السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

صنــاع الـدراما يـواجهـون أزمـة تغـيير نهـايـات المسلسلات

حقوق المؤلف بين الانتهاك والأعراف الفنية

جدل كبير أثير خلال الأيام الماضية، بسبب تغيير نهاية مسلسل «شقة 6»، الذى عُرض عبر إحدى المنصات الإلكترونية مؤخرًا، لا سيما بعد تصريحات مؤلفى المسلسل حول التعدى على حقوقهم الأدبية وتغيير الأحداث دون إخطارهم بذلك.



بدأ الأمر عندما خرج مؤلفو المسلسل وكُتاب السيناريو الخاص به، عبر حساباتهم الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعى، وأعلنوا تبرؤهم من نهاية مسلسل «شقة 6»، الذى تقوم ببطولته روبى، صلاح عبد الله، أحمد حاتم، حمزة العيلى، هانى عادل، محمود البزاوى ومجموعة من النجوم، لافتين إلى أن المخرج محمود كامل بالتعاون مع مشرفة خارجية على السيناريو قد غيّرا النهاية، بل وأضافا شخصيات وخطوطا جديدة للأحداث لم تكن موجودة مسبقًا، الأمر الذى أشعل أزمة بين الأطراف وصلت للتهديد باللجوء إلى النائب العام والقضاء المصرى، من قِبل المؤلفين، سعيًا منهم للحفاظ على حقوقهم.

فى الواقع، هذه الأزمة ليست الأولى من نوعها، فخلال السنوات الماضية شهدت الساحة الفنية أكثر من خلافٍ مشابه، أعلن بعده المؤلف أنه لن يتعامل مستقبلًا مع أحد شركائه فى العمل، بسبب تدخل أحد نجوم العمل أو صُناعه فى السيناريو، ورغبةً من أحد الأطراف فى تغيير حدث ما أو نهاية.

ولعل آخر تلك الصراعات التى سبقت مسلسل «شقة 6»، كان خلاف المؤلف عمرو محمود ياسين مع الفنانة ياسمين عبد العزيز وبعض صناع مسلسل «اللى مالوش كبير»، الذى عرض فى رمضان 2021، ليعلن ياسين أنه لن يتعامل بعد ذلك مع بعض زملائه فى المسلسل، لإصراره على عدم تغيير النهاية.

حاورت مجلة «صباح الخير» بعض صناع الدراما المصرية البارزين، للتحدث معهم حول هذه الأزمة وتفاصيلها حاليًا، وكيف تتم السيطرة عليها مستقبلًا فى السينما والدراما المصرية. النص ملك المؤلف

قال الكاتب والسيناريست شريف بدر الدين: إن القاعدة الثابتة فى هذا الأمر هى أن المؤلف هو صاحب الحق الأصيل فى الإقرار بأى تغيير فى أحداث النص الذى كتبه مسبقًا، لأنه صاحب الرؤية الأولى والأصلية للعمل الفنى، قبل مشاركة جميع عناصر العمل التى تأتى فى المرتبة الثانية بعد الكتابة، وبالتالى فإن محاولة تغيير أو نقاش أى عنصر من عناصر السيناريو لا تتم بمعزل عن مؤلف العمل، وعليه فأى خطوة لإحداث تغيير فى النص المكتوب بعيدًا عن الكاتب فهى غير قانونية، فضلًا عن كونها غير لائقة أدبيًا أو أخلاقيًا، حين تتم بدون موافقة مؤلف العمل.

وعن حق المخرج وحدوده فى التعديل على النص المكتوب، أوضح شريف بدر الدين لـ«صباح الخير» أنه لا يوجد عُرف أدبى أو قانون يمنح المخرج حق التصرف فى النص السينمائى أو التليفزيونى دون الرجوع لمؤلفه، وما يحدث من تعدٍ على حقوق المؤلفين ما هو إلا «بلطجة» فنية، مشيرًا إلى أن المخرج باستطاعته مشاركة المؤلف فى رؤيته الفنية بما أنه يتولى نقل هذه الرؤية المكتوبة إلى أخرى مرئية، متوليًا جميع المراحل الفنية للعمل من مرحلة ما قبل الإنتاج وترشيح أبطال العمل الملائمين مرورًا بالتصوير، وانتهاءً بالمراحل الأخيرة من المونتاج والمكساج وما بعد ذلك.

تابع أنه خلال هذه المراحل الإنتاجية للعمل، وتحديدًا مرحلة المونتاج تتم عملية تسمى إعادة كتابة النص على الشاشة، وبالتالى فالمخرج لا يحق له الانفراد بهذه العملية دون الرجوع لمؤلف العمل، حتى لا يتم تحويل العمل إلى عمل آخر تمامًا، بالتالى فالحدود والشروط المُلزمة فى المقام الأول هى موافقة مؤلف العمل على إجراء تعديلات محددة على النص الأساسى.

أكد شريف بدر الدين أن هناك قانونًا لحماية حق المؤلف الأدبى فى النص المكتوب، يستطيع استخدامه بشرطين؛ الأول أن يكون قد وضع منذ البداية ضمن شروط تعاقده مع جهة الإنتاج شرطًا يحول دون المساس بنصه دون الرجوع إليه، والثانى إذا تقدم لجهاز الرقابة على المصنفات الفنية أو القضاء لاحقًا، بما يثبت أن النص الذى أخذ عليه موافقة الرقابة مسبقًا، مختلف عن النسخة النهائية التى يتم عرضها على الشاشة.

وأشار شريف بدر الدين إلى أنه لم يتعرض لمثل هذا التعدى بتلك الصورة المتفاقمة على أحد النصوص التى كتبها من قبل، لأن أغلب الأعمال التى كتبها تعاون فيها مع مخرجين تم التوافق بين رؤيتهم الفنية والنص المكتوب، إلا فى حالة استثنائية واحدة وجد أنها لا تستحق التصعيد، لأنه تفهم عدم قدرة المخرج الإنسانية وقتها على إدارة العمل، خاصة مع تعرضه لضغوط إنتاجية عنيفة، فاكتفى بإعلانه وإعلان المحيطين بعدم استعداده بالعمل معه مجددًا.

هل يتدخل النجم فى السيناريو؟

الأمر نفسه أكدّه المنتج جمال العدل لمجلة «صباح الخير»، موضحا أن الأصل فى النص أن يكون جاهزًا من البداية، فهو العنصر الأول فى المنظومة الدرامية، ثم بعد ذلك يتم عرض النص على المنتج والمخرج والبطل الرئيسى، ولثلاثتهم حق الرفض أو القبول بناءً على ما هو مكتوب من البداية.

وقال جمال العدل عن إمكانية تنسيق الرؤية بين المؤلف والمخرج أو المنتج، إن النقاش قد يقع بالتفاهم بين جميع الأطراف، فقد يقترح المنتج أو المخرج اقتراحًا على المؤلف قبل الشروع فى تنفيذه، فإذا رفض المؤلف لا يجب أن يتم تنفيذه، وهناك حالات استثنائية قد تمنح نجم العمل، المنتج أو المخرج حق إبداء الرأى فى النص خاصة إذا كانوا نجومًا كبارًا لهم تاريخ، ولكن هذه الحالة الاستثنائية أيضًا لا تمنح أيًا منهم حقًا فى فرض رؤيته على المؤلف، فيجب أن تتم بالتراضى لأنه فى الأصل هو صاحب النص.

ضرب جمال العدل مثلًا حول واقعة مشابهة حدثت فى مسلسل «قصة حب» الذى أنتجه عام 2010، مع اختلاف النتائج، وأشار إلى أن الفنان جمال سليمان اقترح على المؤلف مدحت العدل بعد كتابته لعشر حلقات من المسلسل، أن تكون البطلة منتقبة بدلًا من الاكتفاء بكونها مُحجبة، وهو الأمر الذى نال استحسان جمال ومدحت العدل وقتها، مما دفع المؤلف لإعادة بناء شخصية «رحمة» التى قدمتها الفنانة بسمة، مؤكدًا أن هذا الأمر لم يكن ليتم دون موافقة مدحت العدل وإعجابه بالاقتراح.

من ناحية أخرى، استنكر جمال العدل التعدى على حقوق المؤلف من قِبل أى جهة فى العمل، سواءً المنتج أو المخرج، للدرجة التى تجعله يفكر فى اللجوء إلى جهة ما لحماية حقه الأدبى فى النص المكتوب، مشيرًا إلى أن وقتها سيكون الأمر أزمة لأنه لا يوجد جهة مسئولة عن حماية حق المؤلف سوى اللجوء للقضاء.

أزمة متعمدة ضد المؤلفين!

توجهت مجلة «صباح الخير» للمخرج أحمد خالد بسؤال حول أحقية المخرج فى التعديل على النص المكتوب، وفقًا لرؤيته الخاصة وبعيدًا عن موافقة المؤلف، ليؤكد أن هذا الأمر مرفوض تمامًا فلا يحق لأى شخص التعديل على النص الأصلى دون صاحبه وهو المؤلف الذى يتحمل مسئوليته، مشيرًا إلى أنه من حق المخرج وضع رؤيته الفنية ولكن بالاتفاق والتنسيق مع المؤلف، لأن عدم الاتفاق بينهما دلالة على وجود مشكلة فى طريقة العمل من البداية.

أوضح أحمد خالد، أن العمل الفنى فى النهاية هو رؤية مشتركة بين المخرج والمؤلف وصناع العمل، ولكن لا يحق للمخرج وضع هذه الرؤية دون إخطار المؤلف خاصة فى الدراما الاجتماعية لأنها تعتمد على النص المكتوب فى الأساس، بينما فى أعمال الرعب تُتاح للمخرج فرص أكبر فى إظهار رؤيته الإبداعية بعيدًا عن تغيير النهاية أو الحبكة، ولكن له مطلق الحرية فى صناعة المؤثرات البصرية فى الأعمال التى تنتمى للرعب والإثارة والحركة.

وعن مصطلح «Script Doctor» الذى تساءل البعض مؤخرًا عن ماهيته وطبيعة عمل صاحبه، أوضح أحمد خالد أن هذا المصطلح ليس جديدًا، وتتم الاستعانة به منذ زمن بعيد، ربما تحت مسميات أخرى مثل مشرف على الكتابة أو مستشار سيناريو، وهى مسميات تندرج تحت بند تعريفى للشخص الذى تتم الاستعانة به للإدلاء برأى فنى وتطوير السيناريو المكتوب، وهناك العديد من الأفلام السينمائية التى تحصل على منح تطوير سيناريو يتم فيها الاستعانة بأشخاص متمرسين فى الأمر، كما أن هناك بعض المختصين الأجانب الذين أعطوا ورشًا حول تطوير السيناريو فى مصر، فهى وظيفة قديمة ولها دور بارز فى العمل الفني.

أضاف أحمد خالد أن هناك أزمة تواجه المؤلفين فى مصر، كونهم الحلقة الأضعف فى الحلقة الإنتاجية للعمل الفني، كما يتعرضون للظلم وانتهاك الحقوق، بالإضافة إلى ترويج كاذب لشائعات من نوعية عدم وجود نصوص جيدة أو وجود عيوب جسيمة فى السيناريو، وهى أمور خاطئة، لأن العيب الأصلى يكمن لدى المخرجين والمنتجين، بعيدًا تمامًا عن المؤلفين، فهناك العديد من الكُتّاب الجيدين ولكن لا يتم التعامل معهم بصورة عادلة تسمح بإنتاج عمل جيد، لافتًا إلى أن هناك ترصدًا وتعديات متعمدة على حق المؤلف فى التعديل على النص الذى كتبه، وهنا يقع جزء من اللوم على المؤلفين نفسهم والجزء الأكبر يقع على القائمين على عملية الإنتاج.

أشار أحمد خالد إلى وجود تواطؤ ما لإبقاء الأمر على ما هو عليه، فمثلًا لا يوجد جهة واضحة يمكن للمؤلف اللجوء إليها لحمايته من الظلم أو التعدى، ومن هنا تحدث الخلافات التى تجعل العمل فى النهاية لا يظهر بصورة جيدة.