السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

بشر فى حاجة لمساعدة لا أحكام مسبقة

منتحــرون «طـالبين رحمــة ربنـا»!

ريشة: كريم عبدالملاك
ريشة: كريم عبدالملاك

مَن منا لم يمر بلحظات من الضعف واليأس  والإحباط، بعد فشل فى علاقة أو فَقْد عزيز أو ترك عمل ، تلك اللحظة التى نشعر حينها أنها نهاية العالم، فيستسلم البعض لتوابعها ويكون أضعف من أن يتحملها فيقرر الخلاص بالانتحار كوسيلة هروب بائسة، بعضهم ينتحر، وبعضهم يواجه ويتخطى لتتحول الأزمة بمرور الوقت إلى مجرد ذكرى.



الانتحارُ مرضٌ نفسىٌ واضطرابٌ، وهو وهْمٌ لاعتقاد أن الموتَ أرحمُ من واقع لا يستطيع مواجهته.

المنتحر مريضٌ.. لا يخرج من رحمة ربنا التى تتسع كل شىء.

 

 

عددٌ من حوادث الانتحار المتتالية والمؤلمة كان آخرها فتاة سيتى ستارز الشابة التى انتحرت نتيجة للضغوط الأسرية التى أدت بها للاكتئاب ومن ثم الانتحار بصورة مأساوية، فتحت الباب للعديد من التساؤلات حول سبب ارتفاع حالات الانتحار رغم ارتفاع المستوى المادى والفكرى فى كثير من الحالات، وكيف نقدم لهم العون والعلاج بدلاً من تكفيرهم.

عائدون من الانتحار

صفحات عديدة على مواقع التواصل الاجتماعى يصل عدد أعضائها إلى مئات الآلاف يعرضون مشاكلهم فى محاولة للبحث عن حلول مع غيرهم أو محاولات للفضفضة عن سوء أحوالهم النفسية، وبعضهم يعلن عن تفكيره فى الانتحار على اعتقاد غير حقيقى أنه حل، والبعض الآخر حاول بالفعل وفشل.

الكارثة أن  عادة ما يكون الرد والنصح من أشخاص غير متخصصين فيطرح فكرة أو رأى وقد ينساق وراءه آخرون دون تفكير.

وعلى صفحات أخرى كانت هناك تجارب لأشخاص يرون قصتهم مع الانتحار وكيف أنهم نجوا بالصدفة، تحدثت مع أحد هؤلاء ممن كانت لهم تجربة انتحار سابقة فاشلة وهى فتاة جامعية متزوجة ولديها ثلاثة أطفال.

اضطرت إلى ترك الدراسة فى السنة الأخيرة بناء على قرار زوجها لرعاية أبنائها، ورغم تفوقها إلا إنه خيّرها بين إكمال دراستها أو طلاقها فاختارت بيتها وتركت الدراسة، وبعد فترة تدهورت أحوال زوجها المالية فاضطرت للعمل من بيتها بإعداد الوجبات الجاهزة  وبيعها، إلا أنها رغم ذلك لم تَسْلم من سوء معاملة الزوج وأهله.

 

 

ضاقت بها الدنيا ولم يكن هناك من يساندها؛  خصوصًا أن أسرتها رفضت مجرد فكرة الطلاق التى طالما ألحت عليها حتى قررت الانتحار.

تركت أبناءها عند جارتها  بحجة تنظيف الشقة وقامت بشراء حبوب منومة وابتلعتها ولكن الصدفة تسببت فى نجاتها عندما صعد أحد أطفالها إلى الشقة واستمر فى النداء علىها حتى يأس وذهب للجارة التى صعدت معه هى وزوجها وكسروا الباب ليجدوها على الأرض وتم نقلها للمستشفى وفور خروجها طلبت الطلاق واستأجرت غرفة هى وأبناؤها وعملت بأحد المصانع وقررت أن تبدأ حياتها من جديد دون استسلام أيًا كانت الظروف.

أعباء ثقيلة 

يشرح الدكتور محمد هانى استشارى الصحة النفسية، أسباب التفكير فى الانتحار قائلا «قرار الانتحار ليس قرارًا فجائيًا، والإنسان الذى يصل لهذا القرار يكون قد عبر مرحلة مؤلمة شديدة الصعوبة من الإحساس بعدم قيمته فى الحياة إضافة إلى الكثير من مشاعر فقدان الذات والطموح، وأصبح يرى أن الحياة عبء لا يُطاق بعدما زادت الضغوط عليه بشكل لا يحتمله».

 

 

يضيف: يدخل هذا الشخص فى نوبة اكتئاب شديدة  يعانى من الوحدة، كما أن قدرته على التحمل تكون قد وصلت إلى أضعف حالتها.

يقول د. هانى: الاكتئاب يُفقد الإنسان الشغف فى الحياة وعدم القدرة على الاستمتاع بأى شىء حتى لو كانت لديه كل الإمكانيات المتاحة، فهو لا يشعر بقيمتها فينعزل عن الحياة الحقيقية إلى حياة مجهولة منتهية الصلاحية، تصل به فى نهايتها إلى أن تكون لديه ميول انتحارية وهى التفكير فى طريقة للتخلص من حياته، وهو أحد أنواع الاضطراب النفسى.  يستغرق الشخص الذى قرر الانتحار بعض الوقت فى اختيار طريقة الانتحار التى يرى أنها تناسبه.

حالة فتاة المول على سبيل المثال تكشف الكثير، عن ما يعانيه المنتحر من تشوش فى التفكير، فهى شابة فى مقتبل العمر ومن مستوى علمى واجتماعى عالٍ ورغم ذلك فقد وصلت نتيجة لضغوط اجتماعية قاسية وقسوة مرعبة لحالة نفسية سيئة جدًا كشفتها طريقة انتحارها.

وهى لم تبالِ بكم الألم الذى ستتعرض له وهو يوضح كم التراكمات والكبت الذى تعرضت له.

 

 

وهناك من ينتحر بطرُق أقل إيلامًا كالحبوب المخدرة، لكن فتاة سيتى ستارز قاست وعانت حتى فى طريقة انتحارها لأنها كانت قد وصلت إلى نقطة سوداء، فى حالة اضطراب وجدانى واضح.

القرار

كنا نسمع عن الانتحار بسبب فقر أو ضغوط مادية ولكن الآن لم يعد للانتحار  كتالوج بدليل المستوى المادى والفكرى المرتفع للمنتحر.. فما تفسير ذلك؟  حسب الخبراء؛ فإن الانتحار لا يعتمد بشكل أساسى على مستواك العلمى أو  الاجتماعى وإنما يعتمد على النفس البشرية وقوة تحمّلها وقدرتها على المواجهة.

كلنا نتعرض لحالات اكتئاب ولكن هذا يعتمد على مدة الاكتئاب، فكلما زادت مدته زادت الخطورة، وهناك من يستطيع أن يعالج نفسه سريعًا ويتخلص من نفق الاكتئاب سريعًا، وهناك من ينكسر ويسقط، واللحظة التى يتخذ فيها المنتحر قرار الانتحار يكون فى حالة غيبوبة نفسية تتملكه تلك اللحظة السوداء بكل ما فيها من يأس وسلبية وفشل وانهيار. حسب الدكتور محمد هانى؛ فإن المراهَقة هى مرحلة اضطرابات على كل المستويات النفسية والجسدية والعقلية؛ لأنها مرحلة عدم اكتمال الشخصية، فبالتالى عادة ما  تكون شخصية المراهق هشة وضعيفة، لذلك إذا نجحت الأسرة فى الخروج بأبنائها من هذه المرحلة بأمان باحترام شخصيتهم وتقلباتها والاستماع إليهم وتقبل أخطائهم، كلما نشأ الأبناء فى أمان؛ أمّا إذا خرج الأبناء من مرحلة المراهة مشوشين نفسيًا ومهتزين فسوف يؤثر ذلك على شخصياتهم على المدى الطويل.

وأخيرًا عن روشتة الحماية من شبح الانتحار فتبدأ كما يقول الدكتور هانى، أن يكون الإنسان طبيب نفسه فعندما تشعر أنك فى حالة نفسية سيئة حاول الخروج منها سريعًا بالبحث عن الأشياء التى تبعث فى نفسك الراحة والسعادة.

كذلك من الخطأ رفع سقف التوقعات والتعلق بأشخاص فى حياتك إلى حد ربط سعادتك وحزنك بهم مع ضرورة عدم الاستسلام لحالة اليأس والإحباط، فجميعنا نواجه ضغوطا وإحباطات لكن يجب ألا نستسلم كثيرًا.