الأحد 20 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ليه بنترعب من أفلام الـرعب؟

مشهد من فيلم مقصورة دكتور كاليجرى
مشهد من فيلم مقصورة دكتور كاليجرى

حفل توزيع جوائز الأوسكار عام 2018.. فوجئ الجميع بكم الترشيحات الكثيرة للجوائز لفيلم الرعب الشهير Get Out، كترشحه لجوائز أفضل فيلم وأفضل ممثل لـ Daniel Kaluuya، وأفضل مخرج لـ Jordan Peele.. وبعيدًا عن التحليل الفنى للفيلم ذاته، لكن نوع فيلم Get Out وهو «رعب»، قد يجعل البعض يتساءل: أليس من الغريب أن يترشح هذا النوع بجانب أفلامٍ أُخرى ذات ثقل مثل Dunkirk وقتها؟.. وكأن «الرعب» كلمة ( ولا مؤاخذة قبيحة)!



 

فى النهاية لا يُمكن التقليل أبداً من «نوع الرعب» فى السينما، فالكثير منا يحب تلك النوعية من الأفلام.. لكن السؤال: لماذا نُحب نوعية أفلام الرعب؟.. ما الذى يُمثله لنا النوع ذاته «الرعب» ليُصبح مُنتشراً بتلك الطريقة؟.. ولماذا نُقبل على مُشاهدة تلك النوعية من الأفلام ونحنُ نخاف منها؟

قبل الشروع فى الحديث عن «نوع الرعب»، يجب فى البداية أن نعرف معنى كلمة «النوع» أو Genre.

 

مشهد من فيلم نوسفيرانو 1922
مشهد من فيلم نوسفيرانو 1922

 

النوع:

النوع أو Genre كلمة ذات تعريف «مطاط»، فمثلاً «الفيلم التاريخى» نوع، «سينما المؤلف» نوع، لكن الـDrama ليست «نوعًا» كما هو مُشاع، وذلك وِفقاً لـ «د. هايمن سند التهامى» أُستاذ السيناريو بمعهد السينما المصرية.

وقد ظهر «نوع الفيلم» لمُحاربة «تأليه المُخرج» أى جعل المُخرج هو «إله العمل»، وبدلاً من ذلك يتم التركيز مع المُتلقى أو المُشاهد باعتباره مُساهماً فى العملية السينمائية، حيث ظهر فى السبعينيات بالطريقة التى نعرفها، وكان قبلها يتم التركيز مع المُخرج، مع أن الأفلام كانت تُصنع للشُعوب وليس للمُخرجين!.

وفى مجال الدراسات السينمائية يشير «معجم المصطلحات السينمائية» إلى أن «النوع» هو «مصطلح يُشير إلى مجموعة من الأفلام السينمائية، تتشابه أُسلوبياً وموضوعياً وبنائياً، كما تتشابه فى التعبير عن نفس الاهتمامات».. أما الكاتب «ستانلى جيه سولمون»، فيؤكد فى كتابه «أنواع الفيلم الأمريكى» أن «النوع» فى مجال السينما هو «الترتيب الواضح لقوالب الحكى بهدف إنتاج خبرات مُعينة ترتبط بها من فيلمٍ إلى آخر».. ويُعتبر «أرسطو» هو أول من تحدث عن «النوع»، فرأى أن كل «نوع» يختلف عن الآخر.. وتعتبر «مجموعة شيكاجو» أول من أسس لفكرة الـ Genre ، وأول كتاب لـ«النقد النوعى» ظهر فى عام 1960.

بقى أن نذكر أن هنالك عددًا من المشاهير الذين هاجموا مسألة الـ Genre.. منهم مثلاً الكاتب الفرنسى الشهير «فيكتور هوجو»، الذى رفضها.. وكذلك الفيلسوف الإيطالى «كروتشة»، والذى كان مُهتماً أكثر بـ«فن الاستاطيقا» أو «فن علم الجمال».. وكذلك «ماركس»، والذى كان عادةً يكره مسألة «النوع»، ويذم فيها، وكان يهتم بـ«بنية الفيلم» و«الأساطير»، ويُحاول أن يبحث فى الأفكار التى تُقدم للجمهور.

النوع: رعب:

من ضمن «دراسات نُوع الفيلم» ما يُعرف بـ«دراسات الأستوديو»، حيث قام «توماس شوارتز» بكتابة دراسة «عبقرية النِظام»، وفيها قام «شوارتز» بمُتابعة شركات الإنتاج ليرى ما الذى يُميز كُل شركة عن الأُخرى.. و«الرعب» كان أحد الاتجاهات المهمة – بالنسبة لشركات الإنتاج – مثلاً عادة صناعة أفلام الرعب اليابانية، مثلما تم تحويل فيلم Ringu اليابانى إلى فيلم The Ring الأمريكى – وهو ما سنتناوله لاحقاً فى الجزء الثانى من المقال -حيث تمت إعادة النظر فى الكلاسيكيات الأجنبية الناجحة، فكان فيلم الرعب القُوطى والعصرى معاً The Ring، فهو فيلم رعب أكثر فعالية وذكاء ًوأناقة للعقد الجديد عن النُسخة اليابانية الأصلية.

وقد أدركت الاستوديوهات بأن الأرباح يُمكن أن تأتى عن طريق «الرعب» بتكلفة زهيدة، أو تكييفها، أو إعادة «عرض» البرامج التليفزيونية الكلاسيكية، أو عرض أفلام الرعب الأكثر بروزاً.. ولهذا أصبح «الرعب» واحداً من أكثر النوعيات ربحاً فى القرن الجديد، فالأفلام مُنخفضة التكاليف مُقارنةً بأفلام أُخرى؛ ولا تتطلب الكثير من الأصالة، أو الاسم الكبير، أو التسويق واسع النطاق لأنها قادرة على اجتذاب جماهير كبيرة، وغالباً ما تكون هناك جحافل جاهزة من المؤمنين بـ«فيلم الرعب»، وهذا لم يكُن مُفضلاً لدى النُقاد بكل تأكيد.

 

مشهد من فيلم Get Out
مشهد من فيلم Get Out

 

ووفقاً لبحث «البناء الدرامى فى فيلم الخيال العلمى» لـ«د. خالد عبدالجليل»، تأتى «قوة الرعب» من إشاراته المُستمرة إلى أن الشر هو قوة غير مفهومة، مُطلق، لا يحتاج لهيئة مُميزة، وقادر على التخفى، فمثلاً قد يتخفى الشر فى صورة فتاة بريئة الملامح كما هو الحال فى فيلم Get Outمثلاً، والتى تخدع البطل ليأتى معها لمنزل عائلتها.. لذلك التخلص من «الفتاة البريئة/ الشر» يبدو مُستحيلاً، وسنجد أن بطل Get Out قد استشعر هذا «الشر» بعد فترة، فكان غير مفهوم وغامض منذ اللحظة الأُولى، وحاول التخلص منه فيما بعد، لكن دون فائدة حتى قُرب النهاية.

ولأن الرُعب يُشبه عالم الكابوس، فإنه لا يختفى تماماً، فالـ«الفتاة البريئة» لا تموت بسهولة، وقد تعود– ربما فى أجزاء بعد النجاح الكبير للفيلم - ليس لأسباب تُجارية صِرف، ولكن لأنه أصبح لها جُذُور عميقة فى سيكولوجية مُجتمع مُرتادى الأفلام الحديثة، فهى تُعيد خلق نفسها دُون توقُف، فهى مثل الشخص الرمزى الجاهز لقالب الشر. 

وفى كتاب «الخيال.. من الكهف إلى الواقع الافتراضى» لـ«د. شاكر عبدالحميد»، فأفلام الرعب تهدف إلى توليد مناخ عام، مُخيف، وقاتم، يرتبط بالانهيار والتحلل والموت.. وأشار «د. شاكر» إلى فيلم «طفل روزمارى» لـ«رومان بولانسكى»، والذى لا يختلف كثيراً – كما أشرنا - من كون الرعب قادمًا من جِهة لا يبدو أنها مُصدرة للرُعب وهو «الطفل» كما هو حال الفتاة البريئة فى Get Out.

ولهذا أفلام الرعب عادةً تتركنا بإحساس خاص بعدم الارتياح، وشعور بعدم الاستقرار فى العالم، مع نوع من الاضطراب الخاص الذى لا يُمكن تفسيره، والذى يوحى بأن كل شىء يفشل وينهار، حتى ما بدا ناجحاً فى البداية.. ورُبما يكون هذا هو السبب فى إقبال المُشاهد العربى على أفلام الرُعب فى النهاية!.. وذلك رغم تأثيرها الثقافى السلبى على ذات المُشاهد!

ويُشير «د. شاكر عبدالحميد» إلى أنه فى معظم أفلام الرعب يتم إنقاذ البطل أو الضحية فى النهاية (البطل فى Get Outينجو فى النهاية رغم صعوبة الأمر)، لكن هذا لا يعنى زوال اللعنة لأنها ربما تستمر، فالشخصيات الحية تظل واعية بذلك العالم المُرعب الذى يُوجد خلف عالمها الخاص أو وراءه، بحيث لا يُمكنها تجاهله بعد الآن، وينتقل الأمر نفسه إلى الجُمهور أيضاً.

 

 

 

ويرى «د. شاكر عبدالحميد» إلى أن الهدف النهائى لـ«أفلام الرعب» هو الموت، سواء جاء هذا الموت عن طريق بشر مُتحولين أو مُرعبين (الشر يأتى من عائلة البطلة فى Get Out وهم أشخاص مُرعبون كفاية) لهذا بلغت أفلام الرعب ذروتها فى نهاية السبعينيات، وبداية الثمانينيات، وما بعدها من القرن العشرين، وما زالت مُستمرة حتى الآن.

لماذا؟:

كان عالما النفس «فرويد» و«يونج» مُختلفين حول تفسير الأحلام، فـ«فرويد» يرى الحُلم مُعبراً عن الماضى، ويراه «يونج» مُعبراً عن المُستقبل، فكان الحُلم عند «فرويد» بمثابة شىء شخصى جداً، مُعبراً عن الرغبات الشخصية، لهذا كان مُهتماً بالتاريخ الشخصى للمَرضى.. أما «يونج» فكان يراه بمثابة نداء من قُوى قديمة (ليست أرواحاً بالمعنى المفهوم)، وبالتالى كان يُركز على «المُوتيفات الأُسطورية».

لهذا عمل «يونج» على «اللاوعى الجمعى» من خلال أحلام مرضاه، فكان يرى أن «اللاوعى الجمعى» يجمع بين كل البشر، بما أن القُوى القديمة والمُوتيفات الأُسطورية قد أثرت على كُل البشر، وهو ما سنجده بكثرة فى أفلام الرُعب.. وكان «فرويد» يرى أن «قصص الرعب» تحرر العقل المكبوت، و«يونج» كان يرى هذا النوع فيه استدعاء لأشياء قديمة لنا بشكلٍ أو بِآخر.. وليست المنطقة العربية وحدها هى المولعة بأفلام الرعب، بل العالم كله، فأفلام الرعب – فى النهاية - تتعامل مع طبيعتنا البدائية، مخاوفنا، كوابيسنا، قابليتنا على السقوط، انسلابنا، خوفنا من المجهول، ورهبتنا من الموت.

ولقد تم تطوير أفلام الرعب من عدة مصادر كالحكايات التراثية التى تحوى شخوصاً شريرة، السحر، الخرافات، الأساطير، الأحداث الميلودرامية، وروايات العصر القوطى والفكتورى.. وفى العقد الأخير من القرن العشرين، شهد نوع «الرعب» صحوة كبرى بسبب انتشار الفيديو وقنوات الكابل.

دراسات:

من دراسات «نوع الفيلم» سنجد «دراسات الصيغة الثابتة»، فسنجد فى كتاب «آرتمان» قسمًا بعنوان «حرفية النوع»، وهو أشبه بالكُتب التى تُصدر عن كيف تكتب «فيلم رعب» مثلاً؟.. ويقول أنه يُمكنك أن تصنع وحش فيلم الرعب عن طريق الآتى: إماصناعة الوحش من وحى الخيال.. وإما أن تأتى بالوحش من العالم الخارجى.. وإما أن تُحول أحد الأشخاص إلىوحش كما فى Get Out.. وكل كاتب يقوم بكتابة الفيلم بالطريقة التى يرغبها.

ومن بين «دراسات نوع الفيلم» ما يُعرف بـ «الدراسات التاريخية»، والتى تُركز على «تاريخ ظُهور النُوع»، ويُمكن تعزيز بدايات تاريخ ظُهور «نوع أفلام الرعب» إلى «السينما الألمانية»، وذلك بتقسيم تطور السينما فى «ألمانيا» لفترتين.. فترة ما قبل الحرب وفترة ما بعد الحرب:

• فترة ما قبل الحرب: 

كانت بدايات «السينما الألمانية» تأخذ منحى غرائبيًا وخياليًا، مِن المُمكن تعزيز ذلك لأسباب سياسية، وأيضاً لتأثير الأدب الألمانى (كقصص الأخوان جريم)، وأيضاً لتأثير علم النفس والتيارات الفنية.

من المُخرجين المُميزين فى تلك الفترة «رايد هارت»، ومن أشهر أفلامه «الفتاة الغريبة»، والذى يُعتبر بمثابة بداية ظُهور أفلام الرُعب فى السينما.

• فترة ما بعد الحرب:

النازية استغلت السينما فى تسجيل أشياء لتعظيمها.. وكان التفكير بعد الحرب هو عمل أفلام دعائية جيدة لتبييض وجه ألمانيا.. ومن المُخرجين المُميزين فى تلك الفترة «روبرت فينيه» وفيلمه «مقصورة دكتور كاليجرى»، والذى يُعتبر بمثابة «بداية التعبيرية الألمانية»، وهو فيلم يحنو تِجاه الغرائبية أو «الرعب».

وقد ظهرت فى تلك الفترة أيضاً أفلام «مسرح الجيب» على يد «مورناو»، والذى قام بصناعة فيلم «نوسفيراتو» عام 1922، ويُعتبر أول فيلم رُعب بالمعنى المُتعارف عليه لدينا.

فى الجزء الثانى من المقال سنُقارن بين نوعين من أفلام الرُعب الشهيرين.. كما أننا سنُشير إلى تأثير الثقافات المُختلفة على طبيعة المشاهد فى تحديد ما الذى يُرعبه أكثر؟.. وتأثير الأساطير وغيرها على طبيعة أفلام الرعب التى يُحب الجمهور مُشاهدتها فى صالة العرض السينمائى.