الأربعاء 30 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ذكريات من زمن الحب

ذكريات من زمن الحب

أنا من جيل أصابه التحول الذى حصل للمجتمع المصرى بحسرة شديدة.. فقد أصبحنا نفجع بأخبار حوادث من نوعية، أم تقتل ابنها، أو أب يقتل أبناءه، أو رجل يقتل شقيقه إلى آخر هذه النوعية من الأنباء التى تزلزل كيان البشر.. أيضًا طفح على سطح حياتنا تنمر مريع، فذو الاحتياجات الخاصةالذى كان يلقى فى الستينيات الرعاية الإنسانية، ويد العون و«الطبطبة» عليه لتخفيف شعوره بالألم،، أصبح يتعرض للسخرية المريرة، بل أحيانًا للعدوان الخسيس، وكأن قلوب المصريين قد استبدلت بقلوب صخرية والقائمة كبيرة.. فقد كنت مثلاً أذهب مع صديقاتى لمشاهدة عروض الأفلام الجديدة فى حفلات السهرة ونخرج نحو منتصف الليل، دون أن يخالجنا أدنى شعور بالخوف، خاصة من جراء آفة التحرش التى صاحبت ويا للعجب، انتشار الدعاة الجدد الذين حصروا خطابهم فى الجنس واعتبار المرأة أس البلاء !، وكأن الرجال بلا إرادة أو قيم..ومع انتشار خطاب مدعى التدين والإسلام، شاعت فوضى التكفير بلا حسيب أو رقيب، وإصدار فتاوى تكفير كل من يختلف عن صاحب الفتوى دون أدنى اعتبار لحرية العقيدة ومبادئ المواطنة ولا حتى المعايير الأخلاقية المعروفة.. وقد كتبت مقالاً أنبه فيه إلى خطورة تقسيم الوطن بسلاح التكفير البغيض، بعنوان أيامنا الحلوة..ذكرت فيه كيف كنا ثلاث تلميذات فى مدرسة العائلة المقدسة بحلوان، نحمل اسم فريدة، الذى تسمّت به، تقريبًا الأغلبية الساحقة من الإناث اللاتى ولدن بعد زواج الملك فاروق من الملكةفريدة.. كنا فى الفصل فى أواخر الأربعينيات، فريدة مسلمة الديانة وأخرى مسيحية والثالثة يهودية.. ومن ثم كانت المدرّسة، الراهبة تنادينا بالاسم الكامل، حيث لو اكتفت بنداء فريدة، لوقفنا ثلاثتنا وكانت أسماء الآباء، عبد الله وجورج وليشع. كنا زميلات دراسة لم نتطرق يومًا إلى عقيدة أىّ منا.. كان العامل المحدد لطبيعة العلاقة هو السلوك والتعامل..كان الحب هو السمة الغالبة على العلاقات بين الناس، وبطبيعة الحال كان الوضع كذلك فى جميع التجمعات، مثل المدارس والمصانع والحقول ومختلف مناسبات التلاقى.. كان إذا ما تعثر شيخ مسن يهرع جميع من حوله لإقالته من عثرته والمكوث إلى جواره حتى يستعيد ثقته بنفسه..كنا نسمع من أهالينا عبارات رائعة، منها: «ر بنا أمر بالستر»، بينما يستعذب البعض فى هذه الأيام الخوض فى الأعراض، بل ادعاءات كاذبة أحيانًا كسلاح لإرهاب الضحايا..والأكيد أن التغيرات السلبية البعيدة عن القيم المصرية الأصيلة قد بدأت منذ منتصف السبعينيات وتحديدًا مع سياسة الانفتاح، الذى وصفه أستاذنا الكبير الراحل أحمد بهاء الدين، بالانفتاح السداح مداح.. الظروف الاقتصادية الصعبة التى أضيف إليها الانفجار السكانى الرهيب، ساهمت فى إحداث التغيير السلبى فى الشخصية المصرية، فليس من المنطقى أن نطالب شبابًا تربوا فى المناطق العشوائية المهينة وذاقوا الحرمان من كل متع الحياة، أن يتحلوا بأخلاق سوية، أو أن يكون الحب شعارهم فى العلاقات الإنسانية.. والأكيد أن الجماهير التى خرجت فى الثلاثين من يونيو فى أكبر تجمع بشرى فى التاريخ، ما بين خمسة وثلاثين وأربعين مليونًا، أكدت استحالة استمرار حالة التردى والظلم التى كانت سائدة وفوّضت تلك الملايين المشير عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع عام 2013 ليقود مصر. كى تستعيد مكانها ومكانتها.. وفى كل يوم يتحقق المصريون من سلامة اختيارهم لقائد يجسد ثورة يونيو على أرض الواقع، ومن أسمى وأحدث إنجازاتها، مبادرة تطوير الريف المصرى، التى ستنهض بنصف أبناء المحروسة، ومع تحسن الظروف المعيشية وتحقيق العدالة الاجتماعية التى يسعى إلى تحقيقها كمطلب شعبى أساسى، سنعود إلى علاقات سوية تليق بمصر وستعود، بلا أدنى شك، أيامنا الحلوة وسيعود زمن الحب.