الجمعة 9 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

صاروخان كان حافظ مش فاهم!

صاروخان كان حافظ مش فاهم!
صاروخان كان حافظ مش فاهم!


للمرة الثانية يأخذنا الكاتب الكبير رشاد كامل ورئيس مجلس الإدارة المهندس عبد الصادق الشوربجى لرحلة جميلة ساحرة عبر الزمن الجميل فى المجلد الثانى من مجلة «الصرخة» إحدى إصدارات روزاليوسف وتراثها العريق التى كانت تصدرها السيدة العظيمة فاطمة اليوسف عقب إغلاق وتعطيل الحكومات المستبدة لمجلتها، فكانت تواجه هذا التحدى بإصرار فكلما عطلت الوزارة المجلة أصدرت مجلة أخرى باسم جديد.
 
فـ«روزاليوسف» فى السنتين الثالثة والرابعة من عمرها من أكتوبر 1927 إلى أكتوبر سنة 9291 كان المفروض أن يصدر منها 104 أعداد باعتبار أن السنة 52 أسبوعا، ولكن «روزاليوسف» لم يصدر منها فى هذه المدة إلا 42 عددا وصودر منها 62 عددا أى ما صودر كان أكثر مما صدر، ولم يقتصر الأمر على المصادرات بل تحقيقات وقضايا ووقوف فى ساحات المحاكم ورحلات يومية لمبنى النيابة، وتحريض لجرائد أخرى للسب فى روزاليوسف، وكانت كل مجلة تصدر يكتب على صدرها تشترك فى تحريرها السيدة روزاليوسف وهكذا صدرت روزاليوسف بأربعة أسماء مختلفة فى أقل من عام.
 
وفى الجزء الثانى من كتابه الصرخة مجلة ضد الاستبداد والذى يضم مجموعة أخرى من أعداد المجلة التى أغفلها الكثير من المؤرخين واكتفوا ببعض سطور كتب رشاد كامل عن صاروخان وهو الرسام الأوحد الذى كان يرسم مجلة الصرخة من الغلاف للغلاف وبعض رسوماته كانت تحتل صفحة كاملة.. وصاروخان كان أهم اكتشافات روزاليوسف التى بدأ معها رحلة الاكتشاف والنجاح المدوى فى كل المجلات التى أصدرتها، وبسبب رسوماته الساخرة تعرضت مجلة روزاليوسف وغيرها من المجلات إلى أزمات ومصادرات ومحاكمات وتعطيل وإغلاق، وكتبت فاطمة اليوسف فى مذكراتها عن صاروخان واكتشافه كانت مجلة الكشكول التى تناصبها العداء فى ذلك الوقت تتميز بشىء واحد هو الرسم الكاريكاتيرى الذى كان يرسمه لها الرسام الكبير سانتيز وكان سانتيز أيضا يرسم بعض الصور فى روزاليوسف، ولكن ارتباطه بالكشكول كان يحول دون أن يتفرغ لذلك فكرت فاطمة اليوسف فى الرجل الأرمنى الأصلع القصير الذى كان يصعد خمسا وتسعين درجة ليصل إلى مقر المجلة القديم، وقد حمل فى يده نكتة قام برسمها وكنا ننظر إلى النكتة فنجدها قديمة فيعود هابطا السلم الطويل بنكتة تهتز فى يده.
وأرسلت السيدة فاطمة اليوسف لاستدعاء صاروخان وكان وافدا لمصر لا يعرف شيئا عن شخصيات السياسة المصرية، وكان التابعى يفقد أعصابه عشرات المرات قبل أن يفهمه فكرة صورة واحدة ثم هو يرسمها عكس ما نريد فيعيد المحاولة حتى أصبح صاروخان بعد مجهودات جبارة رساما كاريكاتير كبير، وتمضى روزاليوسف قائلة عن صاروخان شخصية المصرى أفندى ولدت على صفحات روزاليوسف فقد كان كشكول يرسم شخصية جحا يحركها فى صورة سياسية وأردنا أن تكون لنا شخصية أخرى تنطق فى الكاريكاتير برأى المجلة.
 
ونشرت روزاليوسف مرة رسما يمثل المصرى أفندى وقد وضعته وزارة محمد محمود فى إناء كبير كالذى يستعمله الهنود الحمر وهم يشعلون النار فيه واستدعت النيابة صاروخان وسألته من صاحب الفكر فقال السيدة روزاليوسف فقالوا له كيف ترسم صورة المصرى أفندى وهم بيحرقوها، فقال لا افتكرتهم بيطفوها، وأكد صاروخان للمحقق أنه لا يفهم الصورة وإنما يرسم ما أقوله فحسب، وتؤكد روزاليوسف أنها احتفظت بنص التحقيقات حتى أن صاروخان عندما قرر أن يترك روزاليوسف قرر أن يرفع دعوى يطلب فيها عدم استعمال شخصية المصرى أفندى فأطلعت فاطمة اليوسف محاميًا على أقواله فقرر عدم رفع الدعوى، وأيقن أن القضية خاسرة ولم يرفعها وقد مضت 20 سنة على خروج صاروخان قبل أن يعود ويطلب شهادة بأنه كان يعمل فى روزاليوسف للحصول على الجنسية المصرية وأعطت السيدة فاطمة له الشهادة.
 
ويستعرض الأستاذ رشاد كامل فى المجلد الثانى باقى أعداد الصرخة بداية من العدد 18، والذى صدر 16 ديسمبر سنة 1930، والذى صدر بغلاف يصور سخرية الإنجليز من حزب صدقى باشا الشعب وحزب الاتحاد الذى يريد المندوب السامى أن يحارب بهم حزب الوفد، بينما يسخر التابعى من صحف الحكومة فى مقاله «موال» بعنوان التلاتة بقرش ملحق ملحق الحق الحق دى جرايد ماتقولشى إلا الحق ثلاثة بقرش ثلاثة بقرش، التلغراف التلغراف جرنال متكلف تقل لحاف وتمن أرخص من العيش الحاف.. الثغر يا هو الثغر يا هو وعجايب حزب الشعب وأخوه والكشكول فوقها راح تاخدوه ملحق ملحق دى جرايد ماتقولش لا..
 
لفت نظرى إعلان عن عيادة ومستشفى لعلاج الإدمان وآخر للاستشارات الجنسية والتناسلية ولكن الصياغة بشكل فائق التهذب بعكس ما هو سائد حاليا.
 
وفى العدد رقم 21 بتاريخ 6 يناير سنة 1931 كان الغلاف يسخرمن التصريحات الكثيرة المتتالية لصدقى باشا مما يجعل حلفاءه فى حيرة من أمرهم لتناقض التصريحات.. والغلاف الأخير صور صدقى باشا وعلى ماهر باشا فى حوار ساخن حول الجو، وجاءت الافتتاحية بعنوان حظ الصحافة فى مصر حيث أكد محمد على حماد أن الصحافة فى مصر لها الله منكوبة الحظية الطالع وأن حظها فى المصادرة والتعطيل وقطع موارد الرزق والزج بالصحفى بين القتلة والسارقين وهاتكى الأعراض.
 
وكشف محمد التابعى فى هذا العدد عن مشروع أعدته الحكومة لإنقاص مرتبات الموظفين وخطاب ملك الحجاز إلى ملك مصر وتفاصيل عجيبة عن حبس الصحفى لمدة شهرين ورده على كنس قسم الأزبكية ثم مشادة بين المجلس الملى والبطريك.
 
وتواصل الصرخة فى سرد الحكايات والحوادث الغريبة فهى التى تميزها وتعطى لها رونقها واختلافها بين الجرائد الأخرى.
 
فذكرت حادثة عن قسيس يغازل عشيقته فى الكنيسة وفى سبيل الحب والغرام حكم عليه بالسجن المؤبد.
 
وفى العدد رقم 24 بتاريخ 27 يناير كان كاريكاتير الغلاف بالغ الدلالة السياسية، حيث جاء فيه صدقى باشا يخطب مؤكدا أن مصر تساندنا والأمة معنا فترد عليه مصر الكلام ده جبته منين.
 
بينما تحدثت جريتا جاربو عن أبرع رجل فى تبادل القبلات وكانت تقصد به الممثل جون جبليرت والذى شاركها رواية امرأة الأعمال مؤكدة أنها طالما أفسدت عمدا كثيرًا من المناظر لتعطيل العمل والمكوث معه أطول فترة ممكنة مؤكدة أنه بعد عامين من انتهاء التصوير لاتزال تشعر بحرارة قبلته على شفتيها.
 
بعد أن أنهيت الجزء الثانى من تراث «روزاليوسف» لابد أن أتوجه بالشكر لكل من ساهم فى خروج هذه التحفة الفنية للنور فى مقدمتها المهندس عبد الصادق الشوربجى رئيس مجلس إدارة روزاليوسف وأستاذى رشاد كامل للمجهود الكبير لخروج هذا التراث بين يدى جيل كامل من الشباب منهم نحن الصحفيون والصحفيات حيث الاطلاع على تاريخ المؤسسة العريق يعتبر إحدى الركائز الأساسية فى طريقنا للنجاح، ولكى نعرف أن اسم «روزاليوسف» لم يبرز من فراغ لقد كان حصيلة جهد وجرأة وشجاعة ومغامرة من كل صناعها للاستمرار والتفرد ولمن لا يعمل فى مجال الصحافة من الشباب فعليه أن يعرف أن النضال والجرأة ليست صنيعتهم وحدهم لقد سبقتهم أجيال ناهضت ووقفت أمام أعتى الأنظمة وحاربوا بأسلحة قد تكون بسيطة لكنها مؤثرة بالكلمات والرسم، لذلك فإن الصرخة عمل تاريخى كبير لعظماء دفعوا الكثير لإعلاء قيمة الوطن.