مصر بلا عشوائيات
محمد عاشور
لسنوات طويلة مضت عانت مدن مصر من أزمة حادة، فى مستوى كفاءة خدماتها، مع استمرار وضع الطرق، والمرافق المختلفة فى التدهور، بالتزامن مع الزيادة فى عدد السكان، وعدم قدرة المدن على استيعاب السيولة الحركية لهذه الأعداد المهولة.
وفى المقابل استمرت قضية الإسكان على مدار هذه العقود قضية حقيقية تهدد وجود الدولة، ومع عدم قدرة حكومات سابقة على مر أزمنة طويلة على ملاحقة الزيادة السكانية، أو وضع حلول لها، توجه المواطنون نحو الإسكان غير المخطط، فكانت المناطق العشوائية غير الآمنة وغير المخططة.
وفى اليوم الأول لتولى الرئيس عبدالفتاح السيسى المسئولية فى الطريق للجمهورية الجديدة بما يحمله من إرادة وفكر خارج الصندوق، انتهجت الدولة عددا من الاستراتيجيات، وحزما من الإجراءات،لتحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان حياة لائقة لجميع المواطنين، خاصة فى ملف الإسكان، الذى شهد تحولات جذرية، وصلت مصر بلا عشوائيات التطوير العمرانى،سكن كريم ولائق للجميع مع القضاء على كل أشكال البؤر السكنية العشوائية كان على رأس أولويات الدولة المصرية لإطلاق الرئيس السيسى، مبادرة «سكن كل المصريين»، بتقديم وحدات تناسب جميع المواطنين، خاصة المشروعات الموجهة للفئات الأقل دخلا.
وفى ذات الوقت أولت الدولة اهتماما كبيرا بوضع حلول جذرية لمشكلات المناطق العشوائية غير الآمنة والمناطق غير المخططة، بتطويرها، ودمجها مع المناطق العمرانية، والمخططة بكافة المدن.
مصر بلا عشوائيات.. حلم أصبح حقيقة بعدما كان ضربا من الخيال لعقود طويلة، فكم من حكومات وضعت خططا لتطوير العشوائيات، ولكن تلك الخطط ظلت حبيسة لسنوات وعقود، لتنطلق إشارة البدء عام 2014، حيث الإرادة السـياسـية الحقيقية، إلى جانب الاسـتراتيجية العامة للدولة الجديدة، ليكون الهدف الأسمى، هو إنهاء مشـكلة العشـوائيات، وتوفير حياة كريمة لسكانها، فكان قرار الدولة تحت قيادة الرئيس الإنسان، وضمن التوجهات الاستراتيجية نحو الجمهورية الجديدة، باقتحام ملف تطوير المناطق العشوائية غير الآمنة، والمناطق الخطرة، وغير المخططة، وكانت تلك الكلمات المعبرة الحاسمة من الرئيس الإنسان «والله ما هسيب الناس كده أبدا طول ما أنا موجود مكانى هنا، مش هنسيب أطفالنا يطلعوا كده».
استراتيجية متكاملة
لم تقف الدولة عاجزة عن حلول ناجزة متكاملة للقضاء على العشوائيات ضمن استراتيجيتها الواسعة لتطوير حياة المواطنين وتوفير مختلف الخدمات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والصحية وغيرها على محورين، الأول يتمثل فى تطوير العمران القائم، بتحسن جودة الحياة من خلال «تطوير العشوائيات»، تطوير عواصم المدن، وتطوير الريف المصرى (حياة كريمة)،جنبا إلى جنب مع المحور الثانى المتمثل فى تنفيذ المدن الجديدة لاستيعاب الزيادة السكانية، بعدما وصل عدد السكان إلى 108 ملايين نسمة.
استطاعت الدولة خلال 7 سنوات تنفيذ وحدات سكنية تعادل ما تم تنفيذه خلال 40 عاما، فخلال الفترة من 1976 إلى 2005 قامت الدولة بتنفيذ 1.2 مليون وحدة سكنية بمعدل 42 ألف وحدة سنويا، لتزيد بمعدل طفيف خلال الفترة من 2005 حتى 2013، حيث تم تنفيذ 383 ألف وحدة سكنية بمعدل 48 ألف وحدة سنويا.
خلال السبع سنوات الماضية فى الفترة من 2015 حتى الآن تم تنفيذ أكثر من 1.3 مليون وحدة سكنية ليصل المعدل السنوى إلى 225 ألف وحدة سنويا، بينما العمل مازال جاريا لمزيد من الزيادة خلال المرحلة المقبلة
المناطق غير الآمنة
جاءت جهود الدولة فى مجابهة مشكلة العشوائيات، وتطوير المناطق الخطرة، والمناطق غير الآمنة وغير المخططـة، على رأس قـائمـة الأولويـات، ليس فقط لما تحمله تلك المشكلة من أبعاد اقتصادية واجتماعية، بل لإيمان القيادة السياسية بأن العنصر البشرى هو أهم عنصر من عناصر التنمية الاقتصادية، وتوفير بيئة ملائمة خالية من المخاطر، والتهديدات، فى إطار خطوات غير مسبوقة لبناء مواطن منتج وفاعل هذا إلى جانب كونها حقا من أهم حقوق الإنسان.
وفى سبيل الوصول إلى هذا الحق، واستعراضا للجهود التى بذلتها الدولة لتطوير المناطق العشوائية غير الآمنة، كان هناك تحد كبير أمام الحكومة، تمثل فى وجود أكثر من مليون مواطن يعيشون بـ 357 منطقة غير آمنة موزعة على 25 محافظة.
وصل عدد الأسر التى كانت تقطن هذه المناطق إلى 246 ألف أسرة، بإجمالى 1,2 مليون نسمة، فى حين بلغت التكلفة الفعلية لهذه المناطق 63 مليار جنيه.
فى الفترة من 2015 حتى الآن، تم الانتهاء من تطوير 90 % من هذه المناطق، ليتم تطوير317 منطقة، بإجمالى 211 ألف وحدة سكنية، وجار إنهاء الأعمال فى الـ 40 منطقة المتبقية، والتى تصل نسبتها إلى 10 %، بإجمالى 35 ألف وحدة سكنية فى تجربة غير مسبوقة.
المناطق غير المخططة
المناطق العشوائية غير المخططة هى «المنازل التى تم بناؤها بالخرسانة المسلحة، بينما تفتقر للمرافق والخدمات الأساسية وهى المناطق التى شكلت ثانى التحديات الكبرى فى مجال تطوير مساحة المناطق غير المخططة إلى 152 ألف فدان كانت تضم 135 منطقة على مستوى الجمهورية، يقطنها 1.1 مليون أسرة يعنى حوالى 7 ملايين نسمة حيث بلغت تكلفة تطويرها 318 مليار جنيه وبالفعل تم الانتهاء من تطوير 56 منطقة منها، تخدم 460 ألف أسرة، وجار تطوير 79 منطقة أخرى كى تستفيد منها 690 ألف أسرة.
وتضمنت أعمال تطوير المناطق غير المخططة إزالة وإعادة بناء المبانى منها ما تم فى منطقة الأمل «عزبة الهجانة» سابقا مع إزالة بعض المبانى لخلق محاور وطرق، الأمر الذى شكل صعوبة كبيرة فى ظل كتل سكنية موجودة بهذه المناطق إلى جانب ما تتضمنه الأعمال من مد لشبكات الصرف الصحى، ورصف الطرق الرئيسية، ورفع كفاءة الشوارع الداخلية باستخدام الإنترلوك وإنارتها، فضلا عن تنفيذ شبكة لمكافحة الحريق، وتوفير خدمات على الأراضى الفضاء من خلال إنشاء أسواق ومراكز تجارية، وثقافية، وتجهيز ملاعب رياضية ومساحات خضراء.
ومن أهم المشروعات فى هذا الإطار مشروع تطوير الزاوية الحمراء، وحلوان، وعزبة أبوحشيش بمحافظة القاهرة، مشروع تطوير مشربية غيث، والشيخ ميمون بمحافظة الوادى الجديد، ومشروع تطوير مناطق صندفا وأبوشاهين فى مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، إضافة إلى مشروعات تطوير عدد من المناطق غير المخططة فى محافظتى المنيا، والبحر الأحمر.
وجه حضارى
مع جهودها فى تطوير العشوائيات عملت الدولة بالتوازى على تطوير مناطق الخدمات، فاقتحمت مشكلة الأسواق العشوائية فى جميع المحافظات وعملت على إحلالها بأسواق جديدة منظمة متكاملة التجهيز، جيدة التخطيط، بتطوير 1105 أسواق بتكلفة 44 مليار جنيه فيما تم إنفاق أكثر من 425 مليار جنيه، لتغيير وجه مصر فى مختلف المناطق للمشروعات المنفذة والمخططة، حظيت محافظة القاهرة وحدها بـ 16 مليار جنيه، من رصيد تطوير هذه المناطق.
من جانب آخر وفيما يتعلق بإعادة الوجه الحضارى لمحافظة القاهرة، التى كانت تشهد أكبر تركز ا للمناطق غير الآمنة على مستوى الجمهورية، وكانت تضم وحدها 54 منطقة بإجمالى 70 ألف وحدة بما يمثل 30 ٪ من سكان المناطق غير الآمنة بمناطق مهددة للحياة، ومناطق سكن غير ملائم، ومناطق مهددة للصحة، ومناطق حيازة غير مستقرة.
وتم تسكين 90 ٪ من أهالى تلك المناطق بنقل سكان 11 منطقة إلى مشروع «الأسمرات 1 و2» فى 10980 وحدة بقيمة إجمالى بلغت 1.4 مليار جنيه كما تم تسكين سكان 12 منطقة أخرى بمشروع «الأسمرات 3»، بإجمالى 7298 وحدة بقيمة إجمالية 1.9 مليار جنيه، كما تم استكمال 3 مناطق أخرى إلى جانب تسكين 8 مناطق فى مشروع «المحروسة1 و2» فى 4776 وحدة بإجمالى 809 ملايين جنيه.
كما تم تسكين أهالى عزبة أبورجيلة (ترعة الطوارئ) فى مشروع «أهالينا1» فى 1096 وحدة بقيمة 640 مليون جنيه وجار العمل فى 15 منطقة سيتم نقلها إلى المناطق الجديدة التى تم بناؤها فى منطقتى «السلام» و«معا»، وبنهاية العام وصولا إلى القضاء تماما على جميع المناطق العشوائية غير الآمنة من على خريطة القاهرة.
تغيير خريطة المحافظات
مصر خالية من المناطق غير الآمنة العام المقبل, وما حدث فى ملف العشوائيات السنوات الأخيرة يؤكد أنه لا مستحيل فى مصر، وأن كل حلم مهما كان صعبا وبعيد المنال، فإنه قابل للتحقيق بإرادة المصريين.
فى إطار المشروعات التى تم تطويرها مشروع «بشاير الخير 1، 2، 3 بالإسكندرية» ومشروع الأسمرات 1، 2، 3 بالمقطم، والمحروسة 1، 2 بمدينة السلام وأهالينا 1، 2 بمدينة السلام إضافة تطوير عشش محفوظ بالمنيا وزرزارة بورسعيد، كما تم تطوير المناطق غير الآمنة بمحافظة الوادى الجديد ومنطقة الكلاحين، وحظائر أبوعوف، ومنطقتى الصيفية وقحافة بمحافظة الفيوم، ومنطقة الكندلية بالغربية، ومنطقة الصحابى بأسوان.
فى البحر الأحمر تم تطوير عدد من المناطق بالغردقة ورأس غارب، وإحلال وتجديد مساكن المغتربين بالنوبة وتطوير تل العقارب «روضة السيدة» والسيدة عائشة ومنطقة الرويسات ومنطقتى السمكين ودريسة طما بسوهاج وأرض الخيالة، ومنطقة طلمبات المكس بالإسكندرية وعزبة الصفيح ومنطقة اليهودية وكسارة رشيد بالبحيرة، والترعة الضمرانية وعزبة سكينة وحجازى بالإسكندرية وشمال وجنوب الصيادين برأس البر بدمياط والطالبية بمدينة مرسى مطروح ومنطقة «الإيواء بالمطرية» وبالدقهلية والمعمارية البصيلية بحرى أسوان و«بطن البقرة مجمع المدارس» مصر القديمة بالقاهرة وعزبة العرب بمدينة نصر بالقاهرة ومنشية ناصر بالقاهرة و«الخارجة» وسمنود بالغربية، وتوفير وحدات سكنية مفروشة بالأثاث المنزلى، والأجهزة الكهربائية مجانا، وتسلم الوحدات بنظام الإيجار التمليكى بإيجار رمزى 350 جنيها شهريا.
مصر بلا عشوائيات هو نجاح باهر فى إعادة البناء بشكل يحقق جودة الحياة للمصريين بحلول جذرية لمشكلة العشوائيات.
كل ذلك التغيير، استهدف تحقيق حلم كان صعبا يوما من الأيام، فتطوير المدن، إلى جانب مشروع تطوير الريف المصرى، والمبادرة الرئاسية «حياة كريمة»
إضافة للقضاء على أزمة العشوائيات كلها عناوين للجمهورية الجديدة، وما زالت المشروعات السكنية الداعمة للمواطن على رأس أولويات القيادة السياسية، حيث إنها دائما ما تؤكد إصرارها على استكمال طفرة غير مسبوقة فى قطاع الإسكان بمصر.