الإثنين 13 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ماذا حدث للمصريين؟!

ريشة: سامح سمير
ريشة: سامح سمير

نحن- المصريين-، نسأل دائمًا عمّا حدث لنا، دونما نهتم بمعرفة النتيجة أو الإجابة! نتعجب ونشجب ونستنكر التغيرات السلبية التى أصابت سلوكنا وقيمنا.. كالتى شاهدناها ببعض المواقف التى مرت بنا مؤخرًا،  ثم تمضى بنا الحياة دونما ننتبه إلى أننا نكاد نكون الشعب الوحيد الذى يحمل مقومات تقدمه فى سمات ماضيه، وتبنى قيم الأربعينيات والخمسينيات! 



حينما كان الناس يسألون عن أصل وفصل الشخص نتيجة لقيامه بعمل أصيل أفاد به المجتمع وأبهره.. سياسيًا أو اقتصاديًا أو فى مجال الفن والإبداع، أو حتى على مستوى جدعنة أولاد البلد التى كثيرًا ما اشتهرنا بها.. فنتساءل «هو ابن مين؟!».. إعجابًا أو استحسانًا وافتخارًا به وبمن أنجبوه!

لكن صرنا- مؤخرًا- لا نردد هذا السؤال إلا حينما تفاجئنا سلوكيات البعض ممن يتخذون أصلهم وفصلهم سببًا لمخالفة القانون، والتعدى على حقوق المجتمع! 

وأحيانًا ما يفرض أحدهم بجاحته بصراخه فى وجوهنا، مبادرًا هو بسؤالنا: «أنتو ما تعرفوش أنا ابن مين فى مصر؟» رغبة فى تمرير أخطائه وتعدياته بتخويفنا وتلجيمنا! فتصيبنا الدهشة.. ونحن نكرّر نفس السؤال القديم: ماذا حدث للمصريين - حقّا؟

اعرف شعبك

مريم مرزوق استشارية التنمية وتنظيم المجتمع قالت: صار سؤال «أنت ابن مين فى مصر؟» دلالة على فساد القيم لأسباب مختلفة، لنتأمل حوارات الناس اليومية فى الشارع، ولغتهم فى الحوار، ونكتهم، ثم تأمل الشوارع الجانبية لهذا الشعب، والمدن والقرى الداخلية! كيف يطبق قوانينه؟ وكيف يتعامل مع رموزه؟ وكيف يتعامل مع الغرباء والمختلفين؟ ثم تعرف على حجم إنتاجه، وماذا ينتج؟ وما هو مصدر دخله؟ وكيف يصرفه أو يستثمره؟ بل استمع إلى موسيقاه، وحجم إبداعه الفنى والنقدى بمختلف أنواعه، ثم ما هو التاريخ الذى نريده أن يعرفه عن بلده؟ لترسيخ قيم الاعتزاز بالذات من خلال الانتماء للوطن! حتى قوائم السعادة والرضا عن النفس، وقبول الآخر! 

وتابعت  مريم: «إن تبديل قيمنا الأصيلة إلى قيم سلبية هى نتيجة طبيعية لسنوات تم فيها تفريغ العقل الجمعى للشعب من قيم الطيبة، والروحانية، والخير والجمال.. فضاعت لدى الكثيرين كثير من المعانى القيمية مثل الشرف، والأمانة، والضمير والنزاهة والتقدير والاحترام وتحولت إلى سلوكيات التوحش والعنف، والفوضى، والذاتية والأنانية.. فظهر لدى بعضهم التراخى والكسل وحب الظهور، والاستغلال، والرغبة فى إزاحة الآخر والانتقام منه! فى إطار ما أصابنا من آفة الرضا عن النفس بما نؤديه من مَظاهر الدين وليس عمقه!». 

ثقافة الاستهلاك

وتشير «مريم»  إلى أن  الطبقية الجديدة التى بدأت فى الظهور منذ فترة السبعينيات والثمانينيات، هى السبب فى إحياء سؤال «أنت ابن مين فى مصر؟»،  منذ صارت قيمة الإنسان فيما يمتلكه من المال بغض النظر عن مصدره، كان طبيعيّا أن تتغير معايير مصطلح أولاد الناس.. وتراجعت قيمة العلوم الأكاديمية وحب البحث والمعرفة، وهو ما عبرت عنه سينما العنف والجنس والمخدرات، التى صنعت أبطالها من الفاسدين والسارقين والبلطجية..

 وسألت مريم، هل نلوم تاجر اللحوم الذى صار أكبرمنتج سينمائى بعد ذلك؟ 

كل هذا وغيره، ساهم فى ميلاد الفن الشعبى الهابط الذى قيل إنه تعبيرعن مرحلة ما بعد هزيمة يونيو.. دونما يرتقى لما بعد انتصار 73! حتى وصل بنا الحال لتسمية الشذوذ الأخلاقى فى مسلسلات الدراما فنّا، إضافة إلى التباهى بما نستهلك وليس بما ننتج، وأكبر مثال على ذلك هو ما أشارت إليه وزارة الاتصالات بأن نحو 96 % من الشعب يستهلك التليفون المحمول! وما يتبعه من الدخول فى العالم المفتوح والسوشيال ميديا.. دونما نسأل أنفسنا إلى أى مدى حفزت تلك التكنولوجيا على ارتقاء أوضاع المستهلكين؟ 

تشخيص الخلل

ومن جانبه يرى الدكتورمحمد عبدالمنعم شلبى أستاذ مساعد علم الاجتماع بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية أن هناك خمسة عوامل تفسر ذلك الخلل الذى أصاب بنية مجتمعنا منذ نحو خمسين سنة، برزت مؤخرًا مع أحداث 25 يناير، أهمها أسباب تعود لظهور الإسلام السياسى على أيدى الإخوان المسلمين الذين حاولوا أسلمة المجتمع مع ما صاحب ذلك فى فترة السبعينيات من ظاهرة «تريف المجتمع» التى حولت القاهرة والإسكندرية من مركز ثقل حضارى إلى مركز التقاء لشباب الأرياف الملتحقين بالجامعات، الذين تخلوا عن أزيائهم وعاداتهم الريفية. 

وتابع شلبى: ليس غريبًا أن ترتبط ظاهرة الأسلمة بظهور التطرف، حيث تلاقت الثقافة الريفية مع ثقافة الأسلمة بخطابها الدينى الذى تم ترويجه من خلال بعض الشخصيات الدينية المشهورة مما خلق تعاطفًا مع الذين ينادون بانفصال الرجال عن النساء، وتزويج البنات الصغيرات، ومباركة تعدد الزوجات، وكثرة الإنجاب، وغيرها من سلوكيات عدم المباشرة واللف والدروان، والتشكيك، وحب المظهرية، والفضول،   والولاء العائلى للعصبيات، وادعاء المعرفة (أبو العُرّيف)، مع المبالغة والميل لتضحيم الأمور، وانتشار السحر والخرافة. 

التكوين المَعرفى 

الأسلمة التى أصابت التكوين المعرفى لكثير من النخب أصابها بالهشاشة، كما يرى شلبى، لذلك انتشر نمط الشخصية الإعلامية التى تؤمن بالأساطير والخرافة والغيبيات معارفه وخطابه الثقافى!

العامل الآخر الذى أشار «شلبى»  إلى تأثيره فى تراجع القيم المصرية، هو شكل القدوة التى تغيرت؛ خصوصًا أن بعض من يمثلون القدوة لا يكونون على قدر الوعى بأهمية دورهم! مشيرًا لأحد التسجيلات القديمة بالتليفزيون، ومن باب الضحك والمفارقة.. استضافت المذيعة سلوى حجازى الفنان الكوميدى الضيف أحمد عضو ثلاثى أضواء المسرح فى لقاء مع  ثروت أباظة! فأظهر الضيف أحمد ثقافة وعمقًا بارزًا فى حديثه عن الأدب والفكاهة! بالمقارنة مع حديث بعض الفنانات اللاتى خرجن علينا منذ أيام فى مهرجان الجونة بأقوال غير حقيقية.. 

اختراق الوعى 

وتتفق  دكتورة هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع السياسى مع رأى دكتورمحمد شلبى حول التغير الذى فرضه الإسلام السياسى على مجتمعنا، موضحة: ليس فقط لتصدر رجال الدين للمشهد الاجتماعى، ولكن لأنهم قدموا إسلامًا مخالفًا للحقيقة فى غياب دور علماء الاجتماع! فالإسلام دين مبهج ذو رؤية تقدُّمية.. حوَّل قبيلة قريش إلى دولة عظمَى، كما تقول د. هدى، مستطردة: ولكن خطاب بعض رجال الدين حوَّلوه إلى قاتم مأساوى يحافظ على ماضى افتراضى.

 يقول د. زهدى زكريا إنه حدث اختراق لوعينا الجمعى بقيمتنا كشعب أدى دورًا بارزًا منذ ستينيات القرن الماضى، فتم التآمر على جهازنا المناعى الثقافى من خلال الدين! والواقع أن أهم الأسباب التى ساعدت على تغيير قيمنا يعود لدور المؤسَّسات التربوية التى ساهمت فى كراهية الطلبة لدراسة التاريخ، مما أدى إلى سرقة الوطن داخليّا بتغيير القيم إلى الصورة التى نحياها.