الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الغناء والقرآن الكريم

جدل قديم متجدد بعد إعلان المطرب بهاء سلطان عن نيته تسجيل القرآن الكريم بصوته.. نفس الجدل الذى يحدث كلما أبدى أحد المطربين رغبته فى تجويد وتسجيل القرآن، فخرجت دعوات مستنكرة من أساتذة جامعة الأزهر أو من خريجيها من المشايخ فى الوقت الذى قيلت فيه تصريحات لوالدة المطرب عمر كمال. 



 خرجت الفصية الإسبوع الماضى علي موافع التواصل من جدل تلحين القرأن ودخلت نفق هل الغناء حرام أم حلال أن المتتبع لرحلة تطور «الغناء والطرب» تاريخيّا يكتشف أن عددًا كبيرًا من خريجى الأزهر ساهموا بقوة فى نهضة وتطوّر الغناء والتلحين، مثل الشيخ أبو العلا محمد. مكتشف كوكب الشرق «أم كلثوم»، إضافة إلى آخرين، فيما حاز الشيخ يوسف المنيلاوى لقب «إمام الملحنين»، وهو واحد من قراء القرآن الكريم.

 

مازالت للآن تداعيات الهجوم الذى شنه الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر،  على انضمام المطرب بهاء سلطان لنقابة قراء القرآن، وتسجيل القرآن الكريم بصوته متداولًا على مواقع التواصل بين مؤيد ومعارض. 

تبريرات الدكتور كريمة مع آخرين لاعتراضهم قائم على نظرية بأن  الغناء يتصادم مع قراءة القرآن، وأن نشر «بهاء سلطان» مقطع فيديو يقرأ فيه بعض آيات القرآن أمر مخالف. 

كريمة والمعترضون يشترطون التفرُّغ لقراءة القرآن الكريم؛ متساءلين «كيف لشخص يخرج فى حفلات غنائية، ويقوم بقراءة القرآن للناس فى المحافل العامة؟!».

اعتراض الشيخ كريمة فى تلك المسألة ليس الأول من نوعه؛ فقد سبق وتعرّض المنشد الدينى إيهاب يونس، إلى هجوم، بعد غناء أغنية لـ أم كلثوم أثناء استضافته فى برنامج تليفزيونى.

وقررت وزارة الأوقاف المصرية حينها، منع «يونس» من الخطابة والإمامة والدروس الدينية، بعدما أدى أغنية «لسّة فاكر» لأم كلثوم بصوته، مرتديًا الزى الأزهرى على إحدى الفضائيات المصرية.

 فن تجويد القرآن، وألوان تلاوته، ومعه الإنشاد الدينى، سار فى خط مواز مع تطوّر أصول التلحين، والطّرب، وغناء القصائد بنهايات القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين.

وكان لعدد من الشيوخ، الذين درسوا وتخرّجوا فى الأزهر الشريف، من بينهم منشدون وقراء للقرآن؛ مساهمة كبيرة فى نهضة الطرب بمصر فى تلك الفترة.

ولعل من أبرز هؤلاء الشيخ محمد عبدالرحيم المسلوب، الذى درس فى الأزهر الشريف، قبل أن يتّجه إلى دراسة الموسيقى، والتلحين.

وتتلّمذ على يد «المسلوب»، اثنان من مُحدثى النهضة الموسيقية فى تاريخ مصر الحديث بنهاية القرن التاسع عشر، هما عبده الحامولى (1845 - 1901)، ومحمد عثمان (1855-1900).

وغنّى عبده الحامولى قصائد شعريّة من تأليف الشيخ الأزهرى عبدالرحمن قراعة (1862 - 1939)، المفتى السابق للديار المصرية، الذى تولّى الإفتاء لمدة سبع سنوات فى عهد الملك فؤاد الأول.

ويعتبر الشيخ أبو العلا محمد (1927م -1884م) من أبرز صُناع نهضة الطرب بمصر، ويرجع له الفضل فى اكتشاف المطربة أم كلثوم.

وكان أبو العلا من دارسى الأزهر، وبدأ حياته بتلاوة القرآن الكريم، ثم تدرّج إلى فن الغناء شيئًا فشيئًا.

ولحّن أبو العلا، وغنّى قصائد لـ عبدالله الشبراوى، شيخ الأزهر السابع والفقيه الشافعى، مثل «والله لا أستطيع صدك»، و«وحــقــك أَنت المُنَى والــطَلَب».

ولُقّب الشيخ يوسف المنيلاوى  بـ «إمام المُلحّنين»؛ فجمع بين تلاوة القرآن، وغناء الموشّحات، والقصائد، وتلحينها، ويوصف بأنه من مُطربى المدرسة الخديوية.

فيما بدأ الشيخ سيد الصفتى مسيرته بتلاوة القرآن فى المآتم، والموالد، ثم إنشاد قصائد مدح الرسول، حتى انضمّ فى 1904 لتخت الشيخ إبراهيم المغربى، الذى لحّن له العديد من الموشّحات.

وجمع «الصّفتى» فى البداية بين تلاوة القرآن، والإنشاد الدينى، والتغنّى بأغنيات عبده الحامولى، ومحمد عثمان بمصاحبة العود، حتى تخلّى عن التلاوة، والإنشاد، وتفرُّغ للغناء على تخته الموسيقى.

ثم يأتى الشيخ سلامة حجازى بدايات التسعينيات فى القرن الماضى على رأس صُنّاع النهضة الفنية عمومًا بالقرن العشرين؛ فكان أحد روّاد المسرح الغنائى، مُلحّنا، ومُطربًا، وممثلًا.

بدأ «حجازى» حياته مقرئًا للقرآن الكريم، وتعلم أصول فن الإنشاد وأوزان النغم والأداء، ثم عمل مطربًا وممثلًا وملحّنا، وعُين شيخًا للطرُق الصوفية، ورئيسًا للمنشدين.

ثم أتى الاسم الأبرز فى مجال التلحين وهو الشيخ سيد درويش أشهَر دارسى المعهد الدينى بالإسكندرية، والذى صَنع ثورة كبيرة فى مجال التلحين والطرب.

وفى صغره التحق الشيخ زكريا أحمد أشهَر معلمى مصر فى القرن العشرين واحدًا صناع النهضة الفنية بالأزهر الشريف، ودرس علوم الدين، وحفظ القرآن الكريم، وبرع فى الإنشاد الديني، وتلاوة القرآن، ومن ثم عكف على تعلُّم فنون التلحين، فلحّن لأعظم مطربى عصره.

أمّا الشيخ على محمود أحد كبار الملحنين المصريين فقد جمع بين تلاوة القرآن والطرب والتلحين، وحفظ «محمود» القرآن الكريم على يد الشيخ أبو هاشم الشبراوى بكُتّاب مسجد فاطمة أم الغلام بالجمّالية، ثم جوّده، وأخذ قراءاته على يد الشيخ مبروك حسنين، وعلّمه الشيخ عبدالقادر المزنى أصول الفقه فى الوقت نفسه الذى بدع فيه فى الغناء. 

وبسبب عذوبة صوته؛ ذاع صيت الشيخ بين أهالى الجمالية؛ فأصبح القارئ الرئيسى لمسجد الحسين، وجذب له روّاد المسجد. 

وعشق «محمود» الموسيقى والتلحين؛ فتعلّم فنونها على يد الشيخ إبراهيم المغربى، وأتقن المقامات الصوتية، وحفظ الموشحات، حتى أصبح أشهَر منشدى عصره.

وتخرّج على يد الشيخ على محمود العديد من القراء والمنشدين مثل الشيوخ محمد رفعت، وطه الفشنى، وكامل يوسف البهتيمى، ومن تلامذته الملحنان محمد عبدالوهّاب، وزكريا أحمد.

وتحوّل منزل تلميذه الشيخ محمد رفعت (1882-1950) بحى السيدة زينب إلى منتدى ثقافىّ وأدبىّ وفنىّ؛ فربطته صداقة قوية بأشهَر المطربين والملحنين مثل محمد عبدالوهاب، وأم كلثوم، وزكريا أحمد.

وقيل إن الشيخ رفعت كان يُغنى لهم بصوته الرخيم فى تلك الجلسات، مثل قصيدة «أراك عصى الدمع»، و«حقك أنت المُنى»؛ فضلًا عن حبّه للموسيقى العالمية لـ بيتهوفن وموزارت، وبراعته فى عزف العود.