إنت مش إنت على الفيس بوك!

هيام هداية وكاريكاتير نسرين بهاء
البشر مثل الألماس.. ليس فى لمعانه وإنما فى أوجهه المتعددة، هكذا علمتنى التجربة فهناك من يحمل وجها براقا سريعا ما يتحول مع أول خلاف إلى وجه مجعد من الغضب والاشمئزاز، ولكن إذا كنا قد نتحمل بعض التقلبات المزاجية لمن نعرفهم فكيف نتقبل تقلبات شخصياتهم التى تتعدد وتختلف حسب الصورة التى يتعاملون بها مع المجتمع، والتى أقصد بها تحديدا عبر صفحات الفيس بوك، التى تعدت مراحل التجمل والمغالاة أحيانا إلى إنشاء صفحات سرية خاصة بهم بأسماء وهمية يتعاملون من خلالها بشخصيات قد تكون أكثر تحررا أو تطرفا، ولكن الأهم دائما هو أنه لا يراه أو يعرفه أحد، وفى نفس الوقت تبقى صفحته الشخصية المعروفة والتى تحمل اسمه وصورته فى منتهى العقلانية والاتزان.
فى أحد المؤتمرات استأذنتنى إحدى الفتيات والتى كانت تجلس على مقربة منى باستخدام اللاب توب الخاص بى لمدة خمس دقائق، وقد وافقت على طلبها نظرا لهدوئها وما توسمته بها من أخلاق وأدب، وأعطيتها الجهاز بينما انشغلت أنا بالمؤتمر ولكن بعد مرور ما يقرب من 01 دقائق وجدتها تسألنى عن شاحن لأن الجهاز قد فرغت بطاريته فاعتذرت لها لأنه لم يكن لدى الشاحن فابتسمت وشكرتنى فأخذت الجهاز ووضعته بحقيبتى وبعد انتهاء المؤتمر بدأت فى الحديث معى عن عملها بإحدى الجمعيات رغم سنها الصغير، فكانت تبدو لى فى أواخر العشرينيات وفهمت من حديثها أنها تخرجت فى كلية الحقوق وعملت بإحدى الجمعيات الأهلية بشكل مؤقت حتى تنهى دراستها بالماجيستير وأعطتنى «كارتا» يحمل اسمها ووظيفتها كمحامية وانتهى حديثى معها على أن نتواصل كأصدقاء.
ولكن كانت المفاجأة التى جعلتنى أصدم بتلك الفتاة حين عدت إلى البيت وبدأت فى الكتابة على اللاب توب، وما أن وضعت الجهاز بالشاحن حتى أعيد فتح الصفحات التى كانت مغلقة بشكل مؤقت، والتى كان منها الإيميل الخاص بتلك الفتاة والذى كان باسم «القاتلة»، ومكتوب باللغة الإنجليزية، تشككت فى الاسم وبدأت فى فضول فتح الرسائل الخاصة بها حتى فوجئت بحوار بينها وبين إحدى الشخصيات والذى يدعى «السادى» فى قمة العنف والدموية حيث كانت تحكى له عن طفولتها وكيف كانت تعانى الوحدة والعزلة لدرجة أنها كانت منبوذة وسط أصدقائها لدمامتها حتى أنها انتقمت يوما من إحدى صديقاتها التى تكرهها بأن وضعت لها بعض النقط من مادة كاوية «بطاس» فى كوب الماء، بينما يرد عليها هو قائلا أنه يهوى تعذيب البشر ورؤيتهم يتألمون، واستمر الحوار على هذا النمط حتى اقترحت عليه الانضمام إليها فى جروب على الفيس بوك يضم العديد ممن لهم نفس تلك المتع فى القتل والتعذيب.
أغلقت سريعا الإيميل الخاص بها بعد أن شعرت بأننى أمام سفاحة لا تمت بأى صلة إلى الفتاة التى رأيتها منذ ساعات فى ذلك المؤتمر بما كان يعلو وجهها من هدوء ورزانة ورقة حتى صوتها الذى يصل إلى درجة الهمس لأنها كما قالت لى تكره الصوت العالى!!
نموذج قد يكون غريبا إلا أنى لا أستطيع أن أعممه أو أقول عنه ظاهرة، ولكن ما حدث هذه المرة كان قد أكد لى أن هناك الكثير من تلك الشخصيات المزدوجة فى الفكر والسلوك، حيث جاءتنى إحدى صديقاتى لتخبرنى أنها تود الانفصال عن خطيبها بعد أن اكتشفت أن لديه خمس صفحات على الفيس بوك، وكل صفحة باسم وشخصية تختلف عن الأخرى، حيث إنه يعمل محاسبا بأحد البنوك ولديه خبرة كبيرة فى التعامل مع الإنترنت والكمبيوتر، ولم تكن تشك أبدا فى انضباطه أو سلوكه حتى خرجت معه فى أحد الكافيهات، وبينما هو يتحدث معها جاءه تليفون هام فابتعد للرد عليه وكان معه «الآى باد» الخاص به، ولكنه كان مفتوحا والذى تركه على الطاولة للرد سريعا على الهاتف، وبعد شعورها بالملل من انتظاره فكرت فى سماع إحدى الأغانى أو مشاهدة أحد مقاطع الفيديو على الآى باد الخاص بخطيبها حتى فوجئت بعالم خطيبها الخفى، والذى بدأ بصفحة له على الفيس بوك باسم «الدنجوان» وأخرى باسم «كازانوفا» وغيرهما لتصل إلى خمس صفحات والتى كان آخرها «الداعية».
نموذج أخير لزوجة طلبت الطلاق من زوجها بعد أن فشلت فى علاجه من إنشاء صفحات على الفيس بوك بأسماء فتيات، فكان يعشق أن يصادق الفتيات والحديث معهن وإعطائهن نصائح وقد اكتشفت هذا الأمر أكثر من مرة، وهو يحدثهن ليلا لحل مشاكلهن بصوته الذى يتحول إلى صوت امرأة وعندما صارحته بمعرفتها لما يفعله ورفضها لذلك وعدها ألا يفعل ذلك مجددا، ولكن لم يمض سوى ثلاثة أيام حتى عاد إلى طبيعته «الشاذة» مرة أخرى حيث وجدت آخر باسم مكتوب على صفحة الدخول إلى الفيس بوك «أنوثة امرأة».
نماذج قد شاهدتها وسمعت عنها وإن كنت متأكدة من وجود المزيد منها خاصة مع انتشار استخدام الفيس بوك، وكل وسائل التواصل الاجتماعى، التى وصلت فى مصر بآخر إحصائية كشفت عنها أحدث تقارير مؤسسة Social Bakers التشيكية، عن وصول عدد مشتركى موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» فى مصر، إلى 16.8 مليون مستخدم، لذلك أصبح من السهل جدا عمل حساب مزيف والدخول عليه والتعامل من خلاله بشخصية أخرى قد تكون يتمناها هذا الشخص أو ليس لديه الشجاعة للظهور بها أمام المجتمع لأنها عادة ما تكون أبعد ما تكون عن الشخصية الحقيقية التى تبدو لنا والتى نراها أمامنا.. وللأسف هناك من استغل هذا التطور التكنولوجى بشكل خاطئ حيث انتهز أنه فى الوقت الذى قامت فيه شبكات التواصل الاجتماعى بتقريب المسافات بين الدول والأشخاص إلى أنها فتحت الباب على مصراعيه أمام من يعيشون بأكثرمن شخصية واحدة مع الأهل وأخرى مع الأصدقاء، وثالثة مع فئة أخرى وهكذا، وحتى يحسم الأمر ما بين النفى والإنكار كان لابد من معرفة رأى خبراء التحليل النفسى لنعرف حقيقة من يقوم بهذا الأمر.
∎ مريض نفسى فى كل بيت
يحلل الدكتور على سليمان أستاذ الصحة النفسية والإرشاد النفسى بجامعة القاهرة الحالة النفسية لتلك الشريحة التى أجابنى عنها سريعا بالإيجاب أنه عادة ما يكون الإنسان صادق النفس هو من لديه صفحة واحدة على الفيس بوك أو غيره من وسائل التواصل الاجتماعى، لأن شخصيته الحقيقية هى من تتبلور وتظهر خلال تلك الصفحة، بينما من تتعدد صفحاته تتعدد شخصياته وتتلون بهذا العدد لأنه بهذا الفعل يحاول أن يختبئ خلف أقنعة يحاول من خلفها أن يقوم بأفعال غير صحيحة.. فبالتالى يلجأ إلى إنشاء صفحة مجهولة لا تحمل اسمه ولا صورته إنما تحمل أفكارا داخله لا يستطيع أو يجرؤ البوح بها فى عالمه الواقعى بصفته الشخصية الحقيقية والاختباء وراء شخصية وهمية، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة تجعل الشخص يستبيح فعل الخطأ بدون أى وازع، فالبعض يتقمص شخصيات وصفات قد تكون مناقضة لشخصيته، وهذه الشخصية التى تفعل ذلك هى شخصية مريضة غير سوية فى حاجة إلى علاج نفسى لأنها تعانى من عدم الثقة فى الذات وخوف من مواجهة المجتمع.
لذلك يجب تحذير كل مستخدمى الفيس بوك من قبول صداقات الآخرين، دون التأكد من شخصية صاحب الحساب، وعدم التعامل مع جهات غير معلومة.
∎ شخصيات ظلامية
يقول الدكتور أحمد يحيى أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس إن تعدد صفحات الفيس بوك للفرد الواحد هو تعبير عن التناقض وشيزوفرينيا داخلية يعانى منها هذا الشخص، لانه يكون لديه باطن دائمًا ما يختلف عن ظاهرة، وخاصة عندما يكون شخصية منطوية فى حاجة إلى الجموح فبالتالى قد يبحث عن هذا الإنطلاق فى الصفحات الأباحية ويروج لها ويكون مشاركا فاعلاً فيها وكذلك يريد ان يكون له رأياً سياسياً لا يتفق مع الإطار العام فيخشى لوم المحيطيين به فتكون تلك الصفحات السرية الظلامية الخاصة هى ملاذة الوحيد والتى يحاول من خلالها أيضا استدراج من يشابهه فى الفكر والغموض والرغبة فى الخفا، وأنا اعتبر أن هذه الظاهرة سببها المجتمع وليس الفرد الذى قد يفرض انطباعا عاما لابد للجميع وأن يسير فيه بلدليل وجود شريحة كبيرة من مستخدمى الفيس بوك ممن لا يستخدمون اسماءهم الحقيقية أو صورهم الشخصية انما يكون هناك تمويها لذلك فهذه الصفحات تعكس مدى صدق الإنسان مع نفسه وقدرتة على مواجهة المجتمع الذى يعتبره بحراً قد يغرق فيه إذا أعلن عن حقيقة تفكيره الداخلى ورغباته المكبوتة .
وسؤالى فى النهاية لمن يقرأ هذا التحقيق.. هل جاءتكم الفكرة أو قمتم بالفعل بها لتعيشوا على صفحات الفيس بوك وتويتر بشخصيات مستعارة؟!