الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هجمــة مرتــدة.. عندمــا يعود الوعـــى من بوابـة الدرامـا

«من ملفات المخابرات العامة المصرية»، العبارة الشهيرة التى يحفظها كل مشاهد عربى هى بمثابة ضمان الجودة الذى يجعل أى عمل درامى تبدأ به فى مكانة مختلفة بعيدة عن المنافسة فى أى سباق درامى، وهو ما يتكرر هذا الموسم مع مسلسل «هجمة مرتدة» بطولة النجمين أحمد عز وهند صبرى، الذى أكد من جديد تعطش الجمهور المصرى لهذه النوعية من الدراما التى تتمتع بميزة التشويق من ناحية وبقصص البطولة الوطنية من جهة أخرى، غير أن عنصر قوة آخر ورئيسيًا يظهر بجوار تلك العناصر ويسطع بوضوح منذ الحلقات الأولى للعمل الذى كتبه باهر دويدار ويخرجه أحمد علاء الديب.



الوقوف على عنصر القوة الذى يميز مسلسل «هجمة مرتدة» بجانب العناصر التى تميز كل مسلسلات المخابرات عادة، يتطلب أولا تذكر الرابط الذى يجمع مسلسلات المخابرات الشهيرة، وفى مقدمتها بالطبع «رأفت الهجان»، «دموع فى عيون وقحة»، «الثعلب»، «العميل 1001»، فكلها تقريبًا كانت تدور فى إطار العداء التقليدى بين مصر وإسرائيل ومرتبطة بفترة الحروب المتتالية والتى انتهت بانتصار كاسح للمصريين فى أكتوبر 1973، لكن الوضع يختلف تمامًا فى «هجمة مرتدة» الذى تبدأ أحداثه عام 2007، وعلى ثلاثة مسارات مختلفة، فى القاهرة حيث مقر جهاز المخابرات العامة الذى يزرع عملاءه الأكفاء فى مواقع كثيرة منها العراق التى شهدت أزمة أمنية كبرى بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وكذلك دولة فى شرق أوروبا لم يحددها المسلسل، لكن يمكن اعتبارها نموذجًا للدول التى تم استخدامها لإطلاق منظمات وهيئات تحمل أهدافًا تبدو فى الظاهر إيجابية، بينما هى فى الحقيقة مجرد واجهة لتنفيذ خطط هدم استقرار مجموعة من الدول العربية والتى حملت فيما بعد وصف «دول الربيع العربى»، أى أننا أمام مسلسل يقدم للجمهور وقائع حديثة تاريخها لا يزيد على 15 عامًا، والبداية كانت مع السنوات التى سبقت ما جرى فى 2011 ومهدت له واستغلت نوايا البعض الطيبة من أجل قلب المنطقة كلها رأسًا على عقب، بالتالى فإن عنصر القوة الجديد الذى يميز «هجمة مرتدة» أنه ليس مجرد مسلسل مخابرات تشويقى عن الصراع القديم بين القاهرة وتل أبيب، وإنما هو عمل يهدف إلى رفع درجة الوعى السياسى للمصريين والعرب أيضًا وتقديم شرح درامى لكل المخططات التى أثرت فيما بعد على المنطقة أسوأ التأثيرات قبل أن تتماسك مصر وتنجح فى العودة للمسار الصحيح سريعًا وتقدم يد العون لباقى الدول العربية إما لتحميها من الوقوع فى الفخ أو لتنقذها إذا وقعت بالفعل.

سؤال حير الكثيرين

ما سبق يفسر كيف تحمل حوارات المسلسل الكثير من التوضيحات لما جرى فى السنوات الأخيرة، وكيف بدأت العديد من الأمور وكانت كلها تحت أعين «الصقور»، فنرى أن رجال المخابرات العامة كانوا على علم مبكر بخطط تكوين داعش، أو الدولة الإسلامية فى العراق والشام، ونيتهم نقل المقاتلين على أكثر من محور من بينها شمال سيناء، ليقدم المسلسل لجمهور الدراما وليس مشاهدى البرامج السياسية إجابة على سؤال حير الكثيرين، هو: متى وكيف ظهر فى سيناء الطيبة كل هذا الكم من السفلة والأوغاد الذين تصدى لهم فيما بعد ومنذ 2013 تحديدًا رجال القوات المسلحة المصرية، فى الوقت نفسه يرصد المسلسل بداية تكوين المنظمات التى تظاهرت بأنها من دعاة السلام وهدفهم تدريب الشباب على المشاركة السياسية، قبل أن يدفعوا بعناصرهم إلى ميادين مصر لإرباك المشهد وتحويل البوصلة إلى اتجاهات تخدم مصالح من دربوهم.

ثلاثية رمضان 2021

كل ما سبق يشير إلى الأهمية التى يحملها المسلسل والذى لا يكتفى بأن يجذب انتباه الجمهور بسرد وتصوير بطولات رجال المخابرات التى لا تتوقف والتى تحتاج لعشرات الأعمال حتى تغطيها وسيظل معظمها سريًا فى النهاية، وإنما يريد أن يصل الجمهور إلى رؤية أشمل تجعله يربط الأحداث التى جرت بعضها ببعض، واللافت أن الموسم نفسه يشهد عرض مسلسلين يكونان مع «هجمة مرتدة» ثلاثية لو تابعها المتفرج بالتزامن ستكتمل لديه صورة أوضح بدأت باصطناع تنظيم القاعدة كما يظهر فى الضلع الأول من المثلث أى «القاهرة كابول» ثم خروج تنظيم داعش وخطة منظمات تجنيد الشباب فى «هجمة مرتدة»، ويكتمل المثلث بحلقات «الاختيار2»، وهناك نرى توابع ونتائج ما سبق على الأرض فى مصر عام 2013 بعد إسقاط المصريين لنظام حكم الإخوان المسلمين.

بجانب ما سبق، نجح المخرج أحمد علاء الديب فى إدارة ممثليه إلى أقصى درجة، مبتعدًا عن الشخصية التقليدية لرجل المخابرات، حيث نرى لأول مرة عميلة مخابرات مصرية بالخارج هى هند صبرى وبالداخل أيضًا تجسدها ندى موسى، وهناك قصة الحب بين عز وهند، حيث يظهر البطل بشخصية مكتملة الجوانب، فنرى أيضًا عائلته وأصدقاءه أى لا نراه كضابط مخابرات فقط طوال الوقت، ليكمل أحمد عز سلسلة التألق التى بدأت فى شخصية ضابط الشرطة بفيلم «الخلية» ثم ضابط الجيش فى «الممر»، وبعد مشاهدة الحلقات الخمس الأولى يمكن الجزم بوجود جيل جديد من ضباط مخابرات ناجحين على الشاشة، منهم نضال الشافعى ونور محمود وأمجد عابد، ليذكرونا بما قدمه صلاح قابيل مع جمعة الشوان ومحمد وفيق مع رأفت الهجان، أما الشخصية الأشهر محسن ممتاز والتى برع فى أدائها الراحل يوسف شعبان، فيبدو أنها ستجد منافسًا بعد تصدرها المشهد لأكثر من ثلاثين عامًا، حيث نجاح الممثل الكبير هشام سليم فى جذب الانتباه بأدائه الراسخ لشخصية «رفعت بيه» مسئول الجهاز القادر على متابعة كل الملفات وربط كل التقارير وتحريك كل العملاء ببراعة ويقظة وبرود أعصاب يحسد عليه.