لها عالم خاص وشخصية مُختلفة عن الأخرى، لكن جمعتهن رحلة بحث عن والدهن، الذى اختفى فجأة بمجرد مشاهدته لابنته الكبرى التى فاتها قطار الزواج وهى ترتدى أحد فساتين الزفاف الذى قامت بتفصيله.

الحقيقة أن الممثلات الأربعة كانت بينهن مباراة جبارة فى الأداء التمثيلى، أولهن فرح بسيسو، الشقيقة الكُبرى، وهى شخصية عذبة هادئة فى تعبيراتها عن الشخصية، وعكست ببراعة فكرة المؤلف وما يريده بفيلمه، حيث شاهدنا كيف استسلمت لقانون المُجتمع الذكورى،خاصة بالمنطقة الشعبية التى تُقيم فيها، وكيف ضحت بشبابها من أجل خدمة والدها، وحملت لقب «عانس»، بخلاف تخليها عن هواية العزف على الجيتار، وعودتها له بعد تصاعد الأحداث بشخصيتها، وتصديها لأهل الحارة الذين يلقون بأسرارهم على ماكينة الخياطة التى تعمل عليها. أما صبا مبارك التى لم تكشف عن موهبتها بشكل كامل أو مخزونها الإبداعى فى العديد من الأدوار الدرامية، أعلنت عن نفسها فى «بنات عبدالرحمن» كمُمثلة من العيار الثقيل من خلال دور الشقيقة المُنتقبة المُتزمتة دينيا، التى رضخت بحكم تربيتها الخاطئة لزوج غليظ القلب، فنلاحظ جبروتها وتناقض شخصيتها عندما قررت التمرد على زوجها، والتفاعل بشكل مُختلف معه ومع شقيقاتها.

أما حنان حلو «سماح» فهى الشقيقة الثالثة المُتحررة المتزوجة من ثرى، وتحرص على مراقبته لشكها فى خيانته لها،لتكتشف فى النهاية ما لم تكن تصدقه أو تتخيله. أما أصغر الشقيقات فهى مريم باشا «ختام»،التى تمردت على العالم الذى نشأت فيه واختارت السفر والاستقلال بشكل كامل عن الأسرة، لكنها عادت لتحصل على مُباركة والدها للزواج ممن اختارته.

حرص مخرج الفيلم ومؤلفه على تضافر الشخصيات الأربعة الرئيسية بفيلمه، لطرح فكرته من خلال القضايا المُختلفة للشقيقات الأربعة، وشاهدنا براعته فى كيفية رسم كل شخصية على حدة، وكيفية تحولها وتمردها على حالها وعلى المُحيط الذى تعيش فيه، لكنهن فى الوقت ذاته لم يحمّلن والدهن مسئولية تربيتهن على الخضوع لفكر المٌجتمع الذكورى الذى نشأن به.

تحية للمخرج زيد أبو حمدان على اختياره لبطلات فيلمه، وكشفه لمناطق أداء مُختلفة لديهن، خاصةً صبا مبارك التى حصرها المخرجون فى نوعية معينة من الأدوار، وفى تصورى أن شخصية «آمال» المُنتقبة المُلتزمة التى تحولت شخصيتها بعد لقائها وتفاعلها مع شقيقاتها، ستُغير نظرة المُخرجين لها فى نوعية الأدوار التى يرشحونها لها لاحقا، وتحية أخرى لصبا مبارك التى شاركت فى إنتاج الفيلم مع «آية حوش»، فقد ذكرتنى بإلهام شاهين فى تصديها لإنتاج أفلام مهمة تلعب فيها أدوارا مُختلفة تضيف لرصيدها الفنى الكثير.