الثلاثاء 30 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حتى الأطفال متحرشون!

حتى الأطفال  متحرشون!
حتى الأطفال متحرشون!


 
تزايدت بشدة فى الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة من جيل لم نكن نتوقع منه أن يقوم بذلك.. ربما لصغر سنه وعدم وعيه وإدراكه الكامل بأن ما يقوم به ويفعله جريمة يعاقب عليها القانون!.. أتحدث عن «أطفال» من المفترض أن تقترن بهم كلمة «الأبرياء».. لكنهم فى واقع الأمر لم يكونوا أبرياء بالمرة.. فهذه الكلمة جرى عليها الزمن وأصبحت بلا قيمة ومعنى الآن.. لأن النسخة الجديدة من هؤلاء الأطفال هم أطفال متحرشون متعجرفون ومتجرئون فى المعاملة مع الناس.. لا أتجنى على هؤلاء الأطفال، بل ضد سلوكياتهم وأخلاقياتهم التى جعلتهم وحوشا صغيرة مفترسة، تلهث وراء الناس وخاصة البنات لتتطاول عليهم سواء باللفظ الجارح أو باللمس من منطلق الهزار والضحك واللعب.
 
 ولا أعنى فى حديثى طبقة معينة من الأطفال، بل كل الطبقات.. فلا فرق بين طفل غنى وفقير فكلاهما مذنب ويستحق العقاب على ما يفعله!.. ولكن قبل أن نحاسبهم يجب أن نحاسب أولا من الذى أودى بهؤلاء الأطفال إلى هذا الحد؟!.. هل المجتمع الذى أباح لهم كل شىء دون مراقبة؟!.. أم المدرسة التى فقدت طابعها وفشلت فى تقويم سلوكهم وتربيتهم قبل تعليمهم، أم انعدام الواعظ الدينى داخل الجوامع والكنائس أم فشل الدور الأسرى فى تربية الأطفال على المبادئ والقيم الصحيحة، أم القانون الذى لم يعاقب هؤلاء الأطفال بشكل رادع يجعلهم يفكرون ألف مرة قبل ارتكابهم لهذه الأفعال المشينة أم كل هذا؟!.. والسؤال الأهم الآن هو: كيف نمنع أو نقلل هذه الظاهرة فى المجتمع؟!!. هل من خلال تشديد العقوبات أم من خلال ماذا؟!
 
أسئلة كثيرة طرحناها على المحللين كى يحللوا لنا هذه الظاهرة التى تفشت فى المجتمع.
فى البداية يحلل الدكتور عمرو سليمان- استشارى نفسى أطفال- هذه الظاهرة قائلا:
 إن العقوبات وحدها ليست كافية لإيقاف الظاهرة.. لأن المشكلة فى الأخلاقيات المنتشرة فى المجتمع.. فنحن نستحل الكذب والضحك على بعض على أتفه الأشياء.. ومادمنا نستحل هذا على المستوى الأخلاقى فمن السهل أن نستحل شيئا كبيرا مثل التحرش.. ومع العشرين سنة الماضية فى عمر المجتمع المصرى ومع انهيار الذوق العام تجاه الفنون وتجاه الآداب وتجاه أشياء أخرى أدى ذلك إلى ظهور هذا الكم من الفنون الصاخبة، وهذا التشويه لكل شىء جميل فى المجتمع بما فيها الإحساس بالمسئولية الاجتماعية تجاه الأنثى.. وبالتالى أصبحت قصة التحرش قصة عادية.. لأن منظومة الأخلاق داخل المجتمع انهارت من خلال انهيار منظومة صناعة السينما وصناعة الفنون وصناعة الآداب وصناعة المسئولية داخل مجتمع منهار!.. ومادام حدث هذا الانهيار فمن الطبيعى أن تظهر هذه الظاهرة.. مع انهيار منظومة التعليم فى حد ذاتها.. فإن منتج التعليم الآن «حدث ولاحرج».. وبالتالى أصبحت الظاهر ليست ظاهرة أخلاقية بقدر ما هى عبارة عن إفراز أخلاقيات المجتمع خلال العشرين سنة الماضية.. وبالتالى يجب أن نقوم بعمل نظام كامل بمعنى أن النظام التعليمى وأقصد به التعليم الأساسى والجامعى يضع فى مناهجه أو فى طرق التدريس ما يجعل الأطفال شغوفين بالعلم وتحقيق ذاتهم من خلال العلم.. لأنه عندما يتعلم الطفل أن هناك عقوبات داخل التعليم وأن المجتمع سيقوم بمعاقبته فى حالة إذا قام بمثل هذه الأفعال كالإيذاء أو التحرش سيصطدم بالنظام القضائى فى المجتمع.. وسيجد وقتها أنه نظام سيقوم بمحاسبته على كل شىء.. فلو لم يتعلم ذلك داخل التعليم سيكون دور القضاء لا شىء!!.. وبالتالى يجب من خلال التعليم عزل دور إحساس الطفل بذاته.. وتحقيقه بذاته من خلال التعليم ومن خلال المشاركة فى الأنشطة التعليمية والأنشطة المشاركة بين الأستاذ والطالب.. حتى لا يكون التلميذ فى حالة خوف دائم تجاه الأستاذ.. ومن هنا يخرج التعليم منتجا فاهما وواعيا يحترم قواعد القانون ولا يخترق قواعد النظام القضائى.. لأن القانون هو حس المجتمع.. وأيضا على الإعلام ألا يتحدث معه بهذا الكم من العنف لأننا نتأثر بذلك.. فالتحرش ما هو إلا عبارة عن حالة من العدوانية قادمة من عنف مجتمعى.. فإن حالة العنف اللفظى التى نراها فى المجتمع من خلال التوك شو تؤثر على الطفل.. فالطفل الصغير فى حاجة إلى أن يرى صورة المجتمع مرئية وسمعية بصورة متحضرة.. نسمع آراء بعض، لا نهاجم على طول الخط.. أن تتحدث الناس بلغة هادئة وتقوم بتوصيل المعلومة له بنبرة هادئة.. وإذا توافر كل هذا: تعليم جيد، إعلام متحضر وقضاء عادل وجهاز شرفى يقوم بتطبيق قواعد القضاء.. ستختفى الظاهرة فى حد ذاتها.
 
دكتور إسماعيل هيبة - أستاذ القانون الجنائى- يقول:
 
المشكلة ليست فى تغليظ قانون العقوبات، بل فى كيفية إعادة سلوك الناس مثلما كان قبل الثورة.. فقد كثرت جرائم الأطفال الذين لم يبلغوا الـ 15 سنة أو حتى لم يبلغوا الحلم فى القتل والاغتصاب ويرجع ذلك إلى انحطاط الأخلاقيات فى المجتمع.. فأين دور المدرسة والأسرة فى ذلك؟.. فقد أصبحنا فى زمن انحطت فيه هيبة كل شىء.. وظهر هذا التغير فى سلوك المجتمع بشكل ملحوظ بعد ثورة 25 يناير .. فقد غيرت هذه الثورة كثيرا فى طباع الناس.. ومع انعدام الرقابة الكافية على سلوك الطفل فقد تشبع هو أيضا بما يراه ويسمعه حوله.. وبدأ ينفذه فى المجتمع وعلى أرض الواقع لأنه لم يجد من يوقفه ويعاقبه على ذلك.. فهو يرى الشرطى مهانا فى الشارع، المدرس مهانا فى الفصل حتى رسخ فى ذهنه أن كل كبير مهان لا أحد يحترم الآخر.. فقد تلاشت من ذهنه كلمة الاحترام.. فالأطفال فى المدارس يدرسون مناهج لا يستفيدون بها بعد ذلك.. ولكى نقضى على هذه الظاهرة يجب أولا: أن نضع مناهج محترمة تؤهل هؤلاء الاطفال بشكل جيد وصحيح بحيث يدركون قيمة الأب والأم فى الأسرة واحترام هيبة المعلم فى الفصل ومن خلال هذه المناهج يفهم جيدا معنى كلمة احترام وكيفية الارتقاء بالمجتمع والوصول به إلى الاحترام من خلال التعليم الصحيح حتى يكونوا صالحين فى المجتمع.. ثانيا: يجب أن نقضى على ظاهرة أطفال الشوارع ونقوم بتأهيلهم من الحضانة إلى الجامعة بحيث يخرج بمادة علمية صحيحة.. وهذا ما تقوم به دول العالم تهتم أولا بتأهيل الأطفال وتربيتهم قبل تعليمهم.. وهذا كان موجودا لدينا قبل الثورة.. ثالثا القضاء على العشوائيات لأنها من أكثر الاشياء التى تجعل الطفل أكثر جرأة لقيامه بذلك من خلال ما يسمعه ويراه فى الغرفة الواحدة ويخرج ليطبقه على أرض الواقع.. فغرفة النوم لها حرمة يجب أن نقدرها.. فإذا تم القضاء على كل هذا سنرتقى بأطفال المجتمع الذين سيرتقون به بعد ذلك.. فإن المشكلة الأساسية ليست فى تغليظ العقوبة، بل فى إعادة تربية المنظومة المجتمعية من جديد!
 
دكتورة نادية رضوان - أستاذ علم الاجتماع- تقول:
 
الاغتصاب مرحلة من مراحل التهاون.. فالطفل فى عمر 10 أو 12 سنة يقوم بمضايقة الناس من خلال عمل إشارات جنسية لهم ولم يعاقبه أحد على ذلك.. وفى سن الـ 12 والـ 13 يبدأ فى اللمس وأحيانا كثيرة يكون التحرش ماديا وليس لفظيا.. وفى سن الـ 15 يصل لمرحلة الاغتصاب.. وكلما تهاونا فى ذلك كلما طغى وتمادى الطرف الآخر.. وكلما تراجع القانون كلما سادت شريعة الغدر.. ولذلك أرى أن هؤلاء الأطفال يجب أن يعاقبوا فى الصغر.. الطفل الذى يتحرش بفتاة أو يقول لها لفظا ويكون هناك شاهدان عليه يحلق له شعره حتى تكون وصمة معلنة له، إلى جانب عقاب آخر وهو خدمة المجتمع مثلا يقوم بكنس الشارع كل يوم ويكون معه ملاحظ النظافة.. وهذا ما يحدث فى أوروبا يأخذون هؤلاء الأطفال وبدلا من أن يزحموا بهم السجون لأنهم بذلك يصنعون منهم مجرمين آخرين يستفيدون منهم.. ويقومون بتقويمهم من خلال خدمة المجتمع.. ولذلك يجب أن يأخذوا هؤلاء الأطفال إلى مناطق التجنيد أسبوعين أو 3 أسابيع ويتعاملوا معه معاملة الجندى ويقومون بعمل معسكرات عمل لهم مثل الجيش، ولكن على مصغر حتى نصنع منهم رجالا.. لكننا فى الحقيقة نتهاون معهم.. ومادمنا لم نقف وقفة حازمة أمام هذا.. فنحن نسمح لهم بأن تكون ظاهرة رجولية ذكورية مهمة جدا فى حياة الأولاد.. وهذا يعتبر نتاجا طبيعيا للـ 30 سنة الماضية.. فنحن نريد 01 سنوات كى نصلح ما أتلفه الدهر سواء المنظومة التعليمية أو الإعلام أو الخطاب الدينى.. فلا يوجد شيخ فى الجامع يتحدث على المنبر يوم الجمعة ويقول خطبة عن احترام الجار أو احترام المرأة أو احترام الآخر وعقابها عند ربنا.. فمادام الخطاب الدينى متخلفا والإعلام يتحدث عن كيفية الأخذ من جيوب الآخرين والعيش على دماء المشاهدين.. سنظل ننتج أجيالا أسوأ مما نراه الآن.. لأن ما نراه من تسيب وانهيار أخلاقى يعتبر نتاجا للانهيار الذى وصلنا له.. فسوء الخلق وسوء التربية والدين هو ما وصلنا إليه من خلال الأفلام الهابطة التى يراها الأطفال فى التليفزيون.. فليس لدينا ثقافة الاعتذار أو ثقافة احترام الآخر.