منهج معاش ..لوطـن ينمـو
جورج أنسي وريشة كريم عبد الملاك
تزايدت أخيراً الآراء المنادية بتدريس مادة تعنى بحقوق الإنسان فى المدارس، لإعداد جيل جديد مؤمن بقيم المساواة والمواطنة بين جميع أطياف المجتمع، وقد تجسدت هذه الآراء على أرض الواقع بعد ثورة 25 يناير 2011 بعد ما شهده الشارع المصرى من تداول لجميع الاتجاهات بحرية وشفافية.
وقد ذكرتنى هذه الآراء والاتجاهات بالدورة الدراسية، التى حضرتها على مدى ثلاثة أسابيع كاملة - قبل 5 سنوات - فى مدينة المنظمات الدولية أو جنيف - درة سويسرا وتاجها - حيث سنحت لى الظروف بالتعرف على آليات المجلس الدولى لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وحضور التقرير الدورى الشامل الذى قدمته إحدى الدول - فى تلك الفترة- عن حالة حقوق الإنسان لديها والإجراءات التى اتخذتها لتدعيم هذه الحقوق وتفعيلها ورفع الغبن عن الفئات المضطهدة والمهمشة.
الصديقة الكاتبة الصحفية هويدا حافظ - بأخبار اليوم - قالت: «كان هناك صديق قال لى إن هناك منظمة تريد عمل قصص للأطفال عن حقوق الإنسان وكنت متخوفة لأننى لست خبيرة بها، ولكنه أقنعنى بقدرتى على تبسيط المعلومات الحقوقية، وبالفعل بدأت أقرأ فى هذا المجال وأكتب للأطفال ما فهمته، فمن خلال قصص (إنترنتاوى)، جسدت الطفل الذى يرغب فى مساعدة جده (لينك بيه الكبير) فى وضع قوانين تحكم عالم النت، ويكتشف حقوقه من خلال مغامرات مختلفة فى العشرين قصة».
أما النسبة لرأيها فى وضعها كمنهج يدرس فى المدارس، فأوضحت حافظ أنها «موافقة بشروط وضوابط، بمعنى كيف سأقول للأطفال إن عنده حقا فى اللعب أو فى التعليم وهو فى مدرسة نائية فى قرية أو نجع بدون حوش ولا مياه ولا تغذية ولا حتى (ديسك) يقعد عليه؟، فلابد من مراعاة نفسية الأطفال وظروفهم المعيشية فى كل منطقة حتى لا تأتى بنتيجة عكسية، بحيث يكون المنهج الدراسى من خلال أنشطة محببة للأطفال».
وتابعت: «أنا مثلا عملت كتاب تلوين بالاشتراك مع الهيئة القبطية الإنجيلية اسمه (لون حقوقك) وهو تبسيط لاتفاقية حقوق الطفل بالرسومات مع جملة واحدة فقط على كل رسمة، وهذا يناسب أطفال الحضانة وابتدائى، كما عملت (سى دى) اسمه (إنت مين) وهو عبارة عن ألعاب واختبارات بسيطة للأطفال تعرفهم أثناء اللعب على حقوقهم المدنية، فيتعلمون ويفهمون بدون حشو وكلام كبير ومدعم بصوتى -لاحتمال وجود أطفال لا تستطيع قراءة الأسئلة - بالإضافة إلى (سى دى) وكتاب (أ ب سياسة) وهو تبسيط فى صورة شعر بسيط جدا يعرف الأطفال يعنى إيه انتخابات أو حزب أو حكومة أو ثورة أو استفتاء وهى كلها مصطلحات بيسمعوها من أهاليهم أو من التليفزيون، وبالتالى من حقه أن يفهمها، لكن بطريقة جاذبة».
كما تقترح هويدا أن يكون منهج حقوق الإنسان - بالنسبة للمدارس - من ضمن حصص الدين الإسلامى والمسيحى، مضيفة: «الأديان بتنادى بنفس الحقوق وهى وسيلة ممتازة لتقريب وجهات النظر ودمج الأطفال مع بعضهم فى هذه الحصة، لأن الكل واحد.. ومن المهم تعليم الحقوق مع الواجبات وهو ما قدمته فى قصة مع الهيئة العامة للاستعلامات اسمها (حقك علينا)».
∎ جرائم بشعارات حقوق الإنسان
أما شادى طلعت - مدير عام منظمة اتحاد المحامين من أجل الديقراطية والدراسات القانونية - فيؤكد أن من أهم المشاكل التى تواجه المجتمع المصرى، غياب الوعى القانونى لدى عامة الناس، فأبسط الأمور من حقوق وواجبات تغيب معرفتها عن الأغلبية، وهذا ما يتسبب فى انحياز البعض لأشخاص خارجين عن القانون، اعتقاداً بأن أفعالهم قانونية وأيضاً تكفلها المواثيق العامة لحقوق الإنسان! بينما الواقع أن عدداً من الجرائم تحدث فى مصر الآن بشعارات لحقوق الإنسان، ومن هنا بات علينا ضرورة تحقيق وجود توعية سياسية دائمة متجددة لأكبر قدر ممكن من الفئات المجتمعية، وقد نستطيع تحقيق هذا الأمر عن طريق تربية النشء الجديد على مبادئ القوانين الداخلية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وحتى يتسنى لنا هذا الأمر لابد من تحقيق بعض المطالب الإصلاحية فى التربية والتعليم ويمكننا أن نلخصها فى عودة مادة التربية الوطنية، والتى يتعلم النشء من خلالها معنى الوطن والمواطنة، مع مراجعة مادة الدين، والتركيز فيها على الجوانب التى تدعو إلى الحب والسلام والخير.
وتابع طلعت حديثه: «ولابد من إضافة المبادئ العامة فى القانون منذ الصف الأول الابتدائى، مثل معرفة عقوبات السارق والقاتل والاستيلاء على مال الدولة.. إلخ، ففى إضافة هذا النوع من المعرفة سنساهم فى خلق جيل جديد على دراية بالأولويات الأخلاقية.. كما أنه يجب أن تضاف المعلومات المتعلقة بحقوق الإنسان مثل تاريخ الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.. نشأته ومبادئه وأهدافه وبنوده بكتب التاريخ منذ بداية المرحلة الإعدادية.. وأيضاً يجب أن تضاف مادة جديدة لحقوق الإنسان فى المرحلة الثانوية، على أن تكون مادة أساسية تستوجب النجاح، من أجل زيادة مجموع الدرجات والنجاح للعبور من المرحلة الثانوية».
∎ أولوية قصوى
ونذهب إلى مبادرة أعلنها منذ فترة المركز المصرى لحقوق الإنسان، عن المرحلة الثانية من مشروعه (الحملة القومية لتدريس مادة حقوق الإنسان فى المدارس)، بمشاركة وزارة التربية والتعليم، ومركز تطوير المناهج التى أكدت أن مبادئ حقوق الإنسان هى الأولى بالدراسة بالمناهج التعليمية لما لها من أولوية قصوى فى المرحلة الراهنة.
الدكتورة منى مكرم عبيد - أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، قالت: «إن منظمات المجتمع المدنى بذلت جهودا عظيمة فى إدراج وتدريس مادة حقوق الإنسان بالمدارس المصرية، خاصة أن تدريس مادة حقوق الإنسان فى المدارس كان مطلبا منذ تسعينيات القرن الماضى، وقد طرأ على المجتمع عدد من التغيرات أكدت ضرورة تعزيز قيم ومبادئ حقوق الإنسان فى المجتمع، والرهان الآن على كيفية نشر قيم حقوق الإنسان وتعزيزها داخل المجتمع، وتعتبر المدارس من أهم المؤسسات التى يمكن أن تساعد على ترويج هذه القيم وتعزيزها من خلال بناء مهارات التلاميذ وصقلها، وتنشئتهم على المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وأنه من المهم أن تعمل الوزارة بالتزامن مع تدريس هذه المادة على تنظيم عدد من الأنشطة الفنية والرياضية للتلاميذ لما لها من تأثير مباشر عليهم، وغرس عدد من الأفكار والمبادئ بداخلهم منذ الصغر، وهو ما سيعود بالنفع مستقبلا عليهم وعلى المجتمع ككل، مشددة على أن ذلك يوفر بيئة مدرسية ديمقراطية تتيح المجال لنجاح عملية تعليم حقوق الإنسان وأهمية انفتاح المدرسة على المجتمع حتى تكون عضوا فعالا وليس منغلقا من أجل تحقيق أكبر استفادة ممكنة بين المدرسة والمجتمع، موضحة أن هناك حاجة لنشر التربية المدنية بكل مدارسنا، باعتبارها بوابة ترسيخ دعائم المواطنة فى نفوس المواطنين بما تشمله من أدوات ووسائل التنشئة للأفراد، وأن قبول الآخر هو من أهم القيم التى يجب أن يعتاد عليه التلاميذ، لافتة إلى أهمية البدء فى تدريس تلك المبادئ تحت شعار الزعيم الخالد سعد زغلول «الدين لله والوطن للجميع».
من جانبه قال الدكتور سالم مرزوق الرفاعى - الخبير التربوى: إن الوزارة تهتم بنشر مبادئ حقوق الإنسان لما لها من أولوية قصوى فى المرحلة الراهنة، معلنا أن هناك 100 معلم تربية وطنية سيعقد لهم 60 دورة تدريبية خلال الأشهر المقبلة، موضحاً أن كلمة مادة لا تعنى كتابا منفصلا للمادة، إنما هى إدراج للمادة ضمن باقى المواد مثل التربية الوطنية، مؤكداً أن الوزارة تبذل جهودا جادة لتطوير التعليم قبل الجامعى من خلال التقارب مع الهيئات الدولية والمحلية، وتم تشكيل لجنة مشتركة مع المركز المصرى لحقوق الإنسان للعمل على ضم مبادئ حقوق الإنسان للمناهج التعليمية.
أما القس بولس حليم - كاهن كنيسة مارجرجس القبطية الأرثوذكسية بالقللى - فقال: إن الحفاظ على حقوق الإنسان يضمن استقرار المجتمع، وأن قيم ومبادئ حقوق الإنسان لا تتنافى مع أى من الأديان، لأنه لا يوجد دين يحض على العنف أو القتل، وأن تخصيص منهج لحقوق الإنسان فى المدارس يساهم فى تعزيز هذه القيم فى المجتمع حتى تنتقل من نصوص مكتوبة إلى ممارسة مجتمعية يصبح من خلالها التلميذ عنصرا فاعلا فى المجتمع، مؤكداً أن المدرسة من المؤسسات التربوية المهمة التى تعمل على تنشئة المجتمع وفق قيم حقوق الإنسان وتدعيم المواطنة، والكنيسة ترحب بوجود هذه المادة بما يفيد المجتمع ويعزز من حرياته وحقوقه، فالمدارس لها دور كبير فى ترسيخ ونشر ثقافة حقوق الإنسان، لافتا إلى أن ضمان حقوق الإنسان يضمن تقدم المجتمع وازدهاره.
بينما شدد الدكتور شكرى متولى - الأستاذ بجامعة الأزهر - على أن الأديان السماوية تحث على قبول الآخر والتسامح ونشر قيم حقوق الإنسان، وأن مبادرة وزارة التربية والتعليم بإدارج مادة لحقوق الإنسان فى المدارس من شأنها تنشئة التلاميذ منذ الصغر على احترام قيم حقوق الإنسان.
وأكد الشيخ متولى أن المجتمع بحاجة فى هذه الظروف العصيبة التى تمر بها البلاد تعزيز قيم التسامح وقبول الآخر والتآلف من أجل الوحدة بين كل المصريين من أجل مستقبل أفضل.
∎ مدرسون متخصصون
أما صفوت جرجس- مدير المركز المصرى لحقوق الإنسان- فأشار إلى أن المرحلة الثانية من المشروع ستعمل على تأهيل المدرسين على تدريس هذه المادة وتوصيلها للتلاميذ بشكل مبسط ويتناسب مع الهدف العام للمشروع، كى تصبح هذه النصوص الموجودة فى المناهج ممارسة للتلاميذ والمدرسين، لتنشئة جيل جديد يحترم الحريات العامة فى المجتمع والتمسك بالحقوق المنصوص عليها فى الدستور والقانون، ونشرقيم التسامح وقبول الآخر.
وأكد جرجس أن المركز المصرى لحقوق الإنسان أطلق فى سبتمبر 2010 حملته لتدريس مادة حقوق الإنسان فى المدارس وفق بروتوكول تعاون مع وزارة التربية والتعليم، بداية من المرحلة الإعدادية والثانوية من خلال مادة دراسية يتم إعدادها مع ورش عمل وأنشطة طلابية ترسخ وتعزز من قيم حقوق الإنسان فى المجتمع، وعمل خلال هذه الفترة على تنظيم عدد من الأنشطة وورش العمل بالتعاون مع مركز تطوير المناهج والمدرسين بمحافظات القاهرة والجيزة والمنيا والإسكندرية، وإشراك المعلمين وخبراء المركز فى إعداد المنهج المناسب لهذه المادة، وأسفر هذا الجهد والتعاون مع الوزارة فى الخروج بمنهج لهذه المادة يتم تدريسه للمرحلة الثانوية، وجارٍ الآن إعداد المناهج الخاصة للمرحلة الإعدادية.
ونوه جرجس إلى أن الممارسة العملية أكدت أهمية وجود مدرسين متخصصين لتدريس مادة حقوق الإنسان، حتى يتم تنشئة التلاميذ بشكل صحيح على فهم المادة واستيعابها والإلمام بفلسفتها، وأن يشعر التلميذ بأن هذه المادة جزء من حياته وارتباطه بالمجتمع، وأنها تغرس بداخله بذور الانتماء والإلمام بالقوانين فيما بعد، ومعرفة حقوقه والحريات الموجودة بالمجتمع، وتحقيق ترابط مهم بين التلميذ باعتباره مشروعا لثروة بشرية يتم الانتفاع بها مستقبلا لخدمة الوطن وبين المجتمع الذى عليه استيعاب هؤلاء وإدماجهم فى الحياة العامة، والحفاظ على المساواة وتكافؤ الفرص بين كل المواطنين من أجل مجتمع أكثر نضجا وفهما لحقوقه وحرياته.