السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

تأويل حكم الإعدام هدفه الإساءة للقضاء المصرى

تأويل حكم الإعدام هدفه الإساءة للقضاء المصرى
تأويل حكم الإعدام هدفه الإساءة للقضاء المصرى


قامت العديد من الدول الخارجية الداعمة لجماعة الإخوان الإرهابية بمحاولات لإثارة الرأى العام المصرى والعالمى وتشويه صورة القضاء المصرى، والتشكيك فى نزاهته، بعدما أصدرت محكمة جنايات المنيا يوم 24 مارس حكمها بإحالة أوراق 528 من أنصار وقيادات الإخوان فى المحافظة إلى المفتى، على خلفية اتهامهم بالاعتداء على منشآت عامة ومركز شرطة «مطاى» وقتل نائب مأمور المركز والشروع فى قتل عدد من الضباط والاستيلاء على أسلحة الشرطة وسرقتها وحرق المركز وإتلاف محتوياته.
 
 بالإضافة إلى أعمال الشغب التى حدثت عقب فض اعتصامى «رابعة والنهضة»، وبرأت المحكمة فى حكمها الصادر فى هذه القضية 71 آخرين، وبعد الحكم خرجت العديد من ردود الأفعال الغاضبة من جانب الإخوان ومؤيديهم فى الداخل والخارج للتنديد بالحكم ووصفه بأنه صادم ومخالف لكل قواعد الإنسانية والعدالة القانونية، وأضافت الجماعة فى بيان صادر عنها أن الحكم يمثل إشارة واضحة إلى فساد القضاء.
 
وللرد على هذه الاتهامات التى تنال من استقلال القضاء ورجاله توجهنا إلى عدد من رجال القانون لتوضيح الأمر، وتحليل طبيعة الحكم، فأكدوا جميعا أن الحكم قانونى، وأن القانون ينص على أن كل من حرض أو اتفق أو شارك فى ارتكاب جريمة ما يطبق عليه الحكم المنفذ على مرتكب الجريمة، هذا إلى جانب أن المحكمة قد استمعت إلى مرافعات المحامين عن المتهمين، كما اتفقوا جميعا على أن الحكم بالإحالة إلى مفتى الجمهورية أمر استشارى فى مثل هذه القضايا. 
 
ليس من حق أحد توجيه الرأى العام بقصد التأثير على جهات قضائية أو ترويعها لما فى ذلك من إهانة لسيادة القانون، هكذا بدأ المستشار عمرو عبدالرازق رئيس محكمة أمن الدولة العليا الأسبق، وأضاف إن ما أُذيع عن صدور حكم بالإعدام لـ825 متهما فى أحداث العنف بالمنيا هدفه الإساءة للقضاء المصرى، مؤكدا أن إحالة أوراق المتهمين للمفتى هو قرار قانونى لأخذ رأيه بما يتفق مع الشريعة وليس حكما نهائيا بالإعدام، وأوضح أن من يطلق على هذا القرار حكما بالإعدام يرتكب جريمة آثمة طبقا للمادة 187 من قانون العقوبات، مشيرًا إلى أن قانون العقوبات قد فرض حماية للمتهم والمجنى عليه والقاضى الذى يحكم فى القضية، مضيفًا أن القانون قد جرم كل من يدعى أو يتعامل فى الإعلام أو الصحافة أو أى وسيلة للنشر، بأن يتعرض بمحاولة لخلق اتجاه فى الرأى العام للتأثير على القاضى فى حكمه. وقال عبد الرازق ما يحدث الآن محاولة من جماعة الإخوان الإرهابية للضغط على المحكمة التى تنظر القضية والإساءة للقضاء.
 
وأشار عبدالرازق إلى أن إجراءات التقاضى رسمها القانون، والتعقيب على المحكمة فى اتخاذ إجراءات التقاضى يكون للمحكمة التى هى أعلى منها، وهذا الحكم إن صدر بالإعدام بعد أن يأتى رد المفتى، فهناك محكمة النقض التى تنظر قضايا الإعدام وجوبيا قبل أن ينفذ الحكم، كما أنها تحاكم كل إجراء فى القضية، وإذا كان هناك إخلال بالدفاع تقضى بنقض الحكم. وأشار عبدالرازق إلى أنه فى حالة المحاكمة الغيابية من حق المتهم أن يأتى بالمعارضة، والتى تحول الحكم للمحكمة للنظر فى القضية كأول مرة، وقال إن القاضى فى هذه القضية اتخذ إجراء بتحويل أوراق المتهمين إلى المفتى حفاظا على سيادة القانون.
 
أما الدكتور محمود كبيش عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة فقال: لا يمكن أن نتحدث عن مدى صحة القرار أو عدم صحته حتى لا نؤثر فى رأى المحكمة، ولكن من الناحية القانونية أن من تم الحكم عليهم بالإعدام فى جريمة الإرهاب يجب قبل إصدار الحكم أن تكون المحكمة قد تأكدت بالأدلة القاطعة أن من صدر ضدهم حكم الإعدام ارتكبوا تلك الجرائم، مؤكدا أنه لن يكون هناك حكم نهائى إلا بعد رد فضيلة المفتى على قرار المحكمة.
 
وللرد على ما أثير حول القضية فى الأيام الماضية يرى الدكتور كبيش أن القضاء يتعرض لحملات عديدة للنيل من هيبة القضاء والقضاة، والتشكيك فى مصداقيتهم فى بعض القضايا ذات الصلة بالرأى العام، وهو ما يعد انتهاكا أصيلاً لمبدأ استقلال القضاء، كما أنه يؤثر سلبا فى نفوس العديد من القضاة، وفى سمعة القضاء عموما داخليا وخارجيا. وأضاف إن المحاكمات الجنائية لها أصول لا يفهم فيها إلا من يعرف القانون، والمحكمة وحدها التى تنظر فى القضية وهى التى تعرف متى الحكم فيها، ولا يستطيع أحد من خارج المحكمة أن يعرف ماذا يتم أثناء الجلسة. وناشد دكتور كبيش الشعب أن يدع القضاء يباشر عمله ولا ندع كل شخص يفعل ما يريد، ويجعل من نفسه قاضيا أو محققا ويحكم بما يشاء، فالقضاء المصرى وقضاته يتمتعون بالنزاهة والاستقلالية والحياد والتجرد على مر العصور، كما أن القضاء هو ضمانة الأمان بالنسبة للمصريين.
 
ويرى الدكتور عماد الفقى أستاذ القانون الجنائى أن المحكمة حين ترى أن القضية تستلزم حكم الإعدام تحيل أوراق القضية لاستطلاع رأى المفتى، لمعرفة مدى اتفاق القرار مع الشريعة الإسلامية، مشيرا إلى أن هذا الإجراء وجوبى، فإذا لم تقم به المحكمة وأصدرت حكم الإعدام مباشرة يكون حكمها باطلا. وتابع: هذا الحكم يتسق تماما مع الجرائم التى ارتكبها المتهمون فى هذه القضية، لأن الجرائم المنسوبة إليهم اتهامات شديدة الخطورة تتمثل فى إزهاق أرواح ضباط وجنود، وإشعال حريق وإتلاف منشآت ونشر الرعب والفزع بين أفراد المجتمع، كما أن الحكم معناه أن المحكمة اطمأنت تمامًا إلى الأدلة التى ساقتها النيابة العامة على ارتكاب المتهمين الجرائم المنسوبة إليهم.
 
وأشار أستاذ القانون الجنائى إلى أن حكم الإعدام حتى لو صدر لن ينفذ إلا بعد أن تنظره مرة أخرى محكمة النقض، فالقانون استثنى الإعدام من الأحكام الصادرة عن محاكم الجنايات. مضيفا إن عدم وجود عدد من المتهمين بحوزة العدالة يعنى أنهم سيحاكمون من جديد بعد القبض عليهم، حينها يمكن أن ينالوا حكم الإعدام أو تخفض العقوبة، ووارد أن يحصلوا على البراءة.
 
وأكد المستشار رفعت السيد أن الحكم الصادر بإحالة أوراق 528 من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين إلى فضيلة المفتى من الممكن أن يتغير باعتبار أنه ليس حكما نهائيا فالأمر الآن بيد فضيلة المفتى وعليه تطبيق الشريعة الإسلامية وهى المرجع الشرعى والقانونى للدولة..وأوضح أنه يجوز الحكم على آلاف الأشخاص عند شروعهم فى قتل فرد واحد، مشيرا إلى أن القاعدة القانونية تنص على «أن كل من شارك فى الجريمة عليه نفس عقوبة فاعلها» فكل من حرض ومول وساهم مثل من قام بالقتل وليس صحيحا من أن ما يشاع عن أنه كلما زاد عدد المتهمين تفرقت العقوبة بينهم فالقاتل مثل المحرض فى الشريعة الإسلامية.
 
وللتعقيب على ردود الفعل الداخلية والخارجية التى ثارت عقب صدور قرار المحكمة كشف المستشار عبدالعظيم العشرى رئيس المكتب الفنى ومساعد أول وزير العدل فى بيان صادر عن الوزارة عدة حقائق متعلقة بالقرار منها أن أحد المبادئ الأساسية لأى نظام ديمقراطى هو مبدأ الفصل بين السلطات والتأكيد على استقلالية القضاء وعدم تدخل السلطة التنفيذية فى أعمال السلطة القضائية، وعدم جواز التعقيب على أحكام القضاء سواء من جانب أطراف داخلية أو أطراف خارجية أيا كانت باعتبار أن ذلك يمثل مساساً باستقلال القضاء. مؤكدا أن المتهمين الذين تمت إحالتهم تجرى محاكمتهم أمام محكمة عادية وأمام قاضٍ طبيعى وليس أمام محكمة استثنائية، مشيرا إلى أن قاضى المحكمة قد أصدر قراراً وليس حكماً، بعد الاستماع إلى شهادة الشهود، بأخذ رأى فضيلة المفتى وهو رأى استشارى، وأنه فور ورود أوراق القضية مرة أخرى للمحكمة له الحق فى تأييد حكمه أو العدول.
 
وأضاف البيان إنه من حق جميع المتهمين فى حالة صدور حكم بالإعدام أو السجن المؤبد نقض الحكم أمام محكمة النقض، كما أن من حق النيابة العامة الطعن على الحكم حتى ولو لم يطعن عليه من قبل المتهمين، وأن من حق محكمة النقض إما أن تنقض الحكم وتعيده إلى دائرة أخرى للنظر فى القضية من جديد، أو تؤكده، كما أنه حتى فى حالة إصدار الدائرة الجديدة ذات الحكم بالإعدام، فيمكن للمتهمين للمرة الثانية أن ينقضوا الحكم، وفى هذه الحالة تتصدى محكمة النقض بالفصل فى القضية.
 
وقال العشرى فى بيانه إن غالبية من صدر ضدهم قرار المحكمة (أكثر من 350 متهما) قد صدر القرار بشأن إحالة أوراقهم لفضيلة المفتى قد تمت محاكمتهم غيابياً، ومن ثم فإنه فى حالة محاكمتهم حضوريا فلهم الحق فى المثول أمام المحكمة ومن واجب المحكمة السماع إليهم وتكوين عقيدة خاصة وإعادة نظر الدعوى وإجراءات التقاضى مرة أخرى أمام ذات المحكمة.